بري لـ«الشرق الأوسط»: السنيورة أكد لي وجود غاز بكميات تجارية

وزير الطاقة يتحدث عن العمل بهدوء على نفط لبنان.. وخبير ينصح بالتروي

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري (أ.ب)
TT

بعدما كشفت الدراسات الأولية على بعض المواقع قبالة الساحل اللبناني عن توافر «ثروة نفطية» في عمق المياه، وبعدما أكد مسؤولون وخبراء أن النتائج «مشجعة»، ما هي الخطوات المفترض أن يخطوها المسؤولون اللبنانيون لـ«نفض الغبار» عن هذا الكنز الذي يحتاج إليه اللبنانيون الغارقة بلادهم في ديون هائلة، تفوق نسبتها الناتج المحلي الإجمالي أضعافا؟

وقد بدا لافتا بروز بوادر سياسية مشجعة في هذا الإطار، خصوصا بعدما لقي هذا الموضوع شيئا، وإن خافتا، من اهتمام المسؤولين اللبنانيين. إنما، في المقابل، يبرز قلق العلماء من التسرع في الموضوع ومقاربته بشكل ترويجي وغير مدروس.

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري قال، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، إنه «في التسعينات قلت عن قطاع الخليوي إنه بئر البترول في لبنان. نحن كحركة (أمل) لطالما قلنا إن هناك نفطا في لبنان، لكننا لم نكن نميز بين نفط وغاز. ومرت الأيام إلى أن بلغنا مرحلة المعركة الانتخابية حين قلت في أحد المهرجانات إن هناك نفطا، وبالتحديد غاز في الجنوب اللبناني، وإن الدولة اللبنانية لا تتجرأ أن تذهب إلى (منطقة) الصرفند (في الجنوب) لتفحص وتتأكد، رغم أن النرويجيين تولوا القيام بالمسح الثلاثي». وأضاف: «قلت هذا الكلام وصودف أن الإذاعة الإسرائيلية أعلنت أن الاكتشاف الإسرائيلي في ما يتعلق بالغاز في حيفا بلغ 180 مليار متر مكعب، وأن هذا الاكتشاف فاق التقديرات التي لديهم بنسبة 30 في المائة، وقد يغير خريطة إسرائيل الاقتصادية للسنوات العشرين المقبلة، أي سيسد حاجتها من الطاقة. وطبعا حيفا تشكل تتمة للجنوب اللبناني. حينها، ركزت على هذه النقطة، وقلت إنني محق. وكان الرئيس (حكومة تصريف الأعمال) فؤاد السنيورة، وفي إحدى مراته النادرة أجابني بإيجابية بأن هذا الأمر صحيح، وأن الشركة النرويجية (بي جي إس) التي تحاول الكشف (على المياه الإقليمية اللبنانية) من خلال المسح الثلاثي، أكدت أن هناك غازا وفيرا وبكميات تجارية. وقد تبرعت بصياغة القانون (للنفط). وهذا الأمر مهم جدا لأنه يحتاج إلى خبرة اختصاصيين. فتشت عن (مسودة) القانون، فوجدت أنه في الحكومة التي أحالته إلى وزير الطاقة آلان طابوريان لترجمته. فعقدت اجتماعا مع الوزير طابوريان وكلفت لجنة تضم خبراء في النفط و(مستشاره الإعلامي) الأخ علي حمدان المنسق فيها. وقد دونوا بعض الملاحظات وأنا في انتظار فرج الله في هذا الموضوع».

وردا على سؤال جزم بأن هذا الموضوع بعيد عن التعقيدات السياسة، مؤكدا أن «هذا الموضوع تقني بحت. وسأصر على تخصيص صندوق لهذا القطاع بغية حفظ جزء من الموارد لسد الدين العام».

في المقابل، قال وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال آلان طابوريان إنه «يتم العمل على هذا الموضوع بهدوء»، آملا في التوصل إلى «إيجاد كميات كبيرة» من دون أن يفوته تأكيد «توافر احتمال كبير جدا لوجود النفط خصوصا الغاز الطبيعي في لبنان».

وأفاد بأن «3 جولات من المسوحات جرت في لبنان على أيدي شركتين، الأولى إنجليزية (سبكتروم) والثانية نرويجية (بي جي إس)، مسحت بقعا مرتين، واستخدمت في الجولة الثانية تقنية (2d advanced) التي أجريت قبل بضعة أشهر». ولفت إلى أن الأخيرة «تعمل على مسح كل حوض المتوسط، لذلك أبدت اهتماما لافتا بلبنان».

وعن تأكيد المنسق العام ومستشار الشؤون الجيولوجية والتنموية للشركة النرويجية أورنولف لوريتزن أن «الشركة أنفقت أكثر من 30 مليون دولار، وبالتالي فإنها متأكدة تماما من وجود النفط في المياه اللبنانية، ولو لم يتم التوصل إلى ذلك لما أنفقنا سنتا واحدا»، رد طابوريان: «في النهاية فإن الشركة يمكنها أن تقول ما تشاء للترويج للمعلومات التي تملكها، بهدف بيعها»، موضحا أن «للشركة حق بيع المعلومات طوال السنوات الخمس المقبلة».

وأشار إلى أن «لبنان لا يزال يحتاج إلى وقت للتوصل إلى استخراج النفط، طبعا إذا ثبت أنه متوافر بكميات تجارية»، علما بأنه ذكّر مرارا بأن المسوحات أظهرت «احتمالا كبيرا». وقال: «النرويج أمضت 18 عاما من التنقيب إلى أن وجدت نفطا، لذلك لا يمكن حصر المسألة بعدد معين من السنوات. إنما وإلى حين صدور قانون النفط سنقسم البحر رقعا معينة، ولدى استدراج العروض والمناقصات والدخول في مفاوضات، تباشر الشركة المنتقاة التنقيب في رقعة معينة. وما تبين إلى الآن بنى (structures) على عمق يتراوح بين 3 آلاف متر و5 آلاف، فيها غاز إنما لا يمكن الجزم بذلك، لأنه من المحتمل أن يكون قد تبخر. لكن بما أن إسرائيل أعلنت أخيرا وجود غاز، فهذا يعني ارتفاع احتمال وجود الغاز لدينا».

وقال: «للمباشرة الجادة بالعمل على هذا الموضوع، يجب البدء في إقرار قانون النفط الذي ذهب في آخر جلسة لمجلس الوزراء ضحية الخلاف الذي وقع مع الرئيس فؤاد السنيورة بشأن موضوع الكهرباء، فطلب إخراج كل المواضيع المتعلقة بوزارة الطاقة من جدول الأعمال. ثانيا، وبعد القانون، تحين مرحلة تجهيز فريق عمل متخصص في وزارة الطاقة. وهذا يتطلب عاما على الأقل، لأنه يستلزم خضوعهم لتدريبات في النرويج لتمكينهم من أصول التفاوض».

وأوضح أن القانون الذي عملت الوزارة على ترجمته والذي أحاله بري إلى لجنة خاصة لدرسه ووضع الملاحظات عليه، «يتضمن شروطا عدة بيئية ومالية وغيرها»، لافتا إلى أن هذا القانون «يضمن حق الأجيال المقبلة، ذلك أنه لا يسمح بإنفاق كل المردود المالي، إذ إن قسما يذهب إلى الخزينة وقسما آخر يبقى في الصندوق للأجيال المقبلة. والسبب الثاني لعدم إنفاق المردود كاملا، يكمن في حماية اقتصادنا من تقلبات أسعار البترول».

وفيما أشار إلى اهتمام بري والسنيورة بإثارة هذه المسألة، لفت إلى أنها «تحتاج إلى الكثير من الوقت، فالعمل عليها يتم خطوة خطوة. وعلى الدولة أن تفكر على المدى الطويل أي لثلاثين أو أربعين عاما في وضع الاستراتيجية». وقال: «هذه الثروة ستحسن وضع لبنان من كل النواحي، حتى وإن لم نصل سريعا إلى مرحلة استخراج النفط، ذلك أنه إذا كشف التنقيب توافر غاز طبيعي أو نفط بكميات تجارية، وإذا تم العمل على الموضوع بشكل جاد، فسرعان ما سيتوافد المستثمرون إلى الأرض الواعدة، وستتدنى نسبة الفائدة المترتبة على الدين».

رئيس تجمع شركات النفط بهيج أبو حمزة قال: «الدراسات الجيولوجية البدائية والمسوحات كشفت عن نتائج مشجعة جدا. كذلك تمت دراسات في قبرص أفضت إلى نتائج مماثلة». وبدا متفائلا حين قال إن «التنقيب والبدء باستخراج هذه الثروة يحتاجان إلى فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات تبعا لعمق مستوى وجودها في المياه». وأشار إلى أن «القانون الدولي الذي ينظم هذا الموضوع قد يقف عائقا، خصوصا لاستحالة توقيع اتفاق مع إسرائيل». ورأى أنه «لا شيء يؤخر العمل على هذا الموضوع، فقد وضعت الدراسات الأولية، وهذا يشكل إنجازا في حد ذاته، والقانون بات شبه جاهز».

في المقابل، دعا مسؤول مركز الجيوفيزياء الخبير الجيولوجي اللبناني الدكتور إسكندر سرسق إلى «التروي» في مقاربة هذا الموضوع، وقال: «إنه موضوع حساس جدا، وقد تطرّق إليه سياسيون كثر، حتى إن بعض وزراء الطاقة وعدوا بالبدء في استخراج النفط خلال ولايتهم! صحيح أن شركات كثيرة أجرت مسوحات لبقع مختلفة، وصحيح أن سفنا كثيرة عبرت بحرنا، وصحيح أن هناك قانونا قيد التحضير، إنما إقرار نص تشريعي، وإن كان نقطة الانطلاق، لا يعني مباشرة استخراج النفط. فلنكن واقعيين، ولندرك أننا لا نزال بعيدين جدا عن مرحلة استخراج النفط وعن الصناعة النفطية. ثم إن القانون وفي حال إقراره لن يكون النص الأول، إذ سبقه مرسوم صدر في عام 1995 لمسح المنطقة بين جزر طرابلس (على الساحل الشمالي)». وأضاف: «يجب الاتضاع في مقاربة هذه المسألة، خصوصا أن الإحصاءات العالمية تشير إلى أن توافر النفط بكميات تجارية يكون في بئر واحدة من أصل عشرين بئرا يتم العثور عليها».

وعن إعلان إسرائيل عثورها على غاز طبيعي في شواطئ حيفا التي تشكل امتدادا للجنوب اللبناني، قال: «إسرائيل مستعدّة لبذل أي جهد لضمان استقلالها في الحصول على الطاقة لأنها تواجه المقاطعة العربية في هذا الإطار، أما نحن فوضعنا يختلف». وعن نتائج المسح الجيولوجي، قال: «الدراسات الأولية للمخارج أظهرت احتمالا لتوافر البترول، بسبب رصد ترسبات. إنما يجدر التنبّه إلى ضرورة توافر عوامل جيولوجية تحفظ البترول في مكان واحد». وأضاف: «علينا أن نضاعف إمكاناتنا لنتأكد مما لدينا، لكننا في جميع الأحوال لا نزال بعيدين عن مرحلة الاستخراج».