انخفاض عدد الأميركيين الذين تزيد ثرواتهم على 30 مليون دولار بنسبة 24%

زيادة ثروات الأثرياء تصل إلى طريق مسدود

جون مكافي سيباع منزله بالمزاد لتسديد ديونه بعدما انهارت قيمة ثروته من 100 مليون دولار إلى 4 ملايين دولار فقط (نيويورك تايمز)
TT

ظل الأثرياء يزدادون ثراء على امتداد فترة طويلة لدرجة جعلت هذا التوجه يبدو وكأنه بلا نهاية.

بدأت الفجوة في الظهور بوضوح بين الأثرياء وغيرهم من طبقات المجتمع في السبعينات. وبحلول عام 2007، تركز الدخل بدرجة أكبر عند قمة شرائح المجتمع عما كان عليه الحال في أي وقت مضى منذ أواخر العشرينات. وأوحت الأنباء الواردة مؤخرا، حول ارتفاع الرواتب مجددا في وول ستريت، بأنه حتى فترة «الركود العظيم» عاجزة عن إحداث تحول عكسي في اتجاه الفجوة المتنامية في الدخول.

إلا أن الخبراء الاقتصاديين يشيرون ـ وبدأت بعض البيانات في الظهور بالفعل بهذا الشأن ـ إلى أن تغيرا كبيرا على هذا الصعيد، ربما يكون جاريا بالفعل، منوهين بأن الأثرياء، كمجموعة، لم يعودوا يزدادون ثراء. في الواقع، على امتداد العامين الماضيين، أصبحوا أكثر فقرا، وربما لا يعود الكثيرون منهم على امتداد المستقبل المنظور إلى مستويات الثروة والدخول التي سبق وتمتعوا بها.

في مقابل أن كل مصرفي استثماري استعاد مستوى راتبه الذي كان يتمتع به قبل حدوث الركود، فقد الكثيرون وظائفهم، علاوة على خسارة الكثير من المستثمرين الأثرياء ملايين الدولارات. وعليه، يعتقد الخبراء الاقتصاديون، وغيرهم من المحللين، أن الحقبة الممتدة لـ30 عاما، التي ازداد خلالها ثراء، وازدادت أيضا أعداد الأثرياء، ربما توشك على نهايتها الآن.

بطبيعة الحال، قد لا تثير المحنة التي يجابهها الأثرياء كثيرا من التعاطف من قبل الأسر الأقل ثراء التي تقف في مواجهة تداعيات أسوأ فترة ركود تضرب الولايات المتحدة منذ جيل كامل، بيد أن هذا التحول يثير الكثير من التساؤلات الاقتصادية الأوسع، ومنها ما إذا كانت الفترات العصيبة التي يعانيها الأثرياء ستعود في نهاية الأمر بالنفع على أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة، بالنظر إلى أن الزيادة الهائلة التي وقعت مؤخرا في الشريحة العليا من الدخول تزامنت مع نمو بطيء في الدخول للشرائح كافة تقريبا. بصورة أوضح، يدور التساؤل حول ما إذا كانت الصورة المجازية الأفضل للاقتصاد هي ظهور مد متصاعد بمقدوره رفع كل القوارب معه، والخاسر فيه تذهب خسارته لمصلحة طرف آخر فائز.

حتى الآن، ما زال من غير الواضح تحديدا حجم التراجع الذي ستمنى به ثروات الأثرياء، وسيتحدد هذا الأمر بناء على عدة عوامل منها ما إذا كانت سوق الأسهم ستستمر في صعودها الراهن، وطبيعة القوانين الجديدة التي سيقرها الكونغرس في أعقاب الأزمة المالية، لكن على الأقل يبدو من غير المحتمل أن يعود الأثرياء إلى المنحنى التصاعدي الذي كانوا عليها سابقا.

طبقا للإحصاءات الصادرة عن مؤسستي «كاب غيميني»، و«صندوق ميريل لنتش لإدارة الثروات»، انخفضت أعداد الأميركيين الذين يبلغ صافي قيمة ثرواتهم 30 مليون دولار، على الأقل، بنسبة 24%. كما تراجعت الدخول الشهرية المترتبة على عائدات الأسهم، التي تتركز بين الأثرياء، بنسبة تتجاوز 20% منذ الصيف الماضي، في أكبر تراجع من نوعه منذ أن شرعت الحكومة في الاحتفاظ بسجلات عام 1959.

من جهتها، أشارت مجلة «فوربس» إلى أن بيل غيتس، ووارين بافيت، وورثة متاجر «وول مارت»، ومؤسسي محرك البحث «غوغل»، خسر كل منهم مليارات الدولارات العام الماضي. ومن بين أقوى الأمثلة في هذا الشأن جون مكافي، رجل الأعمال الذي أسس شركة برمجيات مضادة للفيروسات تحمل اسمه، الذي تقدر ثروته حاليا بـ4 ملايين دولار تقريبا، بعد أن بلغت في ذروتها أكثر من 100 مليون دولار. ومن المقرر أن يبيع مكافي قريبا آخر ممتلكاته الكبرى في مزاد علني لحاجته الماسة لأموال نقدية لسداد الفواتير المتراكمة عليه في أعقاب تعرضه لانهيار مباغت في أسعار العقارات والأسهم في ذات الوقت.

في هذا السياق، اعترف مكافي أنه «لم تتوافر أمامي أي مؤشرات تنذر بوقوع مثل هذا الانهيار المتزامن».

يمكن القول بأن أحد أقوى المؤشرات على حدوث انحسار في ثروات الأكثر ثراء تتوافر في البيانات المرتبطة بإنفاقات الأثرياء. على سبيل المثال، تراجع «مؤشر ماي موزيز» المعني بأسعار الأعمال الفنية بنسبة 32% خلال الشهور الست الأخيرة. علاوة على ذلك، أخفق نادي «نيويورك يانكيز» في بيع الكثير من أغلى تذاكره في الاستاد الجديد الخاص به، ما اضطره إلى خفض السعر. وداخل مدينة فيل في كورولورادو، بيعت خمسة منازل فقط مقابل أكثر من 2 مليون دولار خلال النصف الأول من هذا العام، بتراجع بنسبة 34%، عن النصف الأول من عام 2007، طبقا للبيانات الصادرة عن شركة «إم دي إيه داتاكويك». وفي بروكسنفيل، إحدى ضواحي الأثرياء في نيويورك، انخفضت أعداد المنازل التي بيعت إلى اثنين فقط، بعد أن كانت 17، تبعا للبيانات الصادرة عن شركة «كولدويل بانكر ريزدنشال بروكريدج».

من ناحيته، علق نيال سوي، الخبير الاقتصادي الأول لدى «كريديت سويس»، بقوله: «مررنا بفترة امتدت لـ50 عاما تقريبا، من 1929 حتى 1979، مال خلالها توزيع الدخول للتكافؤ. إلا أنه منذ مطلع الثمانينات، مالت الدخول إلى قدر أقل من التكافؤ، وأعتقد أننا دخلنا الآن فترة سيتحرك المجتمع خلالها باتجاه توزيع أكثر تكافؤا».

من جهتهم، لا يتوقع سوى القليل من الخبراء الاقتصاديين عودة البلاد إلى التوزيع المتكافئ نسبيا للدخول، الذي اتسم به عقدي الخمسينات والستينات. في الواقع، يعتقد معظم الخبراء استمرار انعدام التكافؤ في توزيع الدخول لفترة أطول بكثير عما شهده الجزء الأكبر من القرن الـ20. من جهتها، لم تقترح إدارة أوباما إعادة صياغة القواعد الخاصة بـ«وول ستريت» على نحو كامل، أو زيادة ضريبة الدخل المفروضة على الشريحة الأعلى من الدخول لتقترب من 70%، وهو المستوى الذي كانت عليه عام 1980. علاوة على ذلك، فإن قوى السوق التي أسهمت في تنامي فجوة الدخول، مثل العولمة، لا تزال قائمة.

ومع ذلك، يرى الخبراء الاقتصاديون أن الأثرياء قد لا يتمكنون من تعويض خسائرهم على الفور، مثلما فعلوا في أعقاب انهيار الشركات المعنية بشبكة الإنترنت في بداية العقد الحالي. وقد نجح الأثرياء من استعادة ثرواتهم بسرعة نتيجة ظهور «فقاعة» جديدة بالأسهم، التي كانت أعلى سعرا عام 2007، طبقا لبعض المعايير، عن أي فترة أخرى، فيما عدا فترتي صعود الأسواق في العشرينات والتسعينات. ويرى المحللون أن هذه المرة يبدو من غير المحتمل أن تستعيد وول ستريت قريبا المستويات الهائلة من عمليات الاقتراض التي جعلت من تلك الفقاعة أمرا ممكنا. بالتأكيد، من الممكن أن تخلف أي تحولات كبرى على الأوضاع المالية للأثرياء تداعيات كبرى، ذلك أن انحسار دخولهم وثرواتهم قد يزيد من تعقيد الأمور أمام الجامعات النخبوية والمتاحف والمؤسسات الأخرى التي تلقت تبرعات سخية في العقود الأخيرة. ومن الممكن أيضا أن تمر الحكومات ـ على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات ـ بفترات عصيبة بسبب اعتمادها بشدة على الضرائب التي يسددها الأثرياء.

ربما كان التساؤل الأوسع نطاقا، ما التداعيات المترتبة على الطبقتين الوسطى والفقيرة حال تعرض الأثرياء لضربة قاسية. تتمثل أفضل البيانات المتوافرة بشأن الأثرياء في تلك الواردة بتحليل صدر عن «هيئة العائدات الداخلية»، ووضعه الخبيران الاقتصاديان، توماس بيكيتي، وإيمانويل سايز. ويكشف التحليل أنه في أواخر السبعينات، بلغ الخط المالي المحدد لشريحة الـ0.001 الأعلى دخلا 2 مليون دولار تقريبا، بعد تعديلها لأخذ أثر التضخم في الحسبان، وقبل خصم الضرائب. بحلول عام 2007، قفز هذا الخط إلى مستوى 11.5 مليون دولار.

بصورة عامة، جنى الأثرياء مكاسب كبيرة، إن لم تكن هائلة، ذلك أن الخط المالي المحدد لنسبة الـ1% الأعلى دخلا تضاعف منذ نهاية السبعينات، ليصل إلى نحو 400000 دولار.

على النقيض، ارتفعت دخول الأسر المتوسطة ـ التي بلغت ما يقرب من 50000 دولار عام 2007 ـ بنسبة تقل عن 20%، حسب ما كشفت بيانات الإحصاء السكاني. بالقرب من قاع توزيع الدخول، لم تتجاوز الزيادة 12% تقريبا فحسب.

من ناحية أخرى، أعرب بعض الخبراء الاقتصاديين عن اعتقادهم بأن التوجهات المتعارضة لا صلة لها ببعضها البعض. ويرون أن أي مشكلات يعانيها الأثرياء سيمتد تأثيرها إلى الطبقات الأدنى، في صورة تبرعات خيرية أقل، وتراجع إنفاقات المستهلكين. على مدار القرن الماضي، تركزت السنوات الأسوأ بالنسبة للأثرياء في مطلع الثلاثينات، ما يشكل ذروة فترة «الكساد الكبير».

يعتقد خبراء اقتصاديون آخرون أن الارتفاع الهائل الأخير في دخول الأكثر ثراء أضر بالجميع، بسبب تركيزه النفوذ الاقتصادي والسياسي داخل مجموعة صغيرة نسبيا. في هذا الصدد، قال لورانس كاتز، الخبير الاقتصادي التابع لجامعة هارفارد: «أعتقد أن الدخول بالغة الارتفاع من الممكن أن تخلف تأثيرات سلبية على الصعيد السياسي والاقتصادي». واستطرد كاتز موضحا أن نسبة كبيرة من النمو في دخول الشريحة العليا نبع من قوى السوق، مثل الابتكارات التقنية. إلا أن جزءا كبيرا أيضا جاء من القدرة التي أبداها الأثرياء حديثا للفوز بعقود حكومية مميزة، وسداد ضرائب أقل، ووجود تنظيمات مالية ضعيفة، حسب ما أضاف كاتز.

رغم أن «هيئة العائدات الداخلية» لم تصدر بعد بياناتها الخاصة بعامي 2008 و2009، أعرب سايز، وهو بروفسور بجامعة كاليفورنيا في بيركيلي، عن اعتقاده بأن ثروات الأثرياء تراجعت. وفي سؤال له حول الخط المالي المحدد، حسب ظنه، للشريحة الـ0.001 الأعلى دخلا من الأسر في الوقت الحاضر، أجاب سايز أنه يتراوح بين 6 و8 ملايين دولار.

وأضاف أن عودة هذا الخط إلى مستوى 11 مليونا سريعا ربما تتطلب فقاعة مالية ضخمة.

جدير بالذكر أن الاقتصاد الأميركي شهد بالفعل فقاعتين على هذا النحو في السنوات الأخيرة ـ إحداهما في الأسهم، والأخرى في العقارات ـ وساعدت كلاهما في زيادة الأثرياء ثراء. يعتبر مكافي أحد الأمثلة المتطرفة والواضحة على هذا الصعيد، ذلك أنه على امتداد عقدين، نجح مكافي في جميع الخطوات، تقريبا، التي اتخذها على الصعيد التجاري وتوصل إلى سبيل لجني مزيد من المال.

في أواخر الثمانينات، أنشأ مكافي شركة «مكافي أسوشتس»، المعنية بالبرمجيات المضادة للفيروسات. وقد وفرت الشركة برامجها مجانا، على عكس منافسيها، لكنها فرضت رسوما على أي من أنماط الدعم الفني. وساعد هذا القرار في إحراز الشركة نجاحا هائلا. طرحت أسهم الشركة للاكتتاب العام عام 1992، خلال السنوات الأولى من واحدة من حقب الازدهار الكبرى في سوق الأسهم في التاريخ.

لكن مكافي يعتبر، حسب وصفه، رجل أعمال غير تقليدي، لذلك سرعان ما أصابه السأم وحول اهتمامه نحو اهتمامات أخرى استحوذت على تفكيره. عندما كان شابا، سافر مكافي إلى المكسيك والهند ونيبال، ومؤخرا ألّف كتابا بعنوان «في قلب الحقيقة: روح اليوغا التقاربية». بعد عامين من طرح «مكافي أسوشتس» للاكتتاب العام، أصابه الملل مجددا. وعليه، عمد إلى بيع نصيبه المتبقي بالشركة، وبلغت أرباحه نحو 100 مليون دولار. على مدار السنوات التالية، شرع مكافي في مشروعات جديدة وقام بمزيد من الاستثمارات عادت عليه بأرباح.

من جهته، علق مكافي بالقول: «علمني التاريخ أنه ليس عليك سوى المضي قدما في العمل، وحينئذ سيكون من اليسير جني مزيد من المال». وأضاف أنه في ظل الضرائب المنخفضة، تمكن الأثرياء من الحفاظ على جزء كبير من الثروات التي حققوها. من ناحية أخرى، تعد أحد أكثر الملحوظات إثارة للاهتمام بشأن البيانات المرتبطة بانعدام التكافؤ، حجم الارتباط القائم بين دخول الشريحة الأكثر ثراء من السكان وسوق الأسهم. الواضح أن دخول الأثرياء ارتفعت بأسرع معدل لها خلال أكثر فترات الازدهار لأسواق الأسهم، وهي العشرينات، والأعوام العشرين بداية من 1987.

في هذا السياق، قال محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة «بيمكو»، أحد أكبر جهات الاتجار في السندات، والمدير السابق لوقف جامعة هارفارد: «لقد خرجنا لتوّنا من فترة غير عادية، حيث خلقت ثروات هائلة من تكرار بيع الأصول».

وأضاف العريان أن بعضا من هذه الثروة اعتمد على مكاسب اقتصادية حقيقية، مثل تلك الناشئة من ثروة الحاسب الآلي، لكن الجزء الأكبر منها لم يكن كذلك. واستطرد قائلا: «شهدنا عملية خلق ثروات تعذر ربطها بالاقتصاد الأساسي، وجاءت الفوائد المترتبة على ذلك مشوهة، حيث اتجهت نحو أصول الأثرياء. كان الأمر أشبه بهندسة مالية».

لكن إذا كان الأثرياء قد أبلوا بلاء حسنا خلال فترات الفقاعات، فإنهم تعرضوا للكثير من الضربات القاسية لثرواتهم خلال فترات الانحسار. جدير بالذكر أن دراسة حديثة أجراها خبيران اقتصاديان من جامعة نورث ويسترن توصلت إلى أن دخول الأثرياء تميل للانكماش بدرجة أكبر، من منظور النسب المئوية، أثناء فترات الركود عن دخول أبناء الطبقة الوسطى. ويأتي الانحسار الأسرع في دخول الشريحة الـ0.001 الأعلى دخلا.

من ناحية أخرى، بدأ مكافي، على مدار السنوات الكثيرة الماضية، في توجيه جزء كبير من ثروته إلى مجال العقارات، غالبا بمناطق نائية. على سبيل المثال، اشترى منزلا في نيو مكسيكو، وجعله بمثابة ملعب له لممارسة هويته في الطيران. وعلى مساحة 157 أكرا، بنى متجرا عاما، ودار سينما تضم 35 مقعدا، ومقهى، واشترى سيارات مميزة كي يستخدمها ضيوفه.

كما مضى قدما في الاستثمار في الأسواق المالية، وعمد في بعض الأحيان إلى الاقتراض بهدف تعزيز عائداته المحتملة. وعادة ما جاء اختياره لأوجه استثماراته على أساس مقترحات مستشاريه الماليين. وكانت واحدة من توصياتهم ضخ ملايين الدولارات في سندات مرتبطة بـ«ليمان برزرز».

لبعض الوقت، أبلى مكافي بلاء حسنا، ومثلما الحال مع الكثير من الأثرياء الأميركيين، بدا أنه سيستمر على هذا المنوال. في أعقاب انهيار الشركات المعنية بشبكة الإنترنت، شرعت الأسهم في الصعود مجددا، في الوقت الذي استمرت أسعار المنازل في الارتفاع. وأوردت مجلتا «أوتسايد غو»، و«ناشونال جيوغرافيك أدفنتشر»، مقالات حول العقار الذي يملكه في نيو مكسيكو، ما دفعه للاعتقاد بأنه «أفضل عقار على ظهر الأرض»، حسب تعبيره.

بيد أن الأمور شرعت في التحول.

عام 2007، باع مكافي منزلا يمتلكه في كولورادو يقع على مساحة 10000 قدم مربع، ويطل على جبل بايكس بيك. كان مكافي قد أنفق 25 مليون دولار على شراء الأرض وبناء المنزل، إلا أنه باعه مقابل 5.7 مليون دولار. وعندما انهار «ليمان برزرز»، الخريف الماضي، باتت سنداته بلا قيمة حقيقية، وتكبد مكافي خسائر تقدر بملايين الدولارات جراء استثماراته في الأسهم.

وفجأة، استيقظ في يوم من الأيام ليكتشف أن «يا للهول، لقد زالت أموالي»، حسب ما قال.

بطبيعة الحال، صافي إجمالي قيمة ثروته المتبقية والبالغ نحو 4 ملايين دولار تبقيه أكثر ثراء عن غالبية الأميركيين. ومع ذلك، وجد مكافي نفسه مفتقرا إلى أموال نقدية، وحاول جاهدا التقليص من نفقاته الشهرية.

وباع مكافي طائرته النفاثة طراز «سيسنا» التي تسع 10 ركاب. هذا الأسبوع، بيعت ضيعته المطلة على المحيط في هاواي مقابل 1.5 مليون دولار، مع مشاركة حفنة قليلة من المزايدين في المزاد عليها. ويخطط مكافي لقضاء مزيد من وقته في بيليز، لأسباب كثيرة، منها توافر قوانين ضريبية أفضل هناك. الأسبوع القادم، سيعرض العقار الذي يملكه في نيو مكسيكو للبيع في مزاد علني من دون حد أدنى محدد، بمعنى أن مكافي تعهد بقبول أعلى سعر، مهما كان متدنيا.

وعلق مكافي بقوله: «أحاول مواجهة الواقع هنا، المتمثل في أن المزاد ربما لا يثمر قيمة حقيقية».

فيما مضى، عندما كانت الاستثمارات في الأسهم تمني بإخفاقات، كان مكافي يلجأ لبيع عقاراته وإعادة تعزيز الأموال النقدية المتوافرة لديه. لكن ذلك لم يعد خيارا مطروحا هذه المرة.

يمكن القول بأن إمكانية استعادة سوق الأسهم عافيتها بسرعة بعد انهيارها، مثل ما حدث في وقت سابق من هذا العقد، تشكل اللغز الأكبر في الوقت الحاضر، في ما يخص الأوضاع المالية للأثرياء. منذ مارس (آذار)، ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» 49%. ورغم ذلك، لا يزال الطريق طويلا أمام «وول ستريت» كي تستعيد نقاط الذروة التي سبق لها الوصول إليها. يذكر أن مؤشر «ستاندرد آند بورز» لا يزال أقل بنسبة 35% عن ذروة ارتفاعه عام 2007. وتراجع إجمالي الرواتب في القطاع المالي بنسبة 14% بين عامي 2007 و2008، طبقا للأرقام الصادرة عن اتحاد صناعة الأوراق والأسواق المالية، ما يعد أقل بكثير من تراجع الأرباح أو العائدات، ومع ذلك يبقى تراجعا.

من ناحيته، قال بيرون آر وين، كبير المخططين الاستراتيجيين المعنيين بالاستثمارات في «مورغان ستانلي»، سابقا، الذي بدأ العمل في وول ستريت عام 1965: «يكمن الاختلاف هذه المرة في أن الذروة التي بلغها الأفراد عام 2007 لن يتم تجاوزها على مدار فترة طويلة للغاية».

من دون فقاعة مالية، سيتوافر أمام «وول ستريت» قدر أقل من الأموال كي تسدد رواتب رؤسائها التنفيذيين. وعلى الرغم من أن بعض الشركات ـ مثل «غولدمان ساكس» و«جيه بي مورغان تشيس»، التي تواجه منافسة أقل الآن، وتلقت مساعدة كبيرة من قبل محاولات الحكومة تعزيز أسواق الاعتماد ـ ستبقي على الرواتب الضخمة التي تقدمها لمسؤوليها، فإنه بوجه عام، ستنحسر هذه الأجور، حسب ما يؤكد المحللون.

وأعرب روغر فريمان، المحلل لدى «باركليز كابيتال»، عن اعتقاده بأن مجمل الرواتب في وول ستريت ستزداد على نحو متواضع خلال العامين القادمين. فيما وراء سوق الأسهم، ربما تخلف السياسات الحكومية التأثير الأكبر على دخول الأكثر ثراء. من جهته، يرى كاتز، الخبير الاقتصادي لدى هارفارد، أنه من دون تغيير السياسيات الراهنة، ربما تقترب دخول الأثرياء من مستويات الذروة التي بلغتها سابقا، وذلك خلال السنوات القادمة. تاريخيا، خلفت السياسات الحكومية، مثل «العقد الجديد»، تأثيرات أطول أمدا على الأثرياء، أكثر من فترات التراجع الاقتصادي، حسب ما أضاف.

ويدور التساؤل حاليا حول ماهية الخطوات التي سيتخذها الكونغرس والإدارة لإعادة تنظيم الأسواق المالية، أما القضية الكبرى الثانية فتتمثل في الضرائب. على امتداد العقود الثلاثة التالية للحرب العالمية الثانية، عندما تنامت دخول الأثرياء ببطء أكبر عن دخول متوسطي الدخل، تراوح المعدل الهامشي الأكبر بين 70 و91%. ويعتقد بيكيتي أن ذلك لم يؤثر على الدخول بعد سداد الضريبة فحسب، وإنما ساعد في كبح جماح دخول الأثرياء قبل سداد الضرائب عبر منحهم حافزا أقل لتحقيق ملايين الدولارات. منذ عام 1980، تراجعت المعدلات الضريبية المفروضة على الأثرياء أكثر من المعدلات ذاتها بالنسبة لأي مجموعة أخرى. هذا العام، بلغ المعدل الهامشي الأكبر 35%. من ناحيته، اقترح الرئيس أوباما رفع هذا المعدل إلى 39%، وقال إنه سيدرس فرض ضريبة إضافية على الأسر التي تجني أكثر من مليون دولار سنويا، الأمر الذي قد يدفع المعدل الأعلى إلى أعلى من 40%. ولا يزال من غير الواضح ما ستتركه أي تحولات في السياسة على غير الأثرياء. بالتأكيد كانت هناك فترات أبلى خلالها الأثرياء ومتوسطو الدخول والفقراء جميعا بلاء حسنا (مثل أواخر التسعينات)، وكذلك جاءت فترات عصيبة على الجميع (مثل العام الماضي). على امتداد فترة طويلة من الخمسينات والستينات والسبعينات، تلقى متوسطو الدخل والأثرياء ارتفاعات في دخولهم فاقت التضخم.

* خدمة «نيويورك تايمز»