لبنان بلد نفطي «مع وقف التنفيذ»

المسح الجيولوجي يقدر الاحتياطي بـ8 مليارات برميل > دراسة نرويجية تصطدم بالعاملين الداخلي والاستراتيجي

قد يتحول لبنان إلى دولة مصدرة للنفط بالقليل من العمل الحكومي (أ. ب)
TT

بين تأكيدات وجود النفط أو الغاز، أو كليهما، في بحر لبنان، وربما برِّه، والتلكؤ الحكومي والتشريعي في دفع هذه القضية الجوهرية سياسيا واقتصاديا إلى أولوية الاهتمام والمتابعة، ثمة بون شاسع يثير الكثير من الأسئلة تبدأ من مدى جدية تطابق توقعات الدراسات حول الكميات المحتملة وأماكنها، وما ستفضي إليه أعمال التنقيب والحفر بعد مباشرتها عمليا، ولا تنتهي عند خلفيات جدار الكتمان الرسمي، والحكومي خصوصا، الذي يحول دون إعلان شفاف وكامل لنتائج الدراسات والخطوات التالية، لا سيما الأحداث منها التي طالت المياه الإقليمية.

ولا تقف الأسئلة المشروعة عند حدود القضية ذاتها، بل تتعداها إلى البعدين الوطني والاستراتيجي نتيجة التداخل الطبيعي للحدود اللبنانية مع سورية من جهتي الشرق والشمال، ومع قبرص غربا (تداخل الحدود المائية)، ومع الأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة الجنوب، حيث تواصل إسرائيل عمليات البحث والتنقيب في عمق المياه الإقليمية بين غزة والناقورة. فماذا يكون التصرف لو اكتشفت حقل نفط أو غاز في المنطقة الحدودية؟ وماذا لو بلغت حقلا يمتد عرضا في اتجاه المياه الإقليمية اللبنانية؟

وسعت قبرص، قبل أشهر، إلى عقد اتفاق لترسيم الحدود السيادية البحرية مع لبنان، وشرعت أيضا في تكثيف المسوحات الممهدة لبدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز، فيما يتعذر، حكما، على الدولة اللبنانية عقد اتفاق مماثل مع إسرائيل. لكن يغيب أيضا أي تحرك جدي لحفظ الحقوق اللبنانية على هذه الجبهة من خلال تقديم طلب رسمي إلى الأمم المتحدة بموجب القوانين الدولية الخاصة التي تنظم المصالح المتشابكة في المناطق الحدودية البرية والمائية.

ووفق المعلومات التي استقتها «الشرق الأوسط»، من مصدر متابع وواسع الاطلاع، فإنه بحوزة مسؤولين لبنانيين كبار، وشركات عالمية، وبالتأكيد، الدوائر المختصة في بلدان الجوار، حصيلة مفصلة للمسح الشامل الثلاثي الأبعاد الذي أجرته الشركة النرويجية «بي جي إس» المتخصصة، والذي يؤكد نتائج دراسات سابقة، أجرتها شركات أميركية وبريطانية ونرويجية، ترجح وجود النفط والغاز في عمق المياه الإقليمية اللبنانية. وملخص هذه الحصيلة أن الحقول الموعودة أعطت إشارات جدية، وشبه مؤكدة، في عدد من المربعات على مسافة 7 أميال بحرية بين منطقتي الصرفند جنوبا، وحالات شمالا.

وفي المعلومات، أن الحقول النفطية أو الغازية في هذه المنطقة موجودة على أعماق تتراوح بين 1300 و1700 متر، توازيها أعمال حفر في المسطحات تحت المياه بنحو 1500 متر، مما يعني أن استخراج النفط سيتم على عمق بين 3000 و3200 متر، وهو عمق وسطي من ناحية التقنيات والتكاليف. لكن غير المؤكد، وفق المسح، هو الماهية النفطية أو الغازية من جهة كونها سائلا في فراغ طبيعي، أي مخزنة، وهذا هو المطلوب لتكون كميات تجارية، أو كونها ممزوجة بالأتربة مما يتطلب عمليات معقدة لتخليصها تنفي أهميتها التجارية.

كذلك فإن تقدير الكميات لا يمكن حصره قبل التنقيب الفعلي وبلوغ الحقول المستهدفة، وأن تكن الإشارات والآمال تعد بما يراوح بين 5 مليارات و8 مليارات برميل.

والأهم من المعلومات، بحسب مسؤول رسمي معني، أن يكون للبنان قانون خاص بالنفط يحدد الاستراتيجية الوطنية والتشريعية بشكل واضح وشفاف. وهذا هو المدخل الطبيعي والوحيد لجذب الشركات العالمية، وعقد اتفاقات التنقيب، خصوصا أن وضع الموازنة العامة لا يسمح بتخصيص أي استثمارات ذات شأن لهذا القطاع. كما لا يملك لبنان ما يكفي من خبرات وتقنيات ومراكز بحثية متخصصة تؤهله لدور متقدم في هذا المضمار.

ومن غير المعروف، إن كان مشروع القانون النفطي الخاص سيجد طريقه الدستوري كأولوية، بعد تأليف الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري.

فمضمونه موجود في حوزة رئيس حكومة تصريف الأعمال، فؤاد السنيورة، وكان مقدرا إقراره في الجلسة الأخيرة لحكومته بعد إنجاز الانتخابات النيابية، لولا الصدام الكلامي في موضوع آخر بينه وبين وزير الطاقة، آلان طابوريان. وهنا بيت القصيد، بحسب المسؤول المتابع، فكل كلام قبل صدور القانون المنظم يطغى عليه طابع التمني أو التكهن، «أما بعده فإننا ندخل مرحلة استدراج العروض والمناقصات وعقد الاتفاقات، لننتظر بعدها بين 5 إلى 7 سنوات لبلوغ مرحلة استخراج الذهب الأسود. وتصبح، بالتالي، أزمة لبنان المالية المستعصية المرتكزة إلى دينه العام البالغ حاليا نحو 50 مليار دولار، أي ما يوازي نحو 165 في المائة من الناتج المحلي، مشكلة عادية قابلة للحل».

ويلفت المسؤول إلى أن الأجواء الحالية تشبه تماما مثيلتها قبل 5 سنوات، حين أكد مسؤولون لبنانيون، بينهم وزيران للطاقة، أحدهما أصيل والثاني وكيل، هما محمد بيضون، ومحمد الصفدي، وجود طبقة من النفط تبعث الأمل بإمكان العثور على كميات تجارية. وذلك قبل وبعد صدور نتائج الدراسة ذات البعدين التي نفذتها الحكومة اللبنانية بمساعدة الحكومة النرويجية، ودراسة أخرى ثلاثية الأبعاد قامت بها شركة «بي جي إس» النرويجية المتعاقدة مع وزارة الطاقة والمياه لمدة 7 سنوات.

وقد بينت الدراستان وجود احتمال مرتفع للعثور على النفط أو الغاز. وبحسب مهندس «بي جي إس» المشرف على حملة التنقيب، هلغ سمب، فقد جرى مسح 1528 كيلومترا مربعا، على عمق 1200 إلى 1500 متر في البحر. كما جرى مسح 700 كلم مربع، على عمق 1000 ـ 1500 متر. وبحسب الدراسة، تم التوصل إلى وجود إشارات نفطية في المياه الساحلية الشمالية اللبنانية الممتدة من منتصف عكار ـ طرابلس حتى البترون بحرا، وأخرى من بيروت وصولا إلى صيدا، إضافة في المنطقة البحرية الواقعة بين لبنان وقبرص.

ولم تعط هذه التصريحات إشارة الانطلاق لبدء أعمال الحفر والتنقيب، فالقانون هو الأساس والمرجع الصالح، إضافة إلى الكثير من القيود المنظمة، من بينها الترتيب التجاري لتنظيم عقود الشركات العالمية للتنقيب عن النفط، والاتفاق على ما إذا كانت الحكومة ستقوم بذلك، أم ستنشَأ شركة وطنية للنفط لتكون المسؤولة عن العقود.

وفي هذا الإطار أعد خبراء محليون، بحسب مصادر إعلامية مواكبة، مسودة مشروع للسياسة النفطية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية، جاء في أول بنودها أن «مصادر النفط والغاز هي ملك الدولة اللبنانية، وسوف تستخدم بما يحقق المنفعة العامة»، فيما أكدت في بندها الثاني أنه لم يثبت حتى الآن وجود النفط أو الغاز في لبنان، غير أن مستلزمات تكونهما تؤكدها عمليات المسح السيزمي، وجيولوجية الحوض المشرقي، كما تدعمها الاستكشافات النفطية في الدول المجاورة.

وبما أن درجة المجازفة، وكلفة عمليات التنقيب في المياه، تعتبران مرتفعتين في المرحلة الأولى، دعت المسودة إلى جذب الشركات العالمية المقتدرة تقنيا وماديا للقيام بعمليات التنقيب.

أما في حال اكتشاف مصادر تجارية من النفط والغاز، فدعت المسودة إلى أن تستعملها الدولة بناء على الخيار الأكثر فائدة للبلاد، والخيارات التي طرحتها ثلاثة وهي: إما أن توظف المصادر البترولية كليا في السوق المحلية، أو أن تصدر كليا من أجل زيادة إيرادات الخزينة، وإما استهلاك جزء من هذه المصادر في السوق المحلية على أن يصدر الجزء الآخر. وقد دعت هذه المسودة إلى إنشاء «الهيئة المعتمدة لإدارة القطاع النفطي»، تحدد تسميتها ومهماتها التفصيلية في قانون النفط والغاز المزمع إقراره. أما في ما يتعلق بالتصرف في العائدات الناتجة من النفط والغاز، في حال وجودهما، فيتم إما استخدامها في عملية تقليص الدين العام، وإما إيداع جزء من هذه العائدات، أو كلها، في صندوق توفير خاص.

ووفق تصريحات سابقة لوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، آلان طابوريان، فإن نتائج الدراسات لم تتغير، إذ لا يزال الطرح يشير إلى أن هناك إمكانا لاكتشاف الغاز أو النفط أو كليهما، ولذلك فمن المهم الوصول إلى إعداد مشروع قانون مركّز للنفط والغاز، بحيث يتضمن بنودا أساسية للعمل. والاتجاه يسير نحو اقتراح إنشاء «مؤسسة وطنية للنفط» أو هيئة شبيهة بها، وذلك تأسيسا لجهة ناظمة لموضوع التنقيب، ومن بعده تنظيم القطاع، إذا اكتشفت المصادر النفطية، والإفادة من الخبرة النرويجية في هذا الإطار. ويشير إلى أن تنفيذ التنقيب سيكون على أيدي شركات عالمية، على أن يكون للدولة حصة من العائدات. أما الفترة المحددة لبدء استخراج النفط، فستمتد «لسنوات وسنوات»، وحتى لو أقر القانون اليوم، فإن الحصول على معدات التنقيب يحتاج إلى سنة أو سنتين، ويعود ذلك إلى ندرة الآلات المتوافرة في الأسواق، وكلفة التنقيب والاستخراج.

وفي دراسة عن «سياسة اقتصادية للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية» رفعها الخبير الاقتصادي في شؤون الطاقة والخصخصة، رودي بارودي، إلى رئيس الجمهورية، مؤخرا، تفنيدا لميزات صناعة النفط، إضافة إلى ملخص عن وضع التنقيب في الدول المجاورة والشكوك والمخاطر والفوائد المتوقعة من وضع مخططات تنفيذية لعمليات التطوير والاستثمار الخارجي المباشر، ورد في خانة تقويم الفوائد على الاقتصاد الآتي: «خفض الدين الوطني، وتلبية نطاق واسع من حاجات لبنان من النفط، وجذب استثمارات كبيرة، وإنشاء بنية تحتية لقطاع الطاقة، وإنشاء مشاريع صناعة واسعة، وتطوير الموارد البشرية لجهة تبادل التقنيات إضافة إلى إيجاد بقعة استراتيجية على خريطة الطاقة». لكنه رأى أن هذا الواقع يحتم على لبنان «تأمين استثمار من شركات النفط والغاز الدولية لاستغلال الظروف المواتية دوليا، ودرس آثار تكاليف الطاقة التي يحتمل أن تبقى مرتفعة عبر استغلال إمكاناتها الاحتياطية، ليغدو لبنان بذلك دولة منتجة للهيدروكربون».

واعتبر أنه «وفي ظل اهتمام النرويج ـ صاحبة التجربة الرائدة في استخراج نفطها من بحر الشمال ـ بمساعدة لبنان، على اكتشاف نفطه، بدءا من المراحل الأولية الضرورية، فإن شركات النفط تترقب اغتنام الفرصة للعمل. وقد يعتبر التأخير في تطوير القوانين التنظيمية والتقنية والضريبية في التشريعات المحلية، وإطلاق جولة منح التراخيص الدولية المخطط لها، معوقا لمناخ الاستثمار في هذا القطاع، بما قد يضعف قدرة لبنان على استقطاب الرساميل من شركات النفط والغاز العالمية، وقد تكون له آثار مضاعفة على تنافسية اقتصاده».

وفي الشكوك والمخاطر، يرى أن نشاطات التنقيب تحمل في طياتها مواضع قلق وشكوك «تستلزم تطبيق عامل الخطر المالي والسياسي على قيمة الاحتياط المقدر عند تفنيد دراسة جدوى أولية». ويشير إلى أن الخطر الأكثر شيوعا هو خطر مرحلة التنقيب، «إذ ستستثمر شركة النفط والغاز مبالغ طائلة، إذا كانت عملية التنقيب عقيمة. كذلك، يؤدي الخطر السياسي دوره في الصناعة، وفقا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، علما بأن الشركات تطبق مبدأ المغامرة في هذه الصناعة المرتفعة المخاطر». ونصح باغتنام هذه الفرص «لتحاول الحكومة تخفيف المخاطر عند الربط بين اكتشاف النفط والاحتياطي التراكمي المكتشف في المنطقة البحرية». وأشار إلى أن الجدوى الاقتصادية من الحقول في المياه العميقة مشروطة دائما بالمخاطر الجيولوجية، والاحتياطي الممكن استخراجه، والشروط المالية التي ستضعها الحكومة في قانون الإطار العام للهيدروكربون، إضافة إلى إنتاجية البئر، موضحا أن «الطبيعة الدينامية الأزلية لصناعة البترول تخضع دائما إلى عملية تكيف تصاعدي».

والجدير بالذكر، أن المجلس الوطني للبحوث العلمية نظم، قبل أكثر من عامين، ندوة حول «الحملة البحرية للتنقيب عن المواد النفطية» لمناقشة تقنيات وآليات البحث «الثلاثي الأبعاد» الذي قامت به شركة «بي جي إس» النرويجية المتعاقدة مع وزارة الطاقة والمياه لمدة 7 سنوات. وأكد، حينها، رئيس المجلس، معين حمزة، أن نسبة احتمال وجود النفط في لبنان تفوق الـ50 في المائة، وهذا ما تؤكده المؤشرات الإيجابية، الأمر الذي يشكل مصدر ثروة طبيعية للبلاد ويدعم الاقتصاد اللبناني.

وقال المنسق العام ومستشار الشؤون الجيولوجية والتنموية لـ«بي جي إس»، أورنولف لوريتزن، إن «لبنان سيكون بحاجة إلى كوادره قريبا». كما دعا الحكومة اللبنانية إلى إحكام سيطرتها على مواردها النفطية، فلا تعمد إلى إعطاء حق الاستغلال لسنوات طويلة، وعلى دفعة واحدة.

وأكد أن الشركة «أنفقت أكثر من 30 مليون دولار، وبالتالي، فهي متأكدة تماما من وجود النفط في المياه اللبنانية، ولو لم يتم التوصل إلى ذلك لما أنفقنا سنتا واحدا». وطالب لوريتزن بسن القانون الذي ينظم آلية المحافظة على الموارد النفطية، وحسن سلامة إدارتها.

وتوجه النائب غازي يوسف إلى الشركة، داعيا إلى الاهتمام بالموارد البشرية اللبنانية. وعزا عدم سن القانون إلى الأزمة السياسية، وأمل في التوصل إلى أرقام تفوق 8 مليارات برميل، بحسب ما أشارت الدراسات السابقة.