دبي بانتظار هبوط جديد لأسعار العقارات في الربع الثالث

مغادرة العائلات بعد انتهاء العام الدراسي وتخفيض الأجور سبب رئيسي

جانب من مدينة دبي («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد العقارات في إمارة دبي ارتفاعا واضحا، ليس في الأسعار هذه المرة كما درجت عليه العادة في الثلاث سنوات الماضية، ولكن في وتيرة استطلاع مستقبل هذا القطاع، بفعل ما شهده من تداعيات متسارعة كنتيجة للأزمة المالية العالمية، التي أثرت بشكل مباشر على أداء القطاع في دبي، أودت بأسعاره إلى مستويات لم يكن يذهب أحد لمجرد توقعها.

فمع اشتداد الأزمة، تبخرت أحلام الكثيرين من العرب والأجانب ممن اشتروا عقارا للاستثمار، توقعوا أن تزداد قيمته مع الوقت، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي الأنفس، فمن كان ينشد الربح لم ينله، ومن كان يرغب بالإقامة الدائمة على اعتبار أنه من ملاك العقارات لم يطلها، بعد قرار وزير الداخلية الإماراتي الأخير المتعلق بالإقامات، الذي حدد مليون درهم سعرا ادني للعقار لكي يمنح صاحبه إقامة مؤقتة لمدة ستة أشهر فقط.

وخلال العام المنصرم من الأزمة لم تصدر أي نسبة رسمية تحدد مستوى تراجع أسعار العقارات في الإمارة، إلا أن تقريرا حكوميا صدر قبل أيام، يشير إلى أن نسبة تراجع العقارات وصلت إلى 25 في المائة، إلا أن تقدير هذا التراجع في الأسعار ليس بالأمر العسير، إذ تراوحت الأسعار تراجعا بين 30 إلى 50 في المائة في بعض الأحيان، وصولا إلى 70 في المائة أحيانا أخرى، وفقا لما درج على تكراره مطورون عقاريون خلال هذه الفترة الماضية.

وفيما يبدو جليا أن انخفاض الطلب، وتراجع عمليات التمويل وعمليات التسريح، وغياب المضاربات، وأجواء عدم الثقة العالمية، هي عوامل شكلت هذه الطفرة في التراجع لأسعار كانت في السابق تشهد طفرة في الارتفاع، لا يفتأ مجتمع دبي يكرر ويترقب حلول الشهر السادس والسابع «لأنهما سيكونان القاع الحقيقي لأسعار العقارات في دبي» ويتلخص الحديث الذي يكرره معظم من قابلتهم من مختلف المستويات، من سكان الإمارة، أنه عندما سيغادر كل من تم تسريحهم من وظائفهم بعد انتهاء العام الدراسي الحالي سيتركون وراءهم مساكن بانتظار سكان جدد، قد يصعب الحصول عليهم، الأمر الذي سيسبب انخفاضا جديدا في الأسعار فهل يشهد كل من شهري يونيو ويوليو قاع التراجع في أسعار عقارات الإمارة؟ يرى فراس الجاسمي، المستشار العقاري الإماراتي، أنه لم يعد خافيا على أحد، أن هناك أناسا فقدوا وظائفهم، ولكن هناك أناس ينتظرون حتى نهاية العام الدراسي، ما يعني أن شهري يونيو ويوليو سيشهدان تراجعا في الأسعار. لكن الجاسمي يرى أن حالة عدم الاستقرار في السوق تجعل عملية التقدير بالأرقام أمرا صعبا، وخاصة أن هناك من ينتظر الحصول على وظيفة جديدة، وقد يحصل عليها في هذه الفترة، وهو ما يمكن أن يلغي فكرته في المغادرة، مشيرا إلى «أننا لا يمكن أن نحكم على كل عائلة تغادر بأنها لن تعود، على اعتبار أن هذه العائلات قد تكون قد ذهبت لقضاء الإجازة السنوية».

يسلط الجاسمي الضوء أيضا على نقطة أخرى، هي أن عمليات التسريح قد لا تكون السبب الوحيد لمغادرة العائلات، وتركها لوحدات سكنية فارغة، فعمليات تخفيض الأجور أيضا، التي كانت سياسة عدد من الشركات لمواجهة الأزمة، قلصت النفقات ودفعت بعض أرباب العائلات لإرسال أسرهم إلى ديارهم، وبالتالي لم يعد رب العائلة الذي بقي في البلاد بحاجة إلى «غرفتين وصالة مثلا، فقد يستعيض عنها بغرفة، أو قد يلجأ إلى خيار المشاركة في السكن».

ويلفت الجاسمي، إلى أن «العائلات التي ترغب في المغادرة، بدأت من هذا الشهر بإخطار أصحاب المنازل التي تستأجرها بأنها لن تجدد العقد». أما ما ينصح به الجاسمي، كمستشار عقاري، وتحديدا للراغبين في الاستثمار في هذا القطاع، هو «انتظروا حتى الشهر العاشر والحادي عشر، لأن الأمور ستضح أكثر، فقد تتراجع أسعار العقارات كنتيجة لتراجع الطلب على الإيجار والشراء، من 10 إلى 15 في المائة في هذين الشهرين».

وفيما يبدو أن الكثيرين من الموظفين في دبي ممن لم تؤثر الأزمة على وضعهم الوظيفي يحبذون فكرة الانتقال إلى مساكن أقرب لوظائفهم، وبأسعار مغرية وأقل مما كانت عليه بكثير في السابق، يقول عمر وهو موظف في مدينة دبي للإعلام، ويسكن في منطقة الجميرا (20 كلم عن مدينة دبي للإعلام) أفكر الآن أن انتقل للعيش في منطقة المارينا القريبة من عملي، وخاصة أن ما أدفعه الآن في سكني الحالي يساوي أو يزيد عما يمكن أن أدفعه في منطقة المارينا بالميزات نفسها».

ويتابع عمر، انتظر أن تنخفض الأسعار في الشهر السابع، لأن من تم تسريحهم من الوظائف سيغادرون البلاد وستنخفض الإيجارات.

وعلى هذا الأساس يرى المستشار العقاري فراس الجاسمي، أن ما ستكون عليه الأمور في الأشهر القادمة سيكون عملية تصحيح جديدة للأسعار، لكنه يضيف أن عمليات البيع والاستئجار ستشهد حركة ملحوظة، لأن الأمور ستسير وفقا لنظرية الأواني المستطرقة، «فمن يعمل في دبي ويسكن في الشارقة، مثلا، بهدف التوفير لقيمة الإيجار الأقل هناك أصبح بإمكانه الانتقال إلى دبي وبسعر مغر، «وهو ما أصبح واضحا حيث تشهد منطقة «المارينا» و«الديسكفري غاردن» حركة استئجار واضحة لأناس جاء معظمهم من أطراف الإمارة، ومن الإمارات المجاورة بعد أن كانت هذه المناطق حكرا على طبقات معينة، ممن تزيد رواتبهم عن 13 ألف درهم.

يقول الجاسمي، ستعود الأمور إلى الاستقرار، فقبل أشهر قليلة كان البيع شبه متوقف، «ولكن الآن هناك حركة بيع وشراء لوجود أسعار مغرية جدا للأراضي والعقارات».

بدوره يرى أحد المطورين العقاريين، أن حدوث تسريحات، وتراجع سوق العقار، وتوقع مغادرة عائلات كثيرة للبلاد، هو أمر لا يخفى على أحد. ويتوقع محمد نمر، الرئيس التنفيذي لشركة «دماك» العقارية، أن الأشهر القادمة ستظهر ذلك جليا، مشيرا إلى أن ما يثار من إشاعات عن أعداد هائلة من العائلات ستغادر هو أمر لا يمكن قياسه، إلا من قبل الجهات الحكومية وليس من الناس العاديين.

ويتابع نمر، في هذا السياق، الناس تتحدث عن الشهر السادس والسابع وأنها ستأخذ العقارات إلى مستويات سعرية متدنية، لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار، أن الكثير من العائلات تبدأ إجازاتها في هذين الشهرين مع انتهاء العام الدراسي، لذلك لا يمكن أن نقول، إن كل عائلة تغادر لن تعود «وأنت تعرف أن دول الخليج تشهد مغادرة أعداد كبيرة من العرب والأجانب، في ظل الأزمة وخارجها، وبشكل اعتيادي لقضاء إجازاتهم».

وبناء على هذه المعطيات، يقول نمر: «اعتقد أن الأمور ستتضح تماما بعد شهر رمضان وعطلة الأعياد، عندها سيكون انتهى موسم الإجازات وعاد من عاد وبقي من بقي».

ويلفت نمر، إلى أن أزمة السوق العقارية الحالية، ليست بسبب انعدام الثقة، لكنها بحكم غياب المشتري الناتج عن غياب التمويل، لافتا إلى أن تراجع أسعار العقارات في دبي، وصل إلى 40 في المائة في العقارات التي شهدت ارتفاعا طبيعيا في أسعارها، وليس في العقارات التي شهدت ارتفاعات خيالية.

ويقول نمر: «ننتظر الأمور لتستقر، ولا بد من إيجاد حلول، والإجراء الطبيعي من قبل المطورين لمواجهة هذا الأمر، هو التعايش مع هذا الواقع وعملية تقنيين بناء وحدات جديدة ريثما يعود السوق إلى الهدوء».

وبما أنه يمكن اعتبار النشاط العقاري عصب الحياة الاقتصادية في إمارة دبي، فقد أثر التراجع في مستوى نشاط هذا القطاع على مناح عدة، وعلى رأسها المشروع الأضخم في دبي لتسيير المترو بين أطراف الإمارة، حيث أكد مسؤول حكومي، أن حكومة دبي علقت خططا لتوسعة شبكة خطوط المترو، التي تكلف 4.4 مليار دولار، بعد أن ألغت شركات عقارية أو أرجأت مشروعات بمليارات الدولارات في الإمارة، التي كانت تشهد ازدهارا كبيرا. ونقلت وكالة «رويترز» عن عبد الرضا أبو الحسن، مدير إدارة التخطيط والتصميم في مؤسسة القطارات بهيئة الطرق والمواصلات، إن الخطوط الأخرى ستعتمد الآن على الوضع الجديد بالنسبة للشركات العقارية، لأن أغلب الشركات العقارية أوقفت مشروعاتها، وأضاف أن الهيئة لا تريد إقامة خط لا يخدم أحدا. أما تحديد نسبة التراجع في هذا السوق، فتأرجحت على صفحات التقارير التي تصدرها شركات استشارية مختصة، تتخذ من دبي مقرا لها، حيث تنوعت الدراسات التي تحلل وتستشرف واقع هذا القطاع، وما سيكون عليه، فقد قالت شركة «بروليدز» لبحوث السوق في فبراير (شباط) الماضي، إن أكثر من نصف مشروعات الإنشاءات التي تبلغ تكلفتها 582 مليار دولار في دولة الإمارات تم تعليقها، كما ألغت شركات عقارية في دبي أو أرجأت مشروعات بمليارات الدولارات بسبب التراجع الاقتصادي العالمي، في حين خلص تقرير مشترك عن سوق العقارات في دبي لشركتي «بيتر هومز» و«إنفستمنت بوتيك» للأبحاث والاستشارات، إلى أن الأسعار في هذا القطاع سوف تستمر في الانخفاض، «ما دامت مستويات الطلب والدخل في مستوى ليس في متناول معظم المستهلكين». وخلص التقرير الذي يعتبر واحدا من عشرات التقارير التي تناولت هذا الموضوع، إلى أنه من المرجح أن تصل الأسعار إلى أدنى مستوى لها خلال الربع الأخير من عام 2009، والبدء في تحقيق الاستقرار تدريجيا في المستقبل، في الوقت ذاته خلص تقرير أخر، إلى أن أسعار العقارات السكنية في دبي قد تنخفض إلى ما بين 57 في المائة و70 في المائة، مما كانت عليه خلال الربع الأخير من 2008، وأشار التقرير الصادر عن محللي بيت التمويل السويسري يو بي اس إنفستمنت ريسيرش، إلى أن سوق العقارات السكنية في دبي لا يزال أمامها شوط طويل قبل أن تبدأ في التعافي.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أوضحت مؤسسة التنظيم العقاري، أن الشركات العقارية من المرجح أن ترجئ تسليم نحو 20 في المائة من الوحدات السكنية في 2009، ونحو 40 في المائة في 2010.