«الخيانة».. حياة وأكاذيب بيرني مادوف في كتاب

يعتبر صاحب أكبر عملية احتيال في تاريخ وول ستريت

TT

في يونيو (حزيران) الماضي، حكمت محكمة في نيويورك بالسجن مدى الحياة على المستثمر الأميركي بيرني مادوف (71 سنة) الذي اشتهر بأنه ارتكب أكبر عملية تزوير في تاريخ «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك) وصل حجمها إلى سبعين مليار دولار.

مؤخرا، صدر كتاب «بيتريال» (خيانة: حياة وأكاذيب بيرني مادوف). الذي كتبه اندرو كيرتزمان. ووصف الكتاب ما فعل مادوف بأنه «اكبر تزوير في تاريخ وول ستريت». ووصف ما فعل مادوف بأنه «جريمة شريرة غير عادية». نقل الكتاب هذا الوصف من قرار المحكمة عندما أدانت، في يونيو الماضي، مادوف وأمرت بسجنه مدى الحياة. قال الكتاب إن مادوف، على الأقل منذ أن كان طالبا في المدرسة الثانوية، كان يكذب. مرة، في بداية خمسينات القرن الماضي، في مدرسة «فار روكواي» في نيويورك، خلال حصة اللغة الانجليزية، طلب المدرس من كل طالب قراءة كتاب، وتقديم مخلص له. في اليوم المحدد، طلب المدرس من كل طالب أن يقف ويقرأ المخلص. وعندما جاء دور مادوف، قال انه قرأ كتاب «هانتنغ آند فيشنغ» (صيد حيوانات وصيد سمك)، وقدم الملخص. لسوء حظه، كان المدرس يعرف كثيرا عن الكتاب، واستغرب من المخلص. وسأله: أين الكتاب؟ وأجاب: قرأته وأعدته إلى المكتبة. وصار واضحا انه لم يقرأ الكتاب، وان الملخص الذي قدمه كان كذبا.

وقال كتاب «خيانة» إن المشكلة لم تكن مادوف فقط. ولا طبيعة الحياة والعمل والسلوك في «وول ستريت» فقط. ولكن، أيضا، قلة النزاهة الحكومية والاستثمارية والعائلية، والخاصة. وسأل: متى عرف المراقبون الحكوميون بما فعل مادوف؟ متى عرف زملاؤه المستثمرون؟ متى عرف أصدقاؤه؟ متى عرف أفراد عائلته؟ وصار واضحا من هذه الأسئلة أن فساد مادوف لم يكن سرا، بل ربما كان مسموحا به حسب ثقافة الاستثمار في شارع المال في نيويورك.

وقال الكتاب: «يقول بعض الناس إن مادوف عبقري، ولولا ذلك لما جمع سبعين مليار دولار في مؤسسته الاستثمارية، مجرما أو مثاليا. لكن، الحقيقة هي أن مادوف شخص عادي مثل كثير من الناس. ليس مجرما وليس مثاليا. انه مثل كل الناس، وجد فرصا مناسبة واستغلها».

إذا كان مادوف شخصا عاديا، لابد أن الخلل في كل الناس. وسأل الكتاب الأسئلة الآتية:

أولا: هل يعقل أن أي شخص لم يلاحظ ثراء مادوف العملاق؟

ثانيا: هل يعقل أن يقبل المستثمرون بشروط مادوف ألا يكشفوا استثماراتهم في مؤسسته؟

ثالثا: هل يعقل أن يراجع المؤسسة مكتب مراجعة فيه شخص واحد؟ ثالثا: هل يعقل أن لا يستغرب المستثمرون من نسبة ربح وصلت إلى عشرين في المائة؟ «كل سنة. وسنة بعد سنة»؟

لم يخف الكتاب، ولا كتب أخرى عن مادوف انه يهودي. بل قال الكتاب إن كثيرا من المستثمرين في مؤسسته كانوا يهودا. وأنهم كانوا يسمون مادوف «العملة اليهودية».

ولم يخف الكتاب، ولا كتب أخرى، أن الطمع هو السبب الأساسي وراء ما فعل مادوف، وما فعل المستثمرون، وما فعل غيرهم من الذين صمتوا لخمس وعشرين سنة تقريبا.

وقال الكتاب: «يعمي الطمع الناس». وأضاف: «لا ينكر إنسان أن المغامرة هي جزء من النظام الرأسمالي. وان الاستثمار، لكونه استثمارا، هو مغامرة. لكن، توجد مغامرة تريد ربحا معقولا، ومغامرة تريده غير معقولة. وتوجد مغامرة تلتزم بالقانون، ومغامرة لا تلتزم، أو تتحاشى، أو تدور حول، أو تفرق بين روح القانون وكلمات القانون».

وشدد الكتاب على كلمة «ريسك» (مغامرة)، لكنه دافع عن المغامرة القانونية.

وقال إن مشكلة مادوف، والذين استثمروا في مؤسسته، هي أنهم ركزوا على علاقات خاصة أكثر من تركيزهم على القانون. وغلبوا الصلات العائلية والاجتماعية العاطفية على عقلانية النظام. وتحول الاستثمار إلى «علاقات عاطفية»، لأن الثقة لم تكن في النظام ولكن كانت في الشخص، في مادوف.

وخاصة بالنسبة لأفراد عائلته. كانت روث، زوجته، مسؤولة عن مكتب المراجعة. وكان بيتر، شقيقه، شريكا. وكانت شانا، بنت أخته، ومارك، ابنه، واندي، ابنه، يعملون في شركة تجارية منفصلة عن الشركة الاستثمارية. لكن، كانت الأولى في الطابق الثامن عشر وكانت الثانية في الطابق السابع عشر في نفس المبنى. هل يعقل ألا يعرفوا؟ ألا يشكوا؟

ونقل الكتاب مقتطفات من إعلان القاضي الحكم على مادوف بالسجن المؤيد. وإشارة القاضي إلى خطاب تسلمه من أرملة خسرت كل ثروتها في استثمارات مادوف. قال الخطاب: «عندما قلت له إن زوجي توفي، قال: لا يهمك. أموالك في أيد أمينة».