جدل في أميركا حول مكافأة 100 مليون دولار لمُضارب النفط الأشهر

شركته تراهن على الصفقات الغريبة و«سيتي غروب» تواجه معضلة الحاجة إلى خبرته

منزل المضارب أندرو جي هول الذي يُتوقع أن ينال مبلغا يتكون من تسعة أرقام هو حجم أرباحه عن المراهنات في سوق النفط (أ.ف.ب)
TT

في غضون أسابيع قليلة سيضطر قيصر المكافآت التابع لوزارة الخزانة الأميركية إلى الإجابة على التساؤل الخاص بمكافأة أندرو جي هول التي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار. هل يجب أن يحصل على هذه المكافأة؟

ويُتوقع أن ينال هول، الذي يبلغ من العمر 58 عاما والذي يرأس شركة «فيبرو» شركة تجارة السلع في وست بورت بولاية كونيكتيكت، مبلغا يتكون من تسعة أرقام هو حجم أرباحه عن المراهنات في سوق النفط.

وهناك شكوك ضئيلة حول أحقية هول في هذه المكافأة بموجب عقده. والمشكلة أن عقده مع «سيتي غروب» التي حصلت على 45 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب.

وقد باتت التعويضات تمثل قنبلة حية بالنسبة إلى الشركات في أعقاب أضخم سلسلة من عمليات إنقاذ الشركات في التاريخ الأميركي. ففي مارس (آذار) عندما حصلت أميركان إنترناشيونال غروب على كميات ضخمة من أموال دافعي الضرائب كانت تتجه إلى دفع 165 مليون دولار كمكافآت لموظفيها، لكن الكونغرس تحرك لوقفها وظهرت احتجاجات من جانب العديد من المديرين التنفيذيين.

وكالعادة يمكن للمرء مشاهدة بعض منازل هؤلاء المديرين من الحديقة الأمامية لمنزل هول في ساوث بورت الذي لا يبعد كثيرا عن مكتبه لكن قضية هول هي الأكثر تعقيدا. نشأ هول، الذي اشتهر بقوة شخصيته ومجموعة من الأعمال الفنية الثمينة، في بريطانيا، وكان صاحب الدور الرئيسي في عملية جنت «سيتي غروب» من خلالها مليارَي دولار خلال السنوات الخمس الماضية وإذا لم تدفع له «سيتي غروب» ذلك المبلغ الضخم الذي ربحه منذ مدة طويلة فإن شخصا آخر سيدفعه.

ويعمل هول في جانب من عالم المضاربة اكتسب سمعة سيئة، ويخطط المشرعون لوقف دور المضاربين من أمثال هول الذي قد تكون توقعاته في أسواق النفط لعبت دورا رئيسيا في التقلب الكبير لأسعار النفط الذي حدث مؤخرا. يشير ذلك إلى أنه خلال الصيف الماضي اضطر السائقون إلى دفع المزيد من الدولارات في محطات التزود بالوقود، بسبب أشخاص مثل أندرو هول. ومن ثم كيف تسلم الدولة 100 مليون دولار لشخص أثرى من خلال رفع سعر غالون الوقود إلى 4 دولارات؟

ومهما كانت الإجابة فإن قضية هول تبرز مخاطر خلط المصلحة العامة بالرأسمالية في قمة تحررها، وتثير كذلك تساؤلات رئيسية حول العدالة. وقد برزت موجات غضب الأسبوع الماضي عندما صدر تقرير للمدعي العام في نيويورك الذي أشار إلى أن ما يقرب من 5.000 مضارب وموظف في البنوك والشركات، التي تلقت أموال الإنقاذ الحكومية، حصل كل منهم على ما يزيد على مليون دولار العام الماضي لذا لن يتعذر تبرير الأمر سياسيا بالنسبة إلى شركة مثل «سيتي غروب» في أن تدفع مبالغ ضخمة من المال حتى للأشخاص الذين يحققون مكاسب كبيرة لها، لكن أولئك الأفراد هم الذين يجب أن تحتفظ بهم الشركة إذا ما رغبت في استعادة مكانتها.

ويسود اعتقاد أن انهيار علاقة «فيبرو» و«سيتي غروب» بسبب سياسات الإنقاذ يقف خلفها هول، فيقول الأشخاص العالمون بالمحادثات بين «فيبرو» و«سيتي غروب» إن هول يدفع ببطء نحو ما أسموه «طلاقا هادئا» من الشركة الأم وإنه يجري محادثات أولية من مع شريك محتمل.

وخشية أن يصبح ثاني أكبر متحمل لتبعة السقوط المالي ناقش هول مع قادة «سيتي غروب» عددا من الاحتمالات من بينها الانفصال عن الشركة.

يملك هول الكثير من التأثير على مصير «فيبرو» لأن الكثير من قيمتها يعتقد أنه راجع إلى خبرته الكبيرة. وإذا ما ترك منصبه في الشركة فبمقدوره تأسيس شركة أخرى وجلب زملائه معه.

ويدلل التاريخ على أن هذا الرجل يعرف طريقه جيدا، فمنذ عامين دخل هول في نزاع قانوني مع لجنة الإدارة التاريخية لفيرفيلد حول منحوتة خرسانية يبلغ طولها 82 قدما وضعها على المرج الأخضر الأمامي في منزله غريك رفيفال الذي أقامه على مساحة 7.300 قدم مربع، حيث يعيش هو وزوجته كريستين. حيث اعتقد أنه لم يكن بحاجة إلى إذن لعرض هذا العمل، وبعد نزاع قضائي حكمت المحكمة العليا في الولاية في نهاية الأمر لصالحه.

وقال ريتشارد هاتش الذي رأس اللجنة آنذاك: «الغريب في الأمر هو أني أعتقد أنه كان سيحصل على الإذن إذا ما كان قد طلبه».

أعار هول بعد ذلك العمل لمتحف ماساتشوستس للفن المعاصر على الرغم من توفر مساحة لعرضه. ومنذ أعوام قليلة اشترى قلعة يعود تاريخها إلى العصور الوسطى في ألمانيا من الرسام التعبيري جورج باسيلتيز وقام هو زوجته بتحويل القصر الذي يضم 150 غرفة إلى متحف خاص بمجموعتهما.

وقالت ماري بوني، إحدى تجار الأعمال الفنية: «لقد اشترى 4.000 قطعة فنية في ما يمكن أن يوصف بأنه أفضل مجموعة للفن المعاصر وتضم أعمالا لأندى وورهول ويفيد سال وبروس بيمان وجوليان سكانبل».

نشأ هول، ابن موظف شركة الخطوط الجوية البريطانية الذي كان يدرب الطيارين، بالقرب من لندن، وتخرج في جامعة أكسفورد ويحمل شهادة في الكيمياء، لكنه انتقل إلى الولايات المتحدة عام 1981 للعمل في شركة «بريتش بتروليم»، وقد جذب عمله هناك انتباه شركة «فيبرو»، وهي شركة أسسها الإخوة فيليبس في أوائل القرن الماضي والتي كانت خلال حقبة السبعينات مقر مارك ريتش، الهارب الذي عفا عنه الرئيس بيل كلينتون.

وفي عام 1987 أدار هول «فيبرو»، وهي تعمل اليوم من مبنى مطلي باللون الأحمر هو جزء من مزرعة تقع على مساحة 53 هكتارا كانت في السابق مزرعة للألبان (كان من بين جيرانها السابقين شركة «إيه آي جي» للمنتجات المالية) وطابق المضاربة غرفة متواضعة كانت مطبخا للشركة من قبل أن يتم تصغير حجمها قبل عقد من الزمن.

يبلغ عدد العاملين ـ هول وزملائه ـ في الشركة 55 في مكتب وست بورت، وعدد قليل في لندن وسنغافورة، وهم متخصصون في صناديق التحوط وأساليب الشراء والبيع.

وتبحث «فيبرو» على الأغلب عن الصفقات الغريبة في السوق والانقضاض عليها وانتهاز فترات التباعد بين عقود نفط السوق الحالية والآجلة. فتراهن الشركة، على سبيل المثال، على أن السعر النفط سيرتفع سريعا خلال فترة معينة، لنفترض أنها ستة أشهر، والتي يمكن أن تحقق أرباحا مالية كبيرة عبر تخزين النفط في خزانات عملاقة وتعويمه حتى يرتفع السعر، وإذا ما ارتفع السعر إلى أكثر من تكلفته لتأجير ناقلات النفط فهو بذلك يجني أرباحا.

أما الصفقات الأخرى فهي أكثر تعقيدا، فقبيل حرب الخليج الأولى وضعت «فيبرو» رهانا واضحا على أن أسعار النفط سترتفع ثم ستنخفض بصورة أكثر من توقعات الجميع وربحت الشركة أكثر من 300 مليون دولار من هذه المقامرة. وقال فيليب فيليغر مؤلف كتاب حول أسواق النفط وصديق هول: «إن لديه ذاكرة رائعة وهو شديد التركيز وهو لا يتسم بالغرور الذي يتسم به البعض من أقرانه ممن حققوا ثروات مماثلة، فأنت إن حققت ثروة مماثلة فسيصيبك بعض الغرور».

وقال المتحدث باسم كينث فينبيرغ، قيصر تعويضات الخزانة، عن مراجعة أرقام التعويضات: «كانت على وشك البدء، وإن مستويات المكافآت يجب أن تصل إلى مستوى مناسب بين تثبيط المجازفات المفرطة وتشجيع المكافآت».

وقال أندرو ويليامز: «لن نقدم تعليقا حاليا على العملية، لكن من الواضح أن السيد فينبيرغ يمتلك سلطات أكبر في التأكد من أن التعويضات في تلك الشركات تنتهج توازنا ملائما».

إن شبح مثل تلك المراجعة يضر بالفعل بـ«سيتي غروب». فأشار أحد المطلعين على عمل موظفيها إلى أنه لشهور كانت الشركة تحاول إبعاد المنافسين الذين حاولوا جذب موظفيها قائلة لهم: «تعالوا واعملوا في شركة لا تتعرض للمحاسبة العامة».

وقال جيمس فوريس المدير المشارك لقسم الأسواق العالمية بـ«سيتي غروب» إن عقد هول الذي يرتبط بالأداء هو نوع من العقود التي يرغب فيها قيصر التعويضات، وقال: «إننا على يقين من أن تلك الأنواع من ترتيبات تقاسم الأرباح تعود على الشركة وحملة الأسهم، حيث تربط التعويضات بالأداء».

لا تزال الشركة في موقف غير ملائم وسيكون من الصعب القول أيهما أسوأ: الاحتجاج العلني المحتوم إذا ما حصل هول على مبلغ 100 مليون دولار أو المجازفة بإمكانية حمل موهبته إلى شركة أخرى لا تملك فيها الحكومة حصة.

* خدمة «نيويورك تايمز»