السعودية: بوادر تعاف في قطاعي العقار والبتروكيماويات

خبير لـ «الشرق الأوسط»: 40% تراجع الدخل السنوي لشرائح من الكوادر العاملة وتأثيرات سلبية على التوظيف في بلدان خليجية

القطاع المالي من بين الأنشطة الاقتصادية التي تعرضت لتأثيرات سلبية جراء الأزمة المالية في دول الخليج (تصوير: علي العريفي)
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» سلطان العماش، المدير العام لشركة «إنترسيرش» السعودية، أن قطاعات البنوك والاستثمار والمالية والتأمين هي من أبرز المتأثرين بالأزمة الاقتصادية العالمية، ولم تتعافى بشكل كامل بعد، مفيدا أنها تعيش أزمة ليست مالية وحسب، بل أزمة ثقة أولا وعدم وضوح ثانيا بالمستقبل وتبعاته. وأضاف العماش، أن قطاع العقار وقطاع البتروكيماويات بدأت تظهر بوادر من التعافي بشكل جلي، متوقعا أن يأخذ هذا التعافي زخما أكبر وخصوصا مع بداية السنة المقبلة، إذا ما استمرت أسعار النفط على تماسكها حول الأسعار الحالية، وأن القطاعات الأخرى شهدت تحسنا ملحوظا ونشاطا خالف التوقعات في السعودية مقارنة مع الأسواق المجاورة والعالمية.

ويتوقع العماش، أن يستمر النمو والتحسن في التوظيف وخصوصا توظيف المديرين التنفيذيين وفقا لما أثبتته نتيجة دراسة حديثة قامت بها مجموعة «إنترسيرش» العالمية خلال عام 2009، حيث بينت أن سوق البحث وتوظيف المديرين التنفيذيين في السعودية هو من أقل الأسواق تضررا من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية بين جميع الدول التي شملتها الدراسة.

وكان العماش، أكد أنه تنبأ بفقاعة تنفيذية تكاد تنفجر مدعومة بمعلومات جلية في العامين 2007 و2008، مستندا إلى أن هناك كوادر غير جديرة تحصل على مرتبات عالية جدا وهم لا يستحقونها، نظرا لكثرة الطلب على الكفاءات في ذلك الحين وقلة الكوادر البشرية المؤهلة نتيجة الازدهار الاقتصادي الذي شهده العالم والسعودية.

وأضاف العماش، أنه بعد حدوث الأزمة وانفجار الفقاعة المتوقعة شهد وضع هؤلاء الكثير من الضغوط من قبل الشركات، كونهم أصبحوا الحلقة الأضعف والعبء على الشركات، وهؤلاء ما زالوا يواجهون مصيرا غير واضح، حيث فقد عدد ليس بالقليل منهم وظائفهم، وسيفقد عدد أكبر منهم مع مرور الوقت أوضاعهم السابقة إذا ما استمرت الأزمة. واستشهد العماش، أن هناك فئة من التنفيذيين في القطاع البنكي والمالي وخصوصا الاستثماري، فقدوا إلى 40 في المائة من دخلهم السنوي، نظرا لتردي أرباح البنوك من جهة، وضعف الطلب على المنتجات البنكية والاستثمارية من الشركات، بينما هناك الكثير ممن قبل بتعديل في الرواتب نزولا عند الضغط، الذي واجهته شركاتهم، وهناك آخرون فقدوا وظائفهم بسبب الأزمة. وأفصح العماش، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، الحقيقة أن العنصر النسائي من التنفيذيات والموظفات كن الأكثر عرضة للاستغناء، وخصوصا من المؤسسات المالية والاستثمارية، حتى إن عددا من المؤسسات المالية قد ألغت الأقسام النسائية برمتها.

وأفاد أن معدلات الرواتب للتنفيذيين لم تنخفض بالنسبة للكوادر المميزة، بل ما زال البحث متواصلا عن الكفاءات عالية التأهيل ورفيعة الأداء من ذوي الخبرة والتجربة، حيث لا موانع من دفع رواتب كبيرة لاستقطابها تصل أحيانا إلى ضعف دخلهم الحالي، لأن التعامل بشكل فعال مع الأزمة يتطلب مثل هذه النوعية من الكوادر التنفيذية المميزة.

واستطرد العماش، حول الفئة الأخرى متوسطة الأداء، التي استفاد أغلبهم من فترة الازدهار برفع رواتبهم، فهؤلاء واجهوا الكثير من الضغوط للتخلي عن دخلهم الحالي، ومطالبهم، وهم يقبلون برواتب أقل تصل إلى 40 في المائة أقل مما كانوا يتقاضونه في السابق. وحول المستقبل، يرى خبير التوظيف والموارد البشرية، أن الواقع بشكل عام يبشر بالخير، إلا أن الجزم بشكل تام بأن الأزمة وتأثيراتها قد انتهت يعتبر سابق لأوانه، مضيفا أن الكثير من توابع الأزمة لم يظهر بعد، رغم التفاؤل بقوة اقتصاد السعودية، والثقة الكبيرة في السياسات الرزينة التي اتبعتها الحكومة في فترة الازدهار، وكذلك الدور القوي الذي قامت به بعد الأزمة من إقرار الخطط التحفيزية للاقتصاد.

أما بالنسبة للقطاعات المتوقع أن تكون جاذبه للكوادر في الفترة القادمة، فهي قطاعات الصناعة والتجارة، خاصة شركات سلع الاستهلاك سريعة الدوران، وكذلك قطاع التشييد والبناء والقطاعات المرتبطة به كمواد البناء وقطاع الخدمات، والشركات المرتبطة به كالكهرباء والماء والبنية التحتية والنقل، مفيدا أنه ربما تشهد قطاعات العقار والتجزئة والبتركيماويات انتعاشا ملموسا. وزاد العماش، أن هناك تغييرات طالت الصفات والسمات المطلوبة في التنفيذيين لمقابلة التحديات الحالية والمقبلة، إن الشركات أصبحت أكثر ميلا لاستقطاب الكوادر التنفيذية المتمرسة، ممن يتصفون بالمرونة والتكيف مع أجواء اقتصادية قاسية، والقدرة على العمل تحت الضغوط، والقدرة على قيادة فرق العمل في أوقات الأزمات. أمام ذلك، كشفت دراسة خليجية موسعة، عن تقلص نشاطات التوظيف في منطقة الخليج بشكل واضح، مع التباطؤ الاقتصادي الملموس في المنطقة، مفصحة أن هناك بعض المناطق شهدت انخفاضا في عدد الوظائف المعلن عنها، إلا أنها لا تزال تحظى بنسبة كبيرة من الوظائف المعروضة على مستوى المنطقة.

وأفصحت الدراسة التي أعدتها «جلف تالنت دوت كوم» أن الإمارات العربية المتحدة قد تشهد زيادة بسيطة في مغادرة الوافدين، حيث استهدفت نسبة 26 في المائة من جميع طلبات التوظيف التي قدمها القاطنون في الإمارات وظائف في دول خليجية أخرى، في وقت تأثرت الكويت والبحرين سلبيا بشكل واضح.

ووفقا للدراسة، فقد انخفض الطلب على وظائف المتخصصين في الاستثمار، بما في ذلك استثمارات الملكية الخاصة وإدارة المحافظ الاستثمارية بنسبة 48 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، أما المتخصصون في المهن الإدارية سجلوا انخفاضا في الطلب على وظائفهم بـ47 في المائة، والعاملون في مجال التسويق بنسبة 46 في المائة.

وتتوقع الدراسة عودة النمو الاقتصادي على المستوى الإقليمي إلى مستويات صحية في عام 2010، وكذلك ارتفاع مستوى نشاطات التوظيف كنتيجة لذلك، حسب ما أفاد به اقتصاديون من توقعات سجلتها الدراسة البحثية.

ولكن الدراسة أوضحت في الوقت نفسه أن عودة مستوى عمليات التوظيف إلى ما كانت عليه قبل مرحلة الأزمة ستستغرق بعض الوقت، حيث يعتبر سعر النفط الخام عنصرا أساسيا في تحديد سرعة التعافي من الأزمة الاقتصادية إقليميا.