السلطات البريطانية تستخدم إجراءات صارمة ضد الملاذات الضريبية

تريليون دولار ودائع في جزيرة غرنسي التي لا يزيد عدد سكانها على 60 ألفا

منزل غاي هاندز الجديد الذي تكلف 6 ملايين جنيه إسترليني (نيويورك تايمز)
TT

المشهد البانورامي للقنال الإنجليزي والشاطئ الصخري الغربي لغرنسي من منزل غاي هاندز الجديد الذي تكلف 6 ملايين جنيه إسترليني رائع. ولا يقل المشهد جمالا من مكتبه، الذي أوشك على انتهاء العمل به، الذي سيشغل الطابق العلوي هنا على الشاطئ الشرقي من هذه الجزيرة الصغيرة التي تتحدث اللغة الإنجليزية القريبة من ساحل نورماندي الفرنسية.

لكن الممول البريطاني الشهير لم يترك بلده الأصلي للتمتع بجمال الشاطئ، لكن السر وراء قدومه إلى غرنسي هي معدلاتها الضريبية المنخفضة 20 في المائة على الدخل، وبالأخص بالنسبة لأولئك الذين يعملون في شراء وبيع الأصول حيث تنخفض الضرائب على أرباح رأس المال إلى صفر.

والسؤال هو: هل سيفر بهذه الأموال؟ مع شغفه بالصفقات الكبرى والأضواء المسلطة حولها، يمثل هاندز، الذي يبلغ من العمر 49 عاما، سنوات الازدهار في حي المال والأعمال في لندن وهو ما يشبه إلى حد بعيد ستيفن شوارتزمان رئيس مجموعة بلاكستون غروب الذي يمثل فترة ازدهار وول ستريت.

هاندز ليس الثري البريطاني الوحيد الذي يستفيد من تلك الثغرة التي تمكن الأفراد من أن يصبحوا غير مقيمين لأغراض ضريبية مع الاحتفاظ بجوازات سفرهم ما داموا أنهم لن يقضوا أكثر من 90 يوما في العام على الأراضي البريطانية.

لكن تلك الحيلة التي عفا عليها الزمن من الانتقال إلى جزر القنال أو موناكو أو جزر كايمان على سبيل المثال مع الاحتفاظ بالأعمال والروابط الاجتماعية والثقافية في البلد الأم لم تعد سهلة كما كان الحال من قبل، فقد بدأت السلطات البريطانية في استخدام إجراءات صارمة ضد هذا النظام.

يأتي هذا التدقيق المتزايد في وقت تتزايد فيه الحساسية تجاه التهرب من الضرائب على مستوى العالم. فعلى الرغم من أن الانتقال إلى الملاذات الضريبية لا يزال نادرا بين الأثرياء إلى أنه يمثل قمة جبل الجليد للتقليد الأكثر شيوعا لنقل كميات ضخمة من المال إلى الخارج من دون إبلاغ السلطات بها. أرقام هذه المبالغ ضخمة ويصعب حصرها، لكن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس تشير إلى أن الأثرياء يمتلكون ما يقرب من 6 تريليونات دولار في الخارج وهو ما يعني خسائر ضريبية بمليارات الدولارات لدولهم كل عام. وقد بات أسلوب بنك «يو بي إس» السويسري في تصميم وسائل معقدة لعزل الأرباح التي تحقق في الخارج لعملائها الأميركيين موضع تحقيق من السلطات الأميركية. وقد أثارت التوقعات باحتمال رفع معدلات الضرائب في الولايات المتحدة تساؤلات جديدة حول كيفية استجابة الأثرياء الأميركيين لدفع المزيد من الأموال للحكومة.

وما أثار دهشة الكثيرين حكم محكمة بريطانية بأن روبرت غاينز كوبر، رجل الأعمال المتقاعد الذي يعيش في جزيرة سيشيل في المحيط الهندي منذ عام 1975، بأنه لا يزال بريطانيا وأنه مدين لبريطانيا بضرائب على دخله خلال الفترة التي قضاها بالخارج. وعلى الرغم من احتجاج محامي غاينز كوبر بأنه كان يقضي أقل من 90 يوما في بريطانيا لكن المحكمة استشهدت بزياراته المنتظمة لسباقات رويال أسكوت وكذلك أسطول رولز رويس الذي يمتلكه في بريطانيا إضافة إلى أن زوجته وابنه يعيشان في بريطانيا.

وقد بث هذا القرار الذعر في أوصال المقيمين في الملاذات الضريبية، على الرغم من أنه لا يزال موضع نظر استئناف نهائي.

وقال بيتر فاينز، محامي الضرائب الذي مثّل غاينز كوبر: «سيواجه هاندز بعض الأسئلة التي يجب عليه الإجابة عنها. فسيقول له خبير الضرائب:إننا لا نعتقد أنك غادرت بريطانيا بالمعنى الصحيح. إنني متأكد من ذلك، ومن ثم سيكون أمام مستشاريه الكثير للقيام به».

وقد رفض هاندز، الذي تقدر ثروته بحوالي 200 مليون جنيه استرليني، أو 336 مليون دولار، التعليق على هذه التقارير.

لكن محاميه يأملون في ألا تكون القضية أن تمويلات شركته، تيرا فيرما كابيتال بارتنرز، التي تدار من غرنسي وكل قرارات الاستثمارات الرئيسة تتخذ من بريطانيا. لكن هاندز تعهد علنا بألا تطأ أقدامه الأراضي البريطانية في المستقبل القريب. وإذا ما كان ذلك سيؤكد من دون شك أنه من سكان غرنسي. لكن آخرين يبدون تشككهم في ذلك فيشير خبراء الضرائب إلى أن زوجته التي تمتلك منزلا فخما في ريف كنت جنوب شرق لندن وتدير فندقا في بريطانيا، وأن ثلاثة من بين أطفاله الأربعة يذهبون إلى المدارس البريطانية كما أن غالبية موظفي شركته تيرا فيرما، البالغ عددهم 60 موظفا موجودون في مكتب الشركة في لندن.

وقال ريتشارد ميرفي مؤسس شركة «تاكس ريسيرش يو كي» ومستشار الحكومة البريطانية لأساليب التهرب من الضرائب: «إنه يحاول التهرب من الضرائب، إن غاي هاندز يرغب في ربح المال من اقتصاد المملكة المتحدة والترتيبات والضمانات التي نقدمها لكنه لا يرغب في دفع مقابل لها».

وقد أثارت الزيادة الجديدة في معدل الدخل على الضرائب في بريطانيا إلى 50 في المائة عاصفة من الانتقادات في الدوائر المالية إلى جانب بعض التهديدات بفرار العديد من رجال الأعمال.

فقال جون مولتون، المدير التنفيذي بشركة تمويل الذي يمتلك منزلا في غرنسي لكنه لم يغير محل إقامته: «أي زيادة أخرى في الضرائب ستجعلني أرحل أنا أيضا، لقد عشت هنا منذ السبعينات منذ أن كانت الضرائب 90 في المائة. لقد كانت قاتلة».

انتقل هاندز إلى غويرنزي في مارس (آذار) فيما لا يزال يحاول التغلب على النتائج الكارثية لشرائه شركة إي إم آي الموسيقية المثقلة بالديون وقبل الزيادة الضريبية المعلن عنها. لكن بحسب رأي مولتون عبر هاندز عن إحباطه من نظام الضرائب البريطاني المتقلب وأن قرار رفع الضرائب في أبريل (نيسان) كان القشة الأخيرة.

على الرغم من التهديدات الرنانة، إلا أن القليلين من البريطانيين اتخذوا تلك الخطوة. فقد أثار الارتفاع في معدل الضرائب حنق بيتر هارغريفيز المؤسس المشارك في شركة هارغيفيز لانسداون شركة الخدمات المالية التي تتخذ من بريستول مقرا لها وقال: «في وقت ما سيتوقف الأفراد عن دفع ضرائب كبيرة لصالح هذا الجزء من المجتمع من الكسالى والمبذرين». لكنه مع ذلك لن ينضم إلى قائمة الفارين فيقول: «إنني وطني جدا ولي الكثير هنا في المملكة المتحدة».

وعلى الجزيرة هنا، يشير الوكلاء العقاريون ومحامو الضرائب إلى حدوث العديد من التحقيقات وهناك عدد كبير من الهاربين من جحيم الضرائب بين سكان المدينة البالغ عددهم 60,000 نسمة. على الرغم من وجود عدد قليل من المشاهير مثل هاندز. ومع أكواخها المبنية بالحجارة القديمة المطلة على الموانئ الآخاذة وخبراتها المالية الكبيرة، تحتفظ الجزيرة بحوالي تريليون دولار كودائع ما يجعلها تبقى بمعزل عن فانيارد مارثا وسنغافورة: وملاذ آمن من الضرائب على بعد 35 دقيقة بالطائرة من مطار غاتويك في لندن. وعلى الرغم من تلقي غرنسي شهادة مشجعة على أنها منفتحة إلى حد ما، زعمت مؤسسة مراقبة الضرائب التابعة لمجموعة قادة دول الـ20 في بداية هذا العام أن الجزيرة تجتذب المليارات من الدولارات التي يجب أن تسدد الضرائب عنها. وهو اتهام فنده بقوة المسؤولون في غرنسي.

وقال ليندون تروت، مضارب النقد الأجنبي السابق، الذي يدير غرنسي كوزير أول: «نحن دائرة قضائية منخفضة الضرائب، لكننا لسنا ملاذا ضريبيا» ويرى تروت أن قرار هاندز للإقامة على الجزيرة كتصديق على نموذج غرنسي من البساطة المريحة والحرفية المالية.

وقال تروت وهو يأخذ راحة من لعبة كرة قدم الشاطئ أسفل الطريق من منزل هاندز: «أعتقد أن هذا يرجع إلى عدم حب التباهي وهو ما يحتاجه أفراد مثل غاي هاندز».

تفتقد غرنسي وميض أسلوب موناكو، فالملاهي الليلة قليلة والسرعة القصوى التي لا تتجاوز 35 أو 56 كيلو مترا في الساعة تمنع سيارات بورش وبنتلي وبي إم دبليو التي تسد الطرق الضيقة في النطاقات الضيقة.

ويشير تروت إلى أن الزيادة المتصاعدة في الضرائب في بريطانيا كانت جيدة للأعمال في غويرنزي، لكنه يعترف أن الكساد الاقتصادي العالمي كان له أثره وهو ما تطلب من الجزيرة أن تتوقع أول عجز مالي في موازنتها للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاما».

وقال: «إذا رفعنا ضرائبنا إلى 23 في المائة فإن العجز سيختفي، لكننا لن نقوم بذلك لأن معدل الضرائب مقدس إلى حد بعيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»