المغرب: ميناء طنجة المتوسط الثاني سيسمح بمعالجة أكثر من 5 ملايين حاوية سنويا

أعطى انطلاقة أشغال بنائه الملك محمد السادس.. ويروم جعله أرضية عالمية للإنتاج والتصدير

العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى إعطائه انطلاقة أشغال بناء ميناء طنجة ـ المتوسط الثاني (تصوير: لين ماب)
TT

شكل إعطاء العاهل المغربي الملك محمد السادس، أول من أمس بموقع ميناء طنجة المتوسطي، انطلاقة أشغال بناء الشطر الثاني، الذي يعد التوسعة الكبيرة للمركب المينائي «طنجة المتوسط»، حدثا اقتصاديا وتنمويا بارزا بامتياز، لا سيما أن إعطاء هذه الانطلاقة، جاء بعد تأكيد شركة «رونو» الفرنسية عزمها على إقامة مصنع للسيارات بالمنطقة الصناعية لطنجة ـ المتوسط، وهو ما يؤكد وجود عزيمة لدى الدولة المغربية من أجل السير قدما لإنجاز هذا المشروع المهيكل والمخطط له على المدى الطويل، بعيدا عن التقلبات الظرفية.

في سياق ذلك، تم بالمناسبة التوقيع على اتفاقية بين الدولة والوكالة الخاصة لطنجة ـ المتوسط، تحدد التزامات الطرفين بهدف إنجاح هذا المشروع التنموي الضخم، الذي سيغير من واقع شمال البلاد نحو الأحسن. ووقع هذه الاتفاقية صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، وسعيد الهادي، رئيس مجلس الإدارة الجماعية للوكالة الخاصة طنجة ـ المتوسط. كما تم أيضا التوقيع على عقد تفويت امتياز استغلال الرصيف الرابع للحاويات (الصناديق الحديدية) بميناء طنجة ـ المتوسط الثاني بين الوكالة الخاصة لطنجة ـ المتوسط،و «مارسا المغرب»، ووقع العقد سعيد الهادي ومحمد عبد الجليل، رئيس مجلس الإدارة الجماعية لـ«مارسا المغرب».

وتم التوقيع كذلك على عقد بناء يتم بموجبه إنجاز وتسليم المنشأة جاهزة للاستغلال، أسند لمجموعة من المقاولات مكونة من «بيسيكس» البلجيكية، و«بويغ للأشغال العمومية» الفرنسية، و«بايمارو» المغربية، و«سايبيم» المغربية، و«سوماجيك» الإيطالية. ووقع العقد سعيد الهادي، وكريستيان غيزين، الرئيس المدير العام لمجموعة «بويغ»، وجيل جونسون الرئيس المدير العام لشركة «بيسيكس»، وعلي بنشقرون، المدير العام لشركة «بايمارو»، وروجي صهيون، الرئيس المدير العام لـ«سوماجيك».

وسيمكن ميناء طنجة ـ المتوسط الثاني من معالجة أزيد من 5 ملايين حاوية سنويا، ويروم تعزيز وتقوية موقع جبل طارق في سوق الملاحة البحرية والمسافنة الدولية.

وتمكن المركب المينائي طنجة ـ المتوسط من فرض وتعزيز مكانته بمناولته رواجا بلغ ما يقرب من مليون حاوية ابتداء من عامه الأول للاستغلال (2008)، وهو ما ساهم في تحويل هذا المركب إلى ميناء رائد ومرجعي في المنطقتين المتوسطية والمسافنة الأطلسية.

و انعكست الأزمة العالمية، التي تم تسجيلها منذ الخريف الماضي، التي دفعت بمعظم كبار الفاعلين العالميين في مجال المسافنة إلى إعادة النظر في مخطط استثماراتهم الاستراتيجية على المدى القريب، على المسار العادي لبناء وتعبئة موارد ميناء طنجة ـ المتوسط الثاني، مما نتج عنه عدم الالتزام بالآجال المحددة لتفويت امتياز إنجاز الرصيفين الثالث والرابع للميناء سنة 2007، وبالتالي فإن شروع الميناء في نشاطه سيعرف تأخرا مدته 15 شهرا عن الموعد المحدد مسبقا. وسينجز الميناء على مرحلتين، سيتم في الأولى إنجاز أشغال أرصفة حماية الميناء، وكذا بناء الرصيف الرابع بطول 1200 متر بطاقة استيعابية تقدر بمليونين و200 ألف حاوية إلى أن يتم، في المرحلة الثانية، إطلاق أشغال بناء الرصيف الثالث الذي سيبلغ طوله 1600 متر، وبسعة 3 ملايين من الحاويات، حسب طلبات الفاعلين الدوليين.

وبهدف مواكبة مختلف مراحل إنجاز المشروع، تلتزم الدولة المغربية بالمساهمة في حدود ملياري درهم (247 مليون دولار)، في رأسمال شركة طنجة ـ المتوسط الثاني، فرع الوكالة الخاصة لطنجة ـ المتوسط، المكلفة إنجاز المشروع، مع إمكانية تحلل الدولة من التزاماتها بمجرد تفويت امتياز الرصيف الثالث من الميناء وتوفره على مداخيل قارة.

وأبدت «مارسا المغرب»، الفاعل المغربي المرجعي في مجال المسافنة، وعضو الكونسورسيوم، الذي وقع عليه الاختيار في يوليو (تموز) 2008 في المناقصة الخاصة بإنجاز الرصيف الرابع لميناء، اهتمامها بفتح مفاوضات مع الوكالة الخاصة لطنجة ـ المتوسط بهدف المساهمة في تدبير واستغلال رصيف ميناء طنجة ـ المتوسط الثاني، وذلك رغبة منها في الإسهام في جهود الوكالة الخاصة طنجة ـ المتوسط الرامية إلى مواكبة التطور الإقليمي في مجال المسافنة، وتعزيز قدراتها من خلال التوفر على رصيف للحاويات مؤهل لأن يصبح قاعدة خلفية للرواج المينائي البحري.

يذكر أنه بعد أشهر من المفاوضات فوتت الوكالة الخاصة لطنجة ـ المتوسط امتياز بناء هذا الرصيف لـ«مارسا المغرب»، التي أنشأت شركة لهذا الغرض.

ويقضي عقد تفويت الامتياز، الذي تم التوقيع عليه، بتعبئة استثمارات إجمالية قدرها 320 مليون يورو، منها 200 مليون يورو سيتم استثمارها، خلال السنوات الخمس الأولى، لتهيئة مجموع البنيات التحتية والتجهيزات الضرورية لضمان اشتغال جيد للرصيف.

ويقضي العقد، الذي يمتد لـ30 سنة، بالتزام «مارسا المغرب» بضخ إتاوات قارة أو متغيرة تحدد على قاعدة رواج مينائي سنوي يقدر بمليوني حاوية.

وبمقتضى طلب العروض الدولي، الذي أطلق في أكتوبر (تشرين الأول) 2007 بعد القيام بانتقاء قبلي، تم تفويت بناء ميناء طنجة ـ المتوسط الثاني إلى تجمع من المقاولات مكون من «بويغ للأشغال العمومية»، و«بيسيكس»، و«بايمارو»،و «سوماجيك»، و«سيبيم»، وذلك بموازنة جزافية قدرها 9 مليارات و250 مليون درهم، (825 مليون يورو)، منها 7 مليارات و250 مليون درهم، مخصصة للشطر الأول من المشروع، الذي سينجز داخل أجل 51 شهرا، ابتداء من تاريخ إصدار الأمر بالعمل.

ويتضمن العقد الذي وقعته الوكالة الخاصة لطنجة ـ المتوسط مع هذا التجمع من المقاولات، أيضا، التزام هذا التجمع بوضع التصميم الخاص بهذه المنشأة، وكذا بتحمله مسؤولية المخاطر الناجمة عن الأرضية والمناخ مع التزام صارم كذلك باحترام الآجال المحددة ومخطط التدبير البيئي الذي تم وضعه بناء على الدراسات المنجزة.

ويرى المراقبون أن ميناء طنجة ـ المتوسط الثاني سيمكن من تحويل المركب المينائي طنجة ـ المتوسط إلى ميناء رائد في المنطقتين المتوسطية والأطلسية والرفع من طاقته الاستيعابية إلى 8 ملايين من الحاويات مما يسمح بفتح آفاق تنافسية واعدة للاقتصاد المغربي. في سياق ذلك، قال كريم غلاب وزير التجهيز والنقل المغربي إن المركب المينائي «طنجة ـ المتوسط»، بمناطقه الحرة، يجعل من المغرب أرضية عالمية للإنتاج والتصدير.

وأوضح الوزير غلاب، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الاقتصاد والمالية ورئيس المجلس المديري للوكالة الخاصة طنجة ـ المتوسط، عقد مساء أول من أمس، أن هذا المركب المينائي بموقعه الاستراتيجي الجغرافي من شأنه خدمة الأسواق العالمية الكبرى خاصة الأوروبية والأميركية والآسيوية.

وأضاف غلاب أن هذه الأرضية المينائية تعد بمثابة بوابة لوجستية تتوفر على جميع خدمات النقل واللوجستية بالنسبة للمستثمرين الراغبين في الاستقرار بالمنطقة.

وذكر غلاب بتخصيص خمسة آلاف هكتار من الأراضي لاحتضان الوحدات الصناعية الراغبة في الاستقرار بالمنطقة، والاستفادة من الخدمات عالية الجودة التي تتيحها هذه الأرضية المينائية.

وأشار غلاب إلى أن إعطاء انطلاقة أشغال تشييد ميناء طنجة ـ المتوسط الثاني يندرج في سياق نجاح ميناء طنجة ـ المتوسط الأول، الذي ساهم في تسريع وتيرة استقطاب الاستثمارات بشمال المغرب.

وأبرز الوزير المغربي أن توسعة المركب المينائي تتماشى مع فلسفة تعزيز موقع المغرب كأرضية للخدمات اللوجستية بمدخل جبل طارق في ملتقى أكبر الطرق البحرية الرابطة بين الشرق والغرب من جهة، والشمال والجنوب من جهة أخرى.

في سياق ذلك، أعلن غلاب أن المركب المينائي طنجة ـ المتوسط مكن المغرب من الانتقال من المرتبة 75 على مستوى مؤشر فعالية الربط إلى المرتبة 30 عالميا، مما يجعل الرباط تحتل المرتبة الثانية قاريا بعد جنوب أفريقيا.

على صعيد آخر، توقع غلاب أن يساهم المركب المينائي طنجة ـ المتوسط، الذي ستبلغ طاقته الكلية مناولة 8.2 مليون حاوية من حجم عشرين قدم، بالإضافة إلى مناطقه الحرة الصناعية واللوجستية والتجارية في إحداث أزيد من 300 ألف منصب شغل، وفتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد المغربي في مجال التنافسية والتنمية.

ويرى المراقبون أنه على الرغم من الأزمة المالية التي تهز أركان الاقتصاد العالمي، فإن المشروع الكبير لطنجة ـ المتوسط يسعى إلى تحقيق طموحه بتوفير أرضية متميزة متعددة الخدمات وذات تنافسية عالية للجهة الشمالية ومجموع مناطق البلاد. ويعد المركب المينائي طنجة ـ المتوسط أرضية ذات بعد عالمي تشتمل على الخصوص على ميناء للمسافرين وآخر مخصص للحاويات بالإضافة إلى مناطق حرة واسعة موجهة لاستقبال الوحدات الصناعية العاملة في القطاعات الواعدة.

ويستهدف هذا المشروع، المتموقع بشكل استراتيجي على أبواب أوروبا ونقطة التقاء أهم الطرق البحرية، سوقا تعدادها 600 مليون نسمة (غرب أوروبا،غرب أفريقيا، شمال أفريقيا، أميركا الشمالية).