هل ستستمر حالة الانتعاش التي تشهدها أسواق المال الأميركية؟

سجلت أكبر ارتفاع لها منذ سنوات خلال الربع الأول من العام

جانب من التداولات في سوق نيويورك («الشرق الأوسط»)
TT

بعد ظهور عدد من التحولات الملحوظة في أسواق الأسهم خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي، لم يستطع المستثمرون الأميركيون وقف أنفسهم عن التساؤل: هل ستستمر تلك الحالة من الارتفاع أم أن هناك مخاطر تلوح في الأفق؟

أظهرت الأسهم أكبر ارتفاع ربع سنوي منذ أعوام خلال الشهور الثلاثة التي انتهت في 30 يونيو (حزيران) بارتفاع مؤشر أسهم ستاندرد أند بور 500 ـ والذي يعد أضخم مقياس للسوق الأميركية ـ بمعدل 15.2%، على عكس الخسائر الكبيرة التي شهدها الربع الأول عندما انخفض نفس المؤشر بمقدار 11.7% ليصل إلى أقصى انخفاض له خلال 13 عاما يوم 9 مارس (آذار).

استعادت وول ستريت عافيتها خلال الشهور الثلاثة الماضية حيث أشار عدد من المؤشرات الاقتصادية إلى إمكانية التعافي من الركود، ونجاعة جهود الحكومة في احتواء الأزمة. لكن بعض المحللين يرون أن الاضطرابات يمكن أن تؤدي إلى تدهور السوق ـ أو صعوده ـ خلال الربع الثالث.

فيقول جيري ويبمان، كبير الاقتصاديين في مؤسسة أوبنهايمر فاند: «السوق في حالة توقف مؤقت لكي يستشرف ما سيحدث فيما بعد».

ويملك المستثمرون العديد من المناطق التي يستطيعون من خلالها متابعة المدى الذي يمكن أن تستمر عليه حالة الكساد مثل: دخل الشركات والنمو الاقتصادي والبطالة وأسعار النفط وحبس الرهون.

كما أنهم يتابعون بدقة عن كثب استمرار إدارة الرئيس أوباما في توسعة خطة التحفيز الاقتصادي. بيد أن الحروب الخارجية يمكن أن تهز ثقة المستثمرين، فأي أزمة في الشرق الأوسط أو توتر مع كوريا الشمالية يمكن أن يوقف أي انتعاشة للسوق. وقال جيفري كلينتوب، كبير استراتيجي السوق في مؤسسة إل بي إل للخدمات المالية: «أعتقد أن الربع الثالث مهم جدا بالنسبة للمستثمرين». وحتى الآن، يمكن للمستثمرين التقاط أنفسهم بعد ربع مالي جيد، منذ أن أنشبت فترة الركود أظفارها في الاقتصاد أواخر 2007. لم تكن النتائج شديدة الوقع، لكنها كانت مميزة إثر التشاؤم العميق لأزمة الائتمان.

وقال سام ستوفال، استراتيجي الاستثمار في مؤسسة ستاند آند بور إكويتي ريسيرش «كان المقياس منخفضا جدا لدرجة أن المستثمرين باتوا على يقين من أن البنوك ستتعرض لعملية تأميم، وأن الديمقراطيين سيكونون قادرين على تقديم مقترح يثير اهتمام المستثمرين والآخرين في ماين ستريت، وأن أسعار أسهم البورصة ستنخفض إلى مستويات توازي ما شهدته البلاد خلال الفترة ما بين عامي 1929 و1932. بيد أنه مع اشتداد الظلمة حدث التغير».

وذكر شركة ليبر التي تعمل في مجال تتبع الصناديق ارتفاع مؤشر داو جونز الذي يقيس أداء أسهم 30 شركة كبرى 11%. كما حقق مستثمرو صناديق الاستثمار التعاوني أرباحا وارتفعت الصناديق التي تستثمر في أسهم أميركية متنوعة 17.5%.

وقد شهدت كل القطاعات في مؤشر إس آند بي 500 مكاسب في النصف الثاني لتصل إلى أعلى ارتفاع لها في 12 يونيو (حزيران). فارتفعت الأسهم المالية 100% والصناعية 55% والمواد 54%. حتى أن أسوا القطاعات الثلاث أداء ـ الرعاية الصحية وخدمات الاتصالات والمتاجر ـ ارتفعت بنسب 17% و18% 21%.

ويتوقع المحللون، استنادا إلى بيانات تاريخية كدليل، أن يفقد السوق بعض مكاسبه هذا الربع، لكنه سيتعافي في النهاية. ويقول ستيف إن الفترة التي تشهد انخفاض أسعار الأسهم وزيادة في بيعها يعقبها ارتفاع ملحوظ في نشاط السوق. ثم ينخفض السوق خلال الأشهر القليلة التالية بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15%، ثم بعد ذلك تبدأ في تحقيق أرباح بمعدل 36% في الاثني عشر شهرا التي تلي تلك الفترة التصحيحية. وأضاف ستوفال أن مؤشر إس آند بي 500، الذي أغلق يوم الجمعة على 879.3 قد ينخفض ما بين 800 إلى 825: «يمر السوق حتى الآن بما أعتقد أنه حدث تاريخي طبيعي».

وأشار ويبمان إلى أن الربع الثالث سيشهد بداية الانتعاش من الركود والذي سيستمر في التضاؤل حتى العام القادم. وقال إن السوق لن تصل إلى تلك المرحلة بصورة ثابتة لكن هناك بعض الأمور التي قد تحدث في بعض الفترات.

وأبدى روبرت لوست كبير مديري المحافظ المالية في إنتغرتي ميوتيوال فاند، نظرة متشائمة مشيرا إلى البطالة ـ التي يتوقع أن تستمر في التصاعد ـ وبدء موجة جديدة من حبس الرهون العام القادم، وقال: «قد تظهر بعض الأحداث السلبية، وما نشهده الآن هو فترة هدوء مؤقت».

وقد بدأت فترة الهدوء المؤقت إثر انخفاض السوق بصورة كبيرة في مارس (آذار) وأغري المستثمرون بالعودة إلى السوق للحصول على أسعار الصفقات. كما شعروا بالثقة عبر بيانات الاقتصادية مثل مبيعات التجزئة وثقة المستهلك التي بدأت تبدو إما أكثر تفاؤلا أو أقل تشاؤما.

وأشار ليبر إلى أن صناديق الخدمات المالية العالمية كانت أكثر الناجحين، حيث ارتفعت بنسبة 32.35%. فيما شهدت صناديق التكنولوجيا والعلوم العالمية والموارد الطبيعية ارتفاعا ملحوظا هي الأخرى حيث ارتفعت بنسبة 24.96 و24.47% على التوالي. أما صناديق الأسواق الناشئة فقد شهدت انتعاشة حيث ارتفعت بمقدار 36.85%.

ولم تحقق صناديق السندات وصناديق الأسهم إلى جانب صناديق السندات الحكومية أي إخفاقات أو نجاحات كبيرة بيد أن متوسط الدخل العائلي الثابت ارتفع إلى 6.97%.

ويشير استراتيجيو السوق إلى أن الربع الثالث سيحظى بعمليات شراء جيدة فقال جون كوماريانوس، محلل صناديق الاستثمار التعاوني في مورننغستار: «إن عمليات الشراء أقل مما كانت عليه قبل شهور، لكن عمليات الشراء موجودة».

وقال كلينتوب إن القطاع الصناعي يجب التفكير فيه لأن تلك الشركات ستستفيد من ازدياد النشاط الاقتصادي فأسهم الشركات الصغيرة تعد أكثر أمنا في الاستثمار من أسهم الشركات الكبرى لأن الشركات الصغرى هي الأكثر انفتاحا على الاقتصاد الأميركي.

أما الشركات الكبرى التي تعتمد على الصادرات فيرى أنها لن تتعافى بسرعة، والسندات ذات الأرباح المرتفعة ستحظى بعائدات أعلى من السندات الحكومية، قال كلينتوب إنه كان متبعا خلال النصف الثاني. وتعد الفترة الحالية الأنسب بالنسبة للأفراد لمراجعة مخصصات أصولهم مع عدم التخلي عن خططهم طويلة الأمد.

وقد يكون الاستثمار الدوري بانتظام طوال الوقت الطريقة الأمثل للدخول إلى السوق خلال الأشهر الاثني عشر أو الثمانية عشر المقبلة. وقال جيف مورتيمر، خبير الاستثمار في مؤسسة تشارلز شواب لإدارة الاستثمار: «افعل ذلك طوال الوقت وكن صديقا لعدم الاستقرار، فستشترى أسهما أكثر عند انخفاض السوق. يمكنك عند ذلك الحد البقاء متماسكا وأن تنفصل وجدانيا عن سوق كان وحشيا بالنسبة لمستثمرين العام الماضي؟»

*خدمة «نيويورك تايمز»