شوك

TT

كان والدي ـ رحمه الله ـ يعمل في التجارة وكان دائما يحاول أن ينقل خبرته إلي، وكان يحاول تبسيط الخبرات والمفاهيم، ويسوقها على شكل أمثلة لتكون سريعة الحفظ سهلة التطبيق، مثل: «جود السوق ولا جود البضاعة» وغيرها من أمثلة السوق التي لا حصر لها. وكان يركز على مقولة ويرددها لي دائما «احذر حروف الشوك» وكنت أحاول فهم هذه العبارة بشتى الطرق فلم أستطع، وفي إحدى المرات قلت له، رحمه الله: أنت تكرر علي يا والدي هذه العبارة ولكني لم أفهمها، فقال يا بني: حروف الشوك هي تجميع لأول حروف كلمات كلها يؤدي إلى الهلاك فـالشين «شراكة» والواو «وكالة» والكاف «كفالة» ظلت مثل هذه الكلمات معلقة في ذهني وصرت أراقب المجتمع التجاري، وللأسف كنت أرى أن الكثير من الشراكات ينفض أو يفشل مع التأكيد على نجاح البعض وكنت أرى تذمر التجار من وكلائهم وكنت أرى بعض الكفلاء يدخلون السجن بدلا ممن كفلوهم.

كانت كل هذه المشاهدات ترسخ مقولة والدي في ذهني أكثر فأكثر ولكن مع التطور التجاري في العالم العربي وقد أصبح لا بد من دخول الشراكات، وبدا لي أن من يدخلون الشراكات يدخلونها بحسن النوايا وهذا وحده لا يكفي لأن الاختلاف لا بد أن يحصل سواء مع تعظيم الأرباح وطمع أحد الشركاء بها أو الخسائر وتذمر الشركاء منها، ففي كلتا الحالتين النجاح أو الفشل هناك مخاطر مرتفعة بفض الشراكة.

فكيف يمكن معالجة مثل هذه المعادلة الصعبة؟ لا بد من الشراكة مع نسب فشل عالية في رأيي أنه لا بد أن نتخلص من حسن النوايا ونصوغ العقود بأشكال واضحة جدا تحدد طريقة التخارج أولا بحيث لو رأى أحد الشركاء أنه مغبون فإنه يمكنه التخارج مع شريكه بأقل الأضرار، تحديد مدة الشراكة بسنوات معينة حتى يكون خروج أحد الشركاء بناء على انتهاء المدة إن أراد وليس الخلاف. كما عليهما الابتعاد عن تسمية مدير عام الشركة داخل عقد الشراكة وهو غالبا ما يكون أحد الشركاء بل يجب صياغة عقد منفصل له كموظف مختلف عن عقد الشريك حتى يمكن فصله أو الاستغناء عنه أو إيقافه في حالة إخلاله بمسؤوليات وظيفته.

ومن المعروف أن العقود مهما بلغت دقتها لا بد أن يكون بها فجوات لذلك أقترح على الغرف التجارية الصناعية أن تضع بنك معلومات توضع فيه نماذج من هذه العقود حتى لو أزيلت أسماء أصحابها بحيث تتوافر لدينا في مجتمع الأعمال خبرة متراكمة وحتى يتم التعرف على ثغرات العقود بحيث يمكن صياغة عقد موحد أو أكثر من عقد موحد في كل نشاط تكون ثغراته قليلة، ويمكن تعديلها، مع الطلب من بعض الشركاء الذين ساهموا في إنشاء الشركات واختلفوا، كتابة تجاربهم حتى بدون أسماء. هذا سيمكن من تلافي أخطائهم لتكون لدى مجتمع الأعمال خبرة تراكمية موثوق بها فالشراكة شر لا بد منه في مجتمع الأعمال حتى وإن كانت من حروف الشوك.

* كاتب اقتصادي