مساعد مادوف يكشف تفاصيل مخطط الاحتيال كشاهد متعاون لتخفيف الحكم

اختلاق قوائم حسابية زائفة ونقل الأموال بين الحسابات لإطالة أمد الأكذوبة

فرانك ديباسكالي لدى بداية أولى جلسات محاكمته في نيويورك أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

كان فرانك ديباسكالي «طفلا من منطقة كوينز» تخرج لتوه في المدرسة الثانوية عندما تقلد وظيفة عام 1975 مع أحد النجوم الصاعدة في وول ستريت يدعى بيرنارد مادوف.

وقف ديباسكالي، الثلاثاء، داخل قاعة إحدى المحاكم الفيدرالية في منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك، واعترف بأنه على امتداد السنوات الـ20 الماضية على الأقل، ساعد مادوف على تنفيذ واحد من أكبر مخططات الاحتيال في تاريخ وول ستريت.

في الواقع، قدم ديباسكالي للمرة الأولى تفاصيل حول كيف قام وآخرون لم يتم تحديد هويتهم بمساعدة مادوف على إطالة أمد ارتكاب جريمته، اعتمادا على بيانات تاريخية تخص الأسهم من شبكة الإنترنت، بهدف خلق سجلات تجارية زائفة، وإرسال قوائم مالية مزيفة للعملاء، وترتيب إجراءات تحويل أموال لخلق الانطباع بأن الشركة تربح عمولات من وراء عمليات الاتجار في الأسهم.

واعترف ديباسكالي أمام القاضي ريتشارد جيه سوليفان، من محكمة المقاطعة الخامسة، بقوله: «كنت على علم بأن ذلك يعد جريمة، لكنني اقترفتها على كل الأحوال». يذكر أن ديباسكالي يواجه 10 اتهامات، منها التآمر والتهرب الضريبي.

من جهته، رفض القاضي سوليفان إطلاق سراح ديباسكالي بكفالة بعد دفعه الاتهامات الموجهة إليه، على الرغم من طلب جهة الادعاء الإبقاء عليه حرا للمساعدة على نحو أفضل في التحقيقات الواسعة والمعقدة التي يجرونها، الأمر الذي شكل صفعة لكل من المحامين التابعين للحكومة ومحاميي الدفاع.

تبريرا لقراره، قال القاضي سوليفان إنه لم يقتنع بأن شروط الكفالة ـ عبارة عن اتفاق بقيمة 2.5 مليون دولار تم التوصل إليه بين الادعاء وفريق الدفاع ـ ستضمن حضور ديباسكالي، 52 عاما، جلسة إصدار الحكم، التي تقرر عقدها في مايو (أيار) المقبل.

يذكر أن ديباسكالي، الذي كان واحدا من أقرب مساعدي مادوف طيلة عقود، قال أيضا «سأوجه كل طاقاتي لمحاولة شرح كيف حدث هذا الأمر أمام الآخرين»، وذلك باعتباره شاهدا متعاونا مع المحققين الفيدراليين الذين لا يزالون يعكفون على التحقيق في أمر الجريمة الهائلة التي ارتكبها مادوف، التي تسببت في خسارة عملائه قرابة 65 مليار دولار كانوا يظنون أنها موجودة بحساباتهم.

من ناحية أخرى، يواجه ديباسكالي عقوبة السجن لمدة تصل إلى 125 عاما. أما رئيسه السابق فصدر ضده حكم بالسجن لمدة 150 عاما. من جهته، أعرب القاضي عن اعتقاده أن «المتهم لديه حافز قوي للهرب»، مضيفا أن ترتيبات الكفالة بدت وكأنها إطلاق سراح على أساس «كلمة شرف».

من ناحية أخرى، أكد مارك إل موكاسي، أثناء دفاعه عن ديباسكالي مرارا للقاضي أن ديباسكالي يدرك جيدا أن التعاون السبيل الوحيد أمامه لنيل عقوبة مخففة. واستطرد موكاسي موضحا أن ديباسكالي نجح بالفعل في كسب ثقة أعضاء جهة الادعاء والمحققين. علاوة على ذلك، أشار موكاسي إلى أن ديباسكالي يشكل جزءا من أسرة متماسكة ومتحابة، سيتعرض بعض أفرادها لخسارة فادحة إذا ما فر قبل صدور العقوبة بحقه.

على الجانب الآخر، حث مارك أو ليت، المدعي الفيدرالي، القاضي على قبول ترتيبات الكفالة، موضحا أن ديباسكالي من الممكن أن يقوم بدور إرشادي بالغ الأهمية عبر السجلات الأشبه بالمتاهة الخاصة بعمليات مادوف.

إلا أن القاضي سوليفان رفض هذه الحجج، وخلص إلى أن الشخص الذي يواجه عقوبة محتملة بالسجن لمدة تصل إلى 125 عاما ربما يقرر أنه مهما بلغ حجم التعاون الذي يبديه، فإنه لن ينجح في خفض فترة العقوبة على نحو مؤثر، وبالتالي، سيحاول الهرب.

وفي الوقت الذي قال فيه القاضي إنه سيدرس مسألة اتخاذ ترتيبات كفالة معدلة في المستقبل، أصدر أوامره بحبس ديباسكالي على الفور. وبالفعل، خرج مساعد مادوف السابق من قاعة المحكمة مكبلا بالأغلال، مخلفا وراءه زمرة من المحامين يحاولون الوصول إلى سبيل للحفاظ على حريته لمعاونة التحقيق. وظهرت بضع لمحات تعكس حجم التعاون الذي أبداه ديباسكالي، الثلاثاء، عندما قدم واحدة من أكثر الشهادات تفصيلا التي صدرت حتى الآن من داخل مبنى «ميدتاون مانهاتن» الإداري، حيث تولى مادوف إدارة مخططه الاحتيالي لعقود طويلة. ووصف ديباسكالي كيف أنه ومادوف وعدد «من الأشخاص الآخرين» لم يتم تحديدهم، اختلقوا قوائم حسابية زائفة، وعمدوا إلى نقل الأموال بين الحسابات المصرفية وإطالة أمد أكذوبة أنهم يحققون أرباحا لحساب عملاء شركة «بيرنارد إل مادوف إنفستمنت سيكيوريتيز». واعترف ديباسكالي بأنه «لم تتم أي عمليات شراء أو بيع للأوراق المالية فعليا في حساباتهم. كان الأمر برمته مزيفا. كان كله محض خيال. كان خطأ، وكنت على علم بأنه خطأ طوال الوقت».

وتمثلت مهمة ديباسكالي في الإبقاء على مخطط الاحتيال مستمرا، وعلى المستثمرين والمشرعين مخدوعين. ومن أجل خلق انطباع زائف بأن شركة مادوف تهيمن على الأسواق، عمد مادوف وموظفوه إلى تتبع أسعار الأسهم، ثم التظاهر بشراء الأسهم التي تتوافق مساراتها مع الأهداف الاستثمارية للشركة، حسبما أوضح ديباسكالي.

وبالفعل، قام مسؤولو الشركة باختلاق وإرسال أعداد ضخمة من القوائم الحسابية وبيانات تجارية عن مضاربات لم تتم قط. ومن ناحيتهم، قال المحققون إن الخدعة تمادت لدرجة تصميم برنامج زائف على الحاسب الآلي للمضاربة واستخدام أرقام عشوائية في تحديد عدد مرات المضاربة وكميات التداول بسجلات المضاربة، بحيث يعجز أي شخص عن التوصل إلى نسق محدد.

ظهرت تفصيلات مثيرة أيضا في إطار دعوى قضائية مدنية تم رفعها ضد ديباسكالي، الثلاثاء، من جانب «لجنة الأوراق المالية والبورصة»، التي وافق ديباسكالي على التعاون معها.

وألمحت الشكوى إلى أن مادوف ربما بدأ نشاطه التجاري بمجال إدارة الأموال بصورة مشروعة، واستثمر أموالا حصل على الجزء الأكبر منها من أصدقاء وأقارب اعتمادا على استراتيجيات خاصة بالموازنة وانتقاء الأسهم.

إلا أن اللجنة أكدت أنه بدءا من «مطلع الثمانينات على الأقل»، ساعد ديباسكالي مادوف على اختلاق مضاربات وهمية لطرح أرباح زائفة بالنسبة لحسابات معينة، خاصة الحسابات التي فتحتها صناديق متعددة الأفرع في مرحلة مبكرة، والتي سحبت الأموال بعيدا عن أيدي مستثمرين آخرين لحساب مادوف. ومن دون إقرار أو إنكار الذنب، وافق ديباسكالي على تسوية جزئية مع اللجنة. ومن جهته، أعرب موكاسي عن سعادته بتسوية الأمر.

يوم الثلاثاء، أبدى ديباسكالي أمام هيئة المحكمة رغبته في الاعتذار لكل الضحايا، مضيفا «أنا آسف جدا جدا جدا». تخرج ديباسكالي في «مدرسة آرتشبيشوب مولي الثانوية» في كوينز. وقال إنه لم يكن يدري شيئا عن القضايا المالية أو وول ستريت عندما تقدم للعمل لدى مادوف عام 1975. وعمل بشركة مادوف محللا بحثيا ومضاربا و«كشخص أنفذ أي أوامر تصدر لي داخل المكتب».

بمرور السنوات، تولد شعور قوي بالولاء لدى ديباسكالي تجاه مادوف باعتباره معلمه. وقال ديباسكالي: «كنت وفيا له. انتهى بي الحال بأن أصبحت مخلصا لخطأ بالغ البشاعة».

من ناحية أخرى، قال موكاسي، محامي ديباسكالي، إنه في الوقت الذي يعد موكله «مذنبا 1000 بالمائة»، فإنه كان لديه اعتقاد ـ قبل انهيار مخطط الاحتيال ـ بأن مادوف قد يتمكن بصورة ما من تعويض ضحاياه.

ويعتبر ديباسكالي ثالث شخص يواجه اتهامات جنائية ناشئة عن مخطط الاحتيال الذي تزعمه مادوف. وإلى جانب مادوف نفسه، واجه المحاسب الذي تولى تدقيق سجلات مادوف الحسابية، ديفيد جي فريلنغ، اتهامات جنائية بالاحتيال في مجال الأوراق المالية والمساعدة في النصب على مستثمرين. وقد دفع عن نفسه الاتهامات، مؤكدا براءته.

* خدمة «نيويورك تايمز»