الإبقاء على التحفيز الاقتصادي ومكافآت المصرفيين يتصدران اجتماع مجموعة الـ20 في لندن

«المركزي الأوروبي»: من المبكر إعلان انتهاء الأزمة > «النقد الدولي»: إصلاح النظام المالي الدولي لا يتقدم بالسرعة الكافية > قمة أوروبية طارئة استعدادا لقمة بيتسبرغ

TT

من المنتظر أن يتعهد صناع القرار في مجموعة العشرين بالإبقاء على إجراءات التحفيز الاقتصادي لحين التأكد من الانتعاش والعمل على طمأنة أسواق المال بأن لديهم خططا يعتد بها للانسحاب من إجراءات التحفيز في الوقت المناسب. ويجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من دول مجموعة العشرين المتقدمة والناشئة في لندن ليومين (مساء أمس الجمعة واليوم السبت) لبحث الخطوات التالية لمواجهة أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم وتحضير قمة المجموعة في 24 و25 سبتمبر (أيلول) في بيتسبرغ في الولايات المتحدة.

وتحسنت بدرجة كبيرة آفاق الاقتصاد العالمي منذ أن اجتمع زعماء المجموعة في أبريل (نيسان) الماضي عندما كان العالم وسط حالة من الكساد فارتفعت أسواق الأسهم منذ مارس (آذار) وعادت بعض الدول إلى النمو. لكن صناع القرار يتوخون الحذر بشأن إعلان النصر في الوقت الراهن. ومن المنتظر أن يؤكدوا على الحاجة للإبقاء على التحفظ وبحث فرض قيود على رواتب المصرفيين وإصلاح هيئات الرقابة المالية والمؤسسات الدولية. وقال وزير المالية البريطاني اليستير دارلينغ الذي يستضيف الاجتماع مساء أمس الخميس «أعتقد أن بإمكاننا الشعور بالاطمئنان بشأن آفاق الاقتصاد عام 2010. لكن ما زالت هناك مخاوف ومخاطر يتعين علينا مواجهتها». وأضاف «وأكبر هذه المخاطر هو الاعتقاد بأن المشكلة انتهت.. وأن الانتعاش أصبح مضمونا. لا يمكن لأي دولة الاطمئنان لذلك الآن.. يتعين أن نراقب الوضع». ومع بقاء أسعار الفائدة عند أدنى مستوياتها وضخ ترليونات الدولارات لتحفيز الاقتصادات ومكافحة الأزمة سيحرص صناع القرار على إظهار أنهم وضعوا خططا للخروج من هذه السياسات التحفيزية. وبحسب «رويترز» مع ارتفاع البطالة المتوقع أن يحد من شعبيتهم فإنهم يحرصون على إيجاد من يلقون عليه اللوم لذلك سيؤكدون على أن البنوك لا يمكنها العودة للعمل كما كانت. وقدمت فرنسا وألمانيا وبريطانيا أمس الخميس مقترحات لإقناع البنوك بوقف تقديم مكافآت باهظة لمسؤوليها التنفيذيين الذين شجعهم ذلك فيما يبدو على تحمل مخاطر كبيرة قد تكون تسببت في حدوث الأزمة. وسيناقش الوزراء كذلك الهيئات الرقابية وسبل تحديثها دون إحداث هزة في النظام المالي. ويدعو وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر المجموعة لتأييد معايير صارمة جديدة تتعلق برؤوس أموال البنوك ومستويات السيولة فيها.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد طالبا مع رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في خطاب موحد لرئاسة الاتحاد الأوروبي أول من أمس الخميس باتخاذ قرارات محددة خلال قمة مجموعة العشرين وأعلنوا في الوقت نفسه رفضهم تقديم ضمانات لمكافآت موظفي ومسؤولي البنوك وربط منحها بتحقيق النجاح وشطبها عند تحقيق خسائر. من جهة أخرى أعلن رئيس الوزراء السويدي فريدريك راينفلت أمس في ستوكهولم أن الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي ستنظم في 17 سبتمبر (أيلول) في بروكسل قمة طارئة تحضيرا لقمة مجموعة العشرين في بيتسبرغ في الولايات المتحدة. وقال راينفلت لصحافيين على هامش اجتماع لوزراء خارجية الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد في العاصمة السويدية «أنوي تنظيم قمة طارئة للاتحاد الأوروبي مساء 17 سبتمبر (أيلول)». وتعقد القوى الكبرى في مجموعة العشرين اجتماعا تبحث فيه إصلاح النظام المالي العالمي في 24 و25 سبتمبر (أيلول) في بيتسبرغ في الولايات المتحدة. وبعدما اتخذت منذ عام إجراءات استثنائية دعما للمصارف واقتصادات الدول، سيبحث الاجتماع المالي لمجموعة العشرين ضرورة تنسيق الاستراتيجيات للخروج من الأزمة. ومن المنتظر أن تقرر قمة مجموعة العشرين المقبلة تشديد قواعد تنظيم أسواق المال والقطاع المصرفي وسيحضرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى المفوضية الأوروبية.

من جانب آخر حث المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس أمس الحكومات على «وضع» استراتيجيات واضحة للخروج من الأزمة لعدم تقويض فرص الانتعاش الذي بدأت ملامحه ترتسم في الأفق. كما اعتبر أن إصلاح عملية ضبط النظام المالي الدولي لا يتقدم بالسرعة الكافية. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية قال صندوق النقد الدولي في خطاب ألقاه في برلين بعنوان «ما بعد الأزمة: نمو ثابت واستقرار النظام النقدي الدولي» إن «الاقتصاد العالمي بدأ على ما يبدو النهوض أخيرا من أسوأ ركود شهدناه». إلا أن ستروس كان اعتبر أن الانتعاش سيكون «بطيئا نسبيا» بل إنه تحدث عن خطر «انتعاش بلا وظيفة» وفقا لنص خطابه الذي وزع على الإعلام مقدما. وقال إن «الوقت قد حان لكي يضع القادة استراتيجياتهم للخروج من الأزمة لأنه إذا لم يتوصلوا إلى توضيح وإعداد خططهم فإنهم قد يقوضون بذلك الثقة ومسيرة الانتعاش نفسها». وبشأن مراجعة عملية ضبط النظام المالي التي تعهدت بها الدول المتقدمة والناشئة في مجموعة العشرين اعتبر رئيس البنك الدولي أن «جهود الإصلاح هذه لا تتقدم بالسرعة الكافية وأنه من الضروري التصدي للمشاكل التي أثارتها الأزمة». وقال إنه «خبر سيئ» مضيفا أنه رأى «دائما تهديدات خطيرة بحدوث زعزعة استقرار مالية» على الصعيد العالمي. وبشأن نظام الصرف وفي الوقت الذي دعت فيه الصين إلى اختيار عملة احتياطي دولي جديدة بدلا من الدولار، اعتبر ستروس أن الدولار «تعزز خلال الأزمة» التي «عكست» وضعه كـ«عملة ملاذ لا مثيل لها». واعتبر أيضا أن موارد صندوق النقد الدولي تستحق «الزيادة» رغم تعهد دول مجموعة العشرين في أبريل (نيسان) الماضي برفعها بمقدار ثلاثة أضعاف لتمكين الصندوق من تكثيف مساعدته للدول المحتاجة. من ناحية أخرى اعتبر رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه أمس أنه لا يزال «من المبكر» إعلان انتهاء الأزمة المالية بعد بوادر التحسن الأخيرة في منطقة اليورو. وقال تريشيه في ندوة في فرانكفورت (غرب ألمانيا) «في الوقت الحالي لا تزال هناك حاجة لدعم القروض». وفي هذا الإطار ينوي البنك المركزي الأوروبي الإبقاء على إجراءاته الاستثنائية الرامية إلى مساعدة البنوك على إعادة تمويل نفسها لتشجيعها على تقديم المزيد من القروض، في حين لا تزال هناك مخاوف قوية من حدوث نقص في الاعتماد. وحددت نسبة الفائدة الرئيسية منذ مايو (أيار) على مستوى تاريخي هو 1% ويمكن للمؤسسات اقتراض مبالغ غير محدودة بهذه النسبة الجيدة لها من البنك المركزي الأوروبي. وأكد المسؤول الفرنسي أن الوقت لم يحن بعد لتطبيق استراتيجية خروج من الأزمة «لكنني أريد أن أقول صراحة إن البنك المركزي الأوروبي لديه استراتيجية للخروج وإننا على استعداد لوضعها موضع التنفيذ» عندما يقتضي الأمر. وكان رئيس البنك المركزي اعتبر أول من أمس الخميس أن مرحلة الانكماش القوي للاقتصاد قد انتهت. لكنه حذر من الإفراط في التفاؤل مشيرا إلى أن الانتعاش الاقتصادي يبدو شاقا و«غير منتظم». وقال تريشيه إن البنك قد يرفع أسعار الفائدة قبل سحب السيولة الفائضة بالكامل عندما يحين الوقت لبدء استراتيجية للخروج من إجراءات التحفيز. وأضاف أن البنك ملتزم بإلغاء الدعم الاستثنائي لاقتصاد منطقة اليورو لكنه أكد أن الوقت ليس مناسبا بعد. وأضاف في مؤتمر نظمه مركز الدراسات المالية «لم يحن الوقت المناسب للخروج (من إجراءات التحفيز). لكن أود توضيح أن البنك لديه استراتيجية للخروج.. ونحن مستعدون لتنفيذها عندما يحين الوقت المناسب». وتابع يقول «يسمح إطار العمل بتغيير أسعار الفائدة في الأجل القصير مع الإبقاء في الوقت نفسه على بعض الإجراءات غير القياسية إذا تطلب الأمر استمرار الدعم الائتماني». وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي إن الصلة الطبيعية بين سيولة البنك المركزي والمعروض النقدي بشكل أوسع ضعيفة فيما يعكس حقيقة أن البنوك تودع جزءا كبيرا من السيولة التي تقترضها من البنك المركزي به مرة أخرى في صورة ودائع بدلا من إقراضها. وأضاف «ينبغي في نهاية المطاف تنفيذ استراتيجية الخروج في الوقت المناسب الذي ستعيد فيه الصلة التقليدية بين المعروض النقدي بوجه عام وامداداتنا من السيولة للنظام المصرفي تعزيز نفسها».

وأكد «هذا يتطلب مراقبة دائمة وواعية للظروف التي يقوم فيها النظام الأوروبي بتقديم ائتمان البنك المركزي للبنوك في ضوء تطور الاقتصاد وتوقعات الأسواق».