رسوم بطاقات الائتمان تشعل مواجهة بين تجار التجزئة والمصارف

أرباح المصارف التي تصدر بطاقات ائتمان تتراوح بين 40 و50 مليار دولار سنويا

TT

تتمثل أكثر السلع رواجا داخل متجر «7 ـ إليفين» الذي تملكه باتريشيا أورزانو بمنطقة لونغ آيلاند بولاية نيويورك الأميركية في القهوة. ويأتي مشروب «سليربي» في المرتبة الثانية بفارق كبير. ومع لجوء مزيد من العملاء لبطاقات الائتمان لسداد ثمن أي شيء، حتى المشتريات البسيطة مثل المشروبات، لاحظت أورزانو تلاشي حصة متنامية من عائداتها في خضم سلسلة من الاعتمادات والديون المرتبطة برسوم بطاقات الاعتماد التي يقول تجار التجزئة إنها ترفع سعر السلع وتزيد بدرجة بالغة من تكاليف الاضطلاع بالنشاطات التجارية. الملاحظ أن التجار في مختلف أرجاء الولايات المتحدة، بدءا من المتاجر الكبرى مثل «وول مارت» و«هوم ديبوت»، وصولا إلى محطات الوقود والمطاعم الصغيرة ومتجر «7ـ إليفين»، قضوا سنوات كثيرة يخوضون محاولات فاشلة للتصدي لأكبر هذه التكاليف، المعروفة باسم خدمة دفع المستحقات للتجار، التي توفر للمصارف التي تصدر بطاقات اعتماد عائدات سنوية تتراوح بين 40 و50 مليار دولار. إلا أنه في أعقاب تمرير الكونغرس الشهر الماضي لقانون يرمي لحماية المستهلكين من الرسوم والفوائد المبالغ فيها على بطاقات الائتمان، شرع التجار في شن موجة جديدة من الهجمات. ويساورهم الاعتقاد هذه المرة بأن الزخم داخل واشنطن قد تحول لصالحهم. وفي الوقت الراهن، يمر التشريع بدورته الطبيعية داخل الكونغرس، في الوقت الذي صدرت فيه الأوامر بإجراء تدقيق حكومي للحسابات التجارية، وبدأ تدفق الالتماسات من داخل مئات المتاجر الصغيرة، بما في ذلك «7 ـ إليفين»، الأمر الذي شجع العملاء على إبداء معارضتهم للرسوم. في هذا الصدد، قالت كيث جونز، التي تشارك بجهود الضغط لصالح «7 ـ إليفين»: «نشعر وكأن المهمة أنجزت على نحو جزئي فحسب».

وفي الوقت الذي غالبا ما تدخل فيه المصارف الكبيرة والصغيرة في صدام حول الأجندات السياسية، فإنها أقدمت على تشكيل جبهة موحدة هذه المرة، وانضمت إليها شبكات معنية بالسداد مثل «فيزا» و«ماستر كارد»، وذلك بهدف الإعداد لمعركة حامية الوطيس داخل الكونغرس. ومع احتمالات تضاؤل الأرباح المتعلقة ببطاقات الائتمان من جراء القوانين الجديدة، تبدي هذه المصارف عزمها على امتصاص ضربة موجعة أخرى. في هذا السياق، أوضح كينيث جيه كليتون، نائب رئيس شؤون سياسات بطاقات الائتمان داخل «اتحاد الصيارفة الأميركيين»، أن: «هذه قضية كبرى لهم، وسيشاركون في تناولها على نحو كامل». وفي كل مرة يستخدم فيها المستهلكون بطاقات الائتمان، يتحول ما بين 2 إلى 3 في المائة من الرسوم إلى المصارف وشبكات السداد، التي تحدد الرسوم على نحو يختلف من دولة لأخرى. من هذه النسبة، يتم دفع خدمة دفع المستحقات للتجار إلى المصرف الخاص بحامل البطاقة، وتقدر بنحو 1.8 في المائة من قيمة كل سلعة يتم شراؤها، طبقا لتقرير يونيو (حزيران) الصادر عن مؤسسة «جي بي مورغان». وتعد تلك الرسوم هي الأكبر والأكثر إثارة للجدل من بين تلك التكاليف. إلا أن تجار التجزئة من الممكن أن يجابهوا صعوبة في إقناع الكونغرس بأن المستهلكين سيستفيدون حال تقليص خدمة دفع المستحقات الفعلية للتجار، التي ازدادت قليلا في السنوات الأخيرة. جدير بالذكر أن الكثير من الدول الأخرى، مثل إسرائيل وأستراليا، طالبت المصارف التي تصدر بطاقات الائتمان بتقليص الرسوم. لكن لا تتوافر دلائل قوية توحي بأن هذه المدخرات استفاد بها العملاء في نهاية الأمر.

في أستراليا، حيث ألزم المشرعون المصارف بخفض خدمة دفع المستحقات للتجار عن عمليات الشراء المرتبطة ببطاقتي «فيزا» و«ماستر كارد» إلى 0.5 في المائة بدلا من 0.95 في المائة، تعمل المصارف على تعويض خسارتها من خلال تقليص برامج المكافآت وزيادة الرسوم السنوية، طبقا لتقرير أصدره مكتب المحاسبة الحكومي عام 2008. ومن الممكن حدوث أمر مماثل هنا، حسبما أشارت المصارف وشركات بطاقات الاعتماد، استجابة لحملة الالتماسات التي يقودها «7 ـ إليفين»، وأعلنت شركة «ماستر كارد» أن سلسلة المتاجر تلك تطلب من عملائها فعليا «الادعاء بأنهم يرغبون في دفع مزيد من الأموال فيما يتعلق ببطاقات السداد الخاصة بهم بحيث يتمكن (7 ـ إليفين) من زيادة أرباحه». وقال بيل شيدي، رئيس شركة «فيزا» لشؤون أميركا الشمالية: «لا نعتقد فعليا أن التشريع سيمضي قدما». من ناحيتها، أكدت المصارف أنها تتعرض لمخاطرة كبيرة عند عرض بطاقات الائتمان، وبالتالي، يجب أن تحقق عائدات كافية للاستمرار في توسيع نطاق أنشطتها الائتمانية. وقال كليتون إن خفض خدمة دفع المستحقات للتجار سيحد من الأرباح داخل المؤسسات المالية الكبيرة والصغيرة، بما فيها المصارف المجتمعية واتحادات الائتمان التعاونية. ومن بين 100 دولار مطلوبة لحساب بطاقة ائتمان «فيزا»، يحصل المصرف الخاص بالتاجر على نحو 2.25 دولار، طبقا لما ورد بمثال افتراضي استخدمته «جي بي مورغان» في تقرير لها صدر في يونيو (حزيران). ويحول المصرف قرابة 1.80 دولار ـ خدمة دفع المستحقات للتجار ـ إلى مصرف حامل بطاقة الائتمان. ويسدد كلا المصرفين رسوما إلى شركة «فيزا»، تبلغ 10 سنتات للقطعة. ثم يدفع المصرف الخاص بالتاجر خمسة سنتات إلى طرف ثالث يضطلع بعملية المعالجة ويحتفظ بالـ30 سنتا المتبقية.

وفي الوقت الذي تعد فيه الرسوم المتعلقة بكل عملية شراء ضئيلة، فإن مجمل المدفوعات المتعلقة بالائتمان والديون بالنسبة للتجار ارتفع إلى نحو ثلاثة أضعاف على امتداد العقد الماضي، لما يزيد على 58 مليار دولار العام الماضي، من نحو 20.7 مليار دولار عام 1999، طبقا لبيانات جمعها تقرير نيلسون، وهو تقرير دوري يتناول صناعة السداد. من جهتهم، يرى التجار أن هذا الوضع يجعل مجمل نفقاتهم المرتبطة بالرسوم هائلا. من ناحيته، قالت جونز، التي تشارك بجهود الضغط لصالح «7 ـ إليفين»: «يجب أن تقبل ببطاقة الائتمان وتسدد أي سعر ترغب شركات بطاقات الائتمان في فرضه. علاوة على ذلك، لا تتحدث هذه الشركات إلينا بهذا الشأن». على سبيل المثال، داخل متجر «تارغيت»، تعتبر خدمة دفع المستحقات للتجار ثاني أكبر فئة للنفقات، بعد الرواتب. وبالمثل، تتكبد متاجر «هوم ديبوت» مبالغ كبرى، ويؤكد مسؤولو السلسلة أن خدمة دفع المستحقات للتجار تفوق تكاليف تأمين الرعاية الصحية للموظفين. والملاحظ أنه حتى بعض المؤسسات الحكومية عجزت عن التفاوض بشأن رسوم أقل. وطبقا لتقرير صدر أخيرا عن مكتب المحاسبة الحكومي، فإن الوكالات الفيدرالية سددت أكثر من 200 مليون دولار كرسوم خدمة دفع المستحقات للتجار عام 2007، وهو أحدث الأعوام التي تتوافر بشأنها بيانات. يذكر أن بعض تجار التجزئة يرفضون قبول بطاقات ائتمان معينة. على سبيل المثال، تفاوضت سلسلة متاجر «كوستكو» مع «أميركان إكسبريس» للتمتع برسوم مخفضة لخدمة دفع المستحقات للتجار، ولا تقبل السلسلة أيا من بطاقات «فيزا» و«ماستر كارد». في الشهر الماضي، شرعت شركة «يونيتد إيرلاينز» في إجبار عدد ضئيل من وكالات السفر على تحمل رسوم بطاقات الائتمان التي تتراوح بين 2 و3 في المائة عن حجز التذاكر، وهو توجه يخشى الوكلاء من أن يسفر عن تشوه الجوانب المالية المتعلقة بالتذاكر إذا ما اتبعته شركات الطيران الكبرى. يذكر أن «يونيتد إيرلاينز» لا تمرر الرسوم إلى المستهلكين الذين يحجزون مباشرة معها. ويرى التجار أن التكاليف ربما كانت مبررة عندما كانت صفقات بطاقات الائتمان تجري في معظمها في صورة ورقية، مما جعل عملية التناول والمعالجة مرهقة على نحو أكبر بكثير. لكن مع توافر كميات أكبر من المال وأدوات تقنية جديدة، باتت رسوم خدمة دفع المستحقات للتجار مصدرا مستمرا للمال بالنسبة لشركات بطاقات الائتمان التي ينتهي بها الحال إلى رفع تكاليف السلع. من ناحيتها، أشارت شركات صناعة بطاقات الائتمان إلى أن التكاليف التي يتحملها تجار التجزئة ارتفعت بشدة بسبب إقدام المستهلكين على استخدام بطاقات الائتمان لشراء سلع لم يكن يتخيلها أحد من عقد مضى، مثل فنجان من القهوة. وبطبيعة الحال، شكل التنامي الشديد في حجم الصفقات هبة لشركات بطاقات الاعتماد. جدير بالذكر أن سعر سهم «فيزا» يبلغ نحو 60 دولارا، وسعر سهم «ماستر كارد» قرابة 165 دولارا. وعلى الرغم من تراجع أسعار هذه الأسهم عن المستويات المرتفعة التي وصلت إليها قبيل الأزمة المالية، فإنها لا تزال أعلى بكثير عن سعر أسهم المصارف التي تصدر بطاقات ائتمان مثل «سيتي غروب» و«بنك أوف أميركا». من ناحية أخرى، فإنه بينما لم يكن التشريع المعني برسوم خدمة دفع المستحقات للتجار تتوافر أمامه فرص للنجاح منذ سنوات قليلة ماضية عندما كان الاقتصاد نشطا ولم تكن المصارف تحت دائرة الضوء، تحول مسار التوجه العام داخل الكونغرس في الوقت الراهن، مع تزايد مشاعر السخط العام، إزاء المصارف وشركات بطاقات الائتمان.

* خدمة «نيويورك تايمز»