احتياطي الصين يتجاوز الألفي مليار دولار.. ووزير أميركي: العجز التجاري مع بكين ليس مستداما

خبراء أكدوا أنه رقم قياسي يدل على وضع جيد للاقتصاد غير أنه ينطوي على مخاطر أيضا

أصبحت الصين الدولة الدائنة الأولى لأميركا التي بلغ عجزها التجاري مع بكين مستوى قياسيا العام الماضي قارب 270 مليار دولار
TT

أعلن المصرف المركزي الصيني أمس أن احتياطي القطع للصين تجاوز الألفي مليار دولار وبلغ 2131.6 مليار في نهاية يونيو (حزيران)، وهو رقم قياسي يدل على وضع جيد للاقتصاد غير أنه ينطوي على مخاطر أيضا. فهذا التدفق في السيولة المتزامن مع تزايد كبير في الاعتمادات في الأشهر الأخيرة يثير مخاوف من عودة الضغوط التضخمية ويشكل فورات ومشاكل أخرى. وقال تينغ لو الاقتصادي في «ميريل لينش» في مذكرة إن «البنك المركزي في وضع حساس لأن عليه تدارك حصول فورات دون تشديد سياسته النقدية قبل فوات الأوان». وكان الاحتياطي الصيني الذي أصبح الأول في العالم في 2006 تجاوز 1900 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) وارتفع إلى 1946 مليارا في نهاية ديسمبر (كانون الأول) ثم سجل انخفاضا في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط). وقال المصرف المركزي إن الاحتياطي ارتفع بمقدار 185.6 مليار خلال النصف الأول من السنة الحالية. وارتفاع القطع ناجم عن الفائض التجاري الصيني والاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين وعائدات استثمارات الصين خارج حدودها. ويمكن أن يزداد أيضا بفعل عمليات أموال المضاربة. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية أفاد الاقتصاديون بعد إجراء حساباتهم أمس أن مجموع كل هذه المكونات (بعد حسم الأموال الخاصة بالاستثمارات الصينية في الخارج) يبقى أقل بكثير من 185.6 مليار دولار تحققت في النصف الأول من السنة. وبلغ مجموع الفائض التجاري 96.4 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من السنة (ـ 1.3% بوتيرة سنوية). وقالت مجموعة «ستاندارد شارترد» إن «حجم القطع الذي دخل بشكل غير مفسر بلغ ثلاثين مليار دولار في الفصل الثاني مقابل 56 مليارا خرجت من دون تفسير في الفصل الأول». وأوضح الاقتصادي في هذه المجموعة المصرفية الأميركية ستيفن غرين في مذكرة أن «الأموال الساخنة» قد تعود من جديد، تشجعها سياسة إقراض متساهلة جدا ومؤشرات عديدة على تشكل فورات». وقال سو شانغ من شركة الاستشارات «سي آي بي إم» إن «انتعاش قطاع العقارات جذب المستثمرين الأجانب»، لكنه أكد أن استثمارات الدولة الصينية في الخارج «أصبحت أفضل مع انتعاش الأسواق الأجنبية».ويستثمر جزء كبير من القطع الذي تملكه الصين في ودائع بالدولار مثل سندات الخزينة الأميركية التي تملك بكين 763.5 مليار دولار منها حسب أرقام نشرت في نهاية أبريل (نيسان) بعدما أصبحت الدولة الدائنة الأولى للولايات المتحدة في سبتمبر. وكان ارتفاع هذا الاحتياطي تباطأ العام الماضي للمرة الأولى منذ عشر سنوات (+27.3% مقابل +43.3% في 2007). وتراجع الاحتياطي في بداية السنة قبل أن يستأنف صعوده في مارس (آذار). وقال سو إن «الاقتصاد الصيني يتعافى بشكل عام وأسعار الأصول ترتفع»، مؤكدا أن الصين «تجذب مزيدا من المستثمرين الأجانب».وانتعاش الاقتصاد الصيني ناجم عن سياسة تتبعها الصين لتشجيع الاستثمار والاستهلاك عبر إجراءات ضريبية وتبني سياسة نقدية مرنة جدا تشجع الاقتراض. وقال المحللون في مجموعة «غولدمان ساكس» إن «تشديد الرقابة تدريجيا على السياسة النقدية في وقت مبكر سيشكل مبادرة إيجابية (...) لكننا نعتقد أن الحكومة يجب ألا تتخذ إجراءات صارمة في الأمد القصير لامتصاص المخاطر على النمو والوظائف».

من جهة أخرى قال حثت الولايات المتحدة اليوم الأربعاء الصين على بذل المزيد من أجل فتح اقتصادها أمام التجارة الحرة والسماح بتحقيق مرونة أكبر في سعر صرف عملتها.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، قال وزير التجارة جاري لوك في كلمة ببكين إنه «إذا سمحت الصين بمرونة أكبر في سعر صرف عملتها وفتحت أسواقها المحلية بشكل أكبر أمام الواردات والاستثمارات الأجنبية المباشرة فإن ذلك سيسرع من تحقيق العالم نموا من جديد».

وقال لوك «إن الصين تواصل دعم الشركات المحلية بشكل غير عادل وتحرز تقدما محدودا فقط في مجال حماية الملكية الفكرية وتضع العراقيل أمام الشركات الأجنبية وهي في حاجة إلى الالتزام من جديد بتطبيق قوانين واتفاقيات التجارة الدولية».

وقال لأعضاء غرفة التجارة الأميركية ومجلس الأعمال الأميركي الصيني إن «مساندة الشركات المحلية بشكل غير عادل أو استبعاد الشركات متعددة الجنسيات من دخول الأسواق المحلية والفوز بعقود المشتريات الحكومية يمكن أن يشكل خطرا كبيرا أمام التعاون التجاري».

واعترف لوك بأن الصين خطت «خطوات هائلة» في حماية حقوق الملكية الفكرية خلال السنوات القليلة الماضية. لكنه قال إن «شركات أميركية في مجالات متنوعة كالطاقة والتكنولوجيا والترفيه والأدوية لا تزال تخسر مليارات الدولارات كل عام في الصين بسبب سرقة حقوق الملكية الفكرية».

ويقول منتقدون أميركيون إن تباطؤ رفع سعر صرف الرينمينبي الصيني الأقل من قيمته يعطي ميزة اقتصادية غير عادلة من خلال جعل صادراتها أرخص ويزيد الفائض التجاري الضخم لها.

ويزور لوك الصين مع وزير الطاقة الأميركي ستيفين تشو على رأس وفد لبحث التغير المناخي مع مسؤولين صينيين.

تأتي زيارة لوك وتشو وتستغرق ثلاثة أيام للصين قبيل انعقاد الحوار الاستراتيجي الأميركي ـ الصيني في واشنطن في وقت لاحق من هذا الشهر مع استمرار الخلافات بين الجانبين بشأن خفض انبعاثات الكربون.

وتشدد الصين على الإبقاء على مبدأ «مسؤوليات مشتركة لكن مختلفة» وفقا لإطار عمل الأمم المتحدة مع قيام الدول المتقدمة بالدور الأكبر في خفض الانبعاثات؟

لكن لوك جدد اليوم الأربعاء تأكيده لموقف الولايات المتحدة بأن الدول النامية الكبيرة مثل الصين والهند يجب أن تقوم هي الأخرى بدور مهم في خفض انبعاثات الكربون على مستوى العالم.

وقال «قيل إنه من قبيل عدم العدالة مطالبة الصين ودول نامية أخرى بإجراء خفض كبير لانبعاثاتها من الكربون بعد أن قضت دول مثل الولايات المتحدة 150 عاما تستخدم الفحم والنفط وأنواعا أخرى من الوقود الملوث من أجل نمو اقتصاداتها».

وقال إنها «نقطة غير مفهومة لكنه عدم اهتمام بالطبيعة الأم». وقال إنها (الطبيعة) «لن تفرق بين الكربون الذي جاء من الولايات المتحدة أو الصين أو من أوروبا أو الهند.. وأنها ستتجاهل محاولات تبرير خطايا المستقبل من خلال الإشارة إلى الخطايا الأخرى التي ارتكبت في الماضي». وبحسب «رويترز» قال ياو جيان المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية في مؤتمر صحافي أمس «هناك بعض القضايا في علاقاتنا التجارية الثنائية تشمل التعاون في مجال المنتجات عالية التكنولوجيا». وأضاف أن الفائض الكبير في التجارة مع الولايات المتحدة أصبح مثارا لقلق عالمي «تحاول الصين الترويج للتوازن التجاري. لدينا مجموعات عمل خاصة تجري محادثات مع الولايات المتحدة للترويج للتوازن في التجارة والتعاون في المنتجات عالية التكنولوجيا». وقال لوك إن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيسعى لاستعادة التوازن في التجارة بين البلدين مشيرا إلى أن العجز التجاري الأميركي مع الصين بلغ مستوى قياسيا العام الماضي قارب 270 مليار دولار. وأثنى لوك على جهود الصين لتحفيز اقتصادها الداخلي ولكنه قال إن بوسع بكين مساعدة الاقتصاد العالمي بشكل أكبر إذا انتهجت المزيد من الإصلاحات. وقال لوك الذي يزور بكين للمرة الأولى منذ توليه منصبه في إدارة أوباما برفقة وزير الطاقة الأميركي ستيفن تشو إنه من الضروري أن تتعاون الدولتان لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يلقى عليها باللوم في ارتفاع حرارة الأرض. وتابع «باعتبارهما أكبر دولتين تسببان انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تتحمل الولايات المتحدة والصين مسؤولية خاصة. نشر الاستخدام الكفء للطاقة وتكنولوجيات الطاقة النظيفة هو السبيل الوحيد كي يواصل اقتصادانا النمو دون آثار كارثية على تغير المناخ».