الحكومة الأميركية تسعى إلى فرض قيود جديدة على المصارف الصناعية

يحظر عليها تقديم حسابات ولا تخضع لتنظيم مصرف الاحتياطي الفيدرالي

أعلنت لويس كيل رئيسة «إنربانك يو إس إيه» أن بقاء المصارف الصناعية معرض للخطر. (نيويورك تايمز)
TT

على مدار أجيال، كان رجال الصناعة والمال يجنون الثروات من مناجم النحاس والذهب المحفورة في الأخاديد القريبة من هنا. وفي الوقت الحالي، يقاوم نظراؤهم في العصر الحديث اقتراحا حكوميا من الممكن أن يتسبب في إغلاق مناجم ذهب من نوع آخر.

يوتاه هي عاصمة البلاد للمصارف الصناعية، وهي المؤسسات المتخصصة التي تقدم القروض للشركات. وقد جذبت الولاية شركات مثل «غولدمان ساكس» و«تارغت» و«جنرال إليكتريك» لإقامة مثل تلك المؤسسات. وعلى الرغم من أن تلك الشركات أدخلت للولاية مليارات الدولارات من الودائع، ووفرت آلاف الوظائف، وتبرعت بالملايين لأعمال خيرية في سالت ليك سيتي، فإن تلك المصارف تتعرض أيضا لهجوم من واشنطن.

وتقول إدارة أوباما إن المصارف تمثل تهديدا للاقتصاد لأن الشركات المالكة لها يمكن أن تتورط في ممارسات تحتوي على مخاطرة ولكنها في الوقت ذاته معفاة من الرقابة الروتينية التي يقوم بها مصرف الاحتياطي الفيدرالي. ويريد مسؤولو وزارة الخزانة الاشتراط على الشركات المالكة للمصارف الصناعية في البلاد والبالغ عددها 41 مصرفا قبول المزيد من التنظيم الصارم أو الإجبار على بيعها أو إغلاقها.

يقول مايكل بار، مساعد وزير الخزانة لشؤون المؤسسات المالية: «لا تتعلق خطة الرئيس للإصلاح التنظيمي بالقضاء على الأزمة الأخيرة ولكن بمحاولة تجنب وقوع أزمة أخرى. وإذا احتفظنا بثغرات معروفة في الرقابة الموحدة، فسنكون في انتظار حدوث حالات إفلاس جديدة مثل بير ستيرنز أو إيه آي جي».

ولكن تقاوم المصارف ذلك. وتقول لويز كيلي، رئيسة إنيربانك يو إس ايه في سالت ليك سيتي: «نحن نتحدث هنا عن البقاء».

ودفاعا عن المؤسسات بوصفها آمنة ومربحة، شنت لويز وآخرون حملة لوقف خطة الإدارة وأيضا لزيادة أعداد تلك المصارف. وأصبحت الصناعة تنشر جماعات الضغط وتضغط على المشرعين وتنفق مساهمات في الحملات الانتخابية وتحاول إقناع مسؤولي وزارة الخزانة والمسؤولين المصرفيين.

وحتى الآن يبدو أنهم يحصلون على بعض الامتيازات. وقد صرح كل من شيلا باير، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، وبارني فرانك، رئيس مجلس إدارة لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، بأنهما سيفضلان السماح لأصحاب المصارف الصناعية الحالية بالاستمرار في عملياتهم المصرفية.

وقال فرانك، العضو الديمقراطي عن ولاية ماساشوستس في مقابلة معه، مشيرا إلى جيفري إميليت، الرئيس التنفيذي لجنرال إليكتريك ومديرين آخرين في الشركة ذاتها اجتمعوا معه في شهر يوليو (تموز): «قالوا لي إن عملية التصفية ستسبب اضطرابا كبيرا. والأمر ليس مجرد تسببها في أضرار».

ويضغط وزير الخزانة تيموثي غايتنر ومسؤولون آخرون من أجل اقتراحهم باشتراط خضوع المؤسسات إلى إشراف المصرف الفيدرالي، في جزء من خطة شاملة للإصلاحات التنظيمية. ولكن يظهر الخلاف حول المصارف، الذي من المتوقع أن يزداد قوة في الوقت الحالي مع عودة الكونغرس إلى الانعقاد، مدى صعوبة تنفيذ لوائح أكثر صرامة.

تحتفظ المصارف الصناعية في البلاد بـ 130 مليار دولار، وهو ما يمثل 1 في المائة من ودائع المصارف المؤمن عليها فيدراليا. ويعود تاريخ تلك المصارف إلى بداية القرن العشرين، عندما أنشئت دور إقراض صغيرة تقدم القروض لعمال المصانع الذين لا يمكنهم الحصول على قروض من مكان آخر. وفي الوقت الحالي، تقدم المصارف، التي توجد جميعها تقريبا في ولايات يوتاه ونيفادا وكاليفورنيا، جميع أنواع القروض.

ولكن على النقيض من المصارف التجارية، يحظر على جميع المصارف الصناعية، ما عدا الصغرى منها، تقديم حسابات شيكات، لذا لا تملك معظم تلك المصارف فروعا صغيرة. ولا تخضع لتنظيم مصرف الاحتياطي الفيدرالي ولا يشترط على الشركات المالكة لها وضع احتياطي رأس مال جانبا يمكن استخدامه إذا تعثر أحد المصارف.

وعلى الرغم من أنه لم يتعثر أي مصرف صناعي في العام الماضي، فإن مصرف كابمارك ومصرف مارلين بيزنس تكبدا خسائر تجبرهما على تقليص حجم عملياتهما. وأمرت مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية مصرفا آخر، وهو أدفانتا بانك كوربوريشن، بوقف قبول عملاء جدد لأنه معرض للخطر.

وقد أصبحت يوتاه ملاذا للمصارف الصناعية في العقد الماضي، حيث سهلت من القوانين لاجتذابها بعد أن منع الكونغرس إنشاءها في ولايات لم يكن بها مثل تلك المصارف بالفعل. وسريعا ما أقامت شركات مثل بي إم دبليو وبيني باوز ومصارف استثمارية كبرى، منها ليمان براذرز ومورغان ستانلي وميريل لينش مصارف لها. وارتفعت قيمة الأرصدة في تلك المصارف في يوتاه من 3 مليارات دولار عام 1995 إلى 243 مليار دولار في العام الماضي، على الرغم من أن ذلك الرقم انخفض إلى 106 مليارات دولار بعدها، نتيجة للاندفاع إلى التحول إلى مصارف تجارية للتأهل للحصول على أموال الإنقاذ الحكومية.

وفي سالت ليك سيتي، كان وجود المصارف مرحبا به. فقد وفرت حوالي 15000 فرصة عمل في المصارف وشركات تقدم خدمات متعلقة بها. وأنفق مديرو تلك المصارف الأموال على كل شيء من فرقة الأوركسترا السيمفوني في يوتاه إلى مشروعات الإسكان للفقراء.

ولكن تقدم خطة إدارة أوباما تهديدا مزدوجا للولاية. فإذا ما نجحت وزارة الخزانة في إصرارها على تطبيق رقابة الاحتياطي الفيدرالي على المصارف الصناعية، فلن يكون هناك سبب لتظل مقرات المصارف التي تملكها شركات خدمات مالية في يوتاه. وقد يجبر إنهاء امتيازات المصارف الصناعية، بالإضافة إلى متطلبات أخرى جديدة، عمالقة الصناعة مثل جنرال إليكتريك على بيع فروعها المالية بسبب الحظر الفيدرالي على الشركات التجارية بتشغيل مصارف.

وفي الحقيقة، ربما لا تكون هناك شركة معرضة للخطر في ذلك الخلاف أكثر من جنرال إليكتريك، التي تدير مصرفها الصناعي، جنرال إليكتريك كابيتال فاينانشيال، الذي يبلغ رأسماله 10 مليارات دولار، ويقع عند سفح جبال واساتش، على بعد 15 ميلا جنوب وسط مدينة سالت ليك سيتي.

ولا يبدو المصرف، في مجمعه المكتبي الجديد، مصرفا على الإطلاق: فلا يوجد له فروع أو ماكينات صراف آلي أو عملاء يدخلون المقر. ولكنه يقدم القروض لشركات في جميع أنحاء البلاد. وقد منح قروضا لما يزيد على 5000 مطعم للوجبات السريعة، وساعد على تجهيز 4000 عيادة أسنان، وسمح لشركات صغيرة بشراء عشرات الآلاف من عربات الرفع والتوصيل ومعدات أخرى.

وقال راسل ويلكرسون، أحد مديري جنرال إليكتريك الذي كان يزور مكاتب الشركة في يوتاه في الشهر الماضي: «هذا مثير للضيق، عربات رفع وشوايات في برغر كينغ. إنها السوق المتوسطة في أميركا».

ربما تبعث تلك القروض على الضيق، ولكنها أثبتت أنها مربحة. وقد احتل مصرف جنرال إليكتريك الصناعي المركز رقم 46 بين أكثر المصارف تحقيقا للأرباح في بداية العام الحالي.

وإذا كان على جنرال إليكتريك بيع جي إيه كابيتال، وهي الوحدة المالية الكبيرة التي يتفرع منها المصرف الصناعي، سيتكبد حاملو الأسهم خسارة 40 مليار دولار من القيمة السوقية، أو 22 في المائة من قيمة رأس المال في السوق الحالية، وفقا لإحصائية من محللي غولدمان ساكس، بسبب ارتفاع الضرائب وانخفاض صافي الدخل، وزيادة احتياجات رأس المال. وقال براكيت دينيستون المستشار العام في جنرال إليكتريك في مقابلة معه: «أولا، ليس من الضروري ذلك، لأنه لم يسهم في حدوث الأزمة، ثانيا، سيسبب ذلك الأمر اضطرابا في الاقتصاد وعمليات الإقراض».

ومثل مصارف صناعية أخرى هنا، يخضع مصرف جنرال إليكتريك للوائح وزارة المؤسسات المالية في يوتاه، بالإضافة إلى مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية. ويرفض مسؤولو الولاية أية أقاويل تشير إلى تهاونهم في عملية الرقابة. ويقول داريل رود، كبير مشرفي المصارف الصناعية في يوتاه «لقد أثبتنا أن هناك طريقة لتنظيم تلك المؤسسات. فلماذا إذن تريدون إلغاء نظام لا يشكل تهديدا؟» ولكن يضع المعارضون قائمة بالشكاوى من تلك المصارف، منها التأكيد على أن ملكيتها تمنح للشركات المالكة ميزة غير عادلة وتشجع على الممارسات التي تحتوي على مخاطرة.

ويمكن أن تمول الشركات التي تملك مصارف صناعية عمليات إقراض أقل تكلفة من منافسيها بالاعتماد على الودائع المؤمن عليها فيدراليا في مصارفها، بدلا من اللجوء إلى سوق السندات الأكثر تكلفة، كما يقول ماثيو أندرسون، الاستشاري الذي يدرس أرباح الصناعة المصرفية.

وبالإضافة إلى ذلك، أشار ومعه آخرون إلى أن الهيئات التنظيمية في الولاية ومؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية لا تملك السلطات ذاتها التي يملكها مصرف الاحتياطي الفيدرالي لتطلب القيام بتغييرات في الأنشطة التي تحتوي على مخاطرة وتقوم بها الشركات المالكة، وذلك من الممكن أن يهدد مصارفها الصناعية بصورة غير مباشرة.

ولم يلق مسؤولو وزارة الخزانة باللوم على المصارف الصناعية لقيامها بدور في الأزمة المالية، ولكنهم يقولون إن الثغرة في عملية التنظيم سمحت بحدوث ممارسات سيئة في بعض الشركات المالكة لتلك المصارف وهي التي أدت إلى زيادة المشكلات.

وصرح مسؤول في وزارة الخزانة اشترط عدم ذكر اسمه لأنه ليس مصرح له بالتعليق على المسألة، قائلا: «لا يتعلق الأمر باختيار أي أحد، ولكنهم ساهموا في المخاطرة في النظام». ويزيد بعض من مراقبي الصناعة في انتقاداتهم. فقد اختارت بعض الشركات في البداية امتيازات المصارف الصناعية، حيث يمكنها جمع المال من خلال شهادات إيداع عبر الوساطة المالية وأموال مستثمرين في حسابات صناديق وأموال من عملاء تجاريين، لذا يمكنها الخوض في مراهنات أكثر مخاطرة، ويزداد وضعها المالي في فروع أعمالها الأخرى، كما يقول راج دايت، الذي يرأس مجموعة كامبريدج وينتر البحثية الصناعية التي لا تستهدف الربح.

وقال إن الشركات المالكة لثمانية من بين ما كان يعد أفضل 12 مصرفا صناعيا في يوتاه أعلنت لجوءها إلى برنامج الحماية من الإفلاس أو حصلت على مبالغ كبيرة من أموال خطة الإنقاذ الفيدرالية أو أي دعم فيدرالي آخر في العام الماضي. واستهلكت تلك الشركات، ومنها ميريل لينش وجي إم ايه سي، ومورغان ستانلي وسي آي تي، 30 مليار دولار، وفقا لدراسات دايت. (وقد أغلقت تلك المؤسسات جميعا مصارفها الصناعية، في معظم الحالات كشرط للحصول على المال).

يقول جيمس ليش، عضو الكونغرس الجمهوري السابق من أيوا والمعارض القديم للمصارف الصناعية «لقد خسرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات بسبب عدم كفاية التنظيم. وبمجرد أن تضع استثناء كامتيازات المصارف الصناعية، لن يكون الأذكياء والكبار مغفلين. فسوف يستفيدون منه. وذلك بالفعل هو ما فعلوه».

ورفض مديرو المصارف الصناعية، ومنها تلك التي تديرها هارلي ديفيدسون وتويوتا وبيني باوز وجنرال إليكتريك، الانتقادات بأنها أحد أسباب الأزمة المالية، وهو الموقف الذي تشترك معهم فيه باير، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية.

ويقول المصرفيون إن الكثير من المؤسسات المالية التي لا تملك مصارف صناعية أيضا لجأت إلى الحكومة الفيدرالية للحصول على أموال خطة الإنقاذ. وأضافوا أن المصارف الصناعية تملك حوالي ضعف احتياطي رأس المال الذي يملكه المصرف التجاري النموذجي.

ويقول جورج سوتون، منظم المصارف السابق في يوتاه والذي ساعد على إقامة العديد من المصارف الصناعية «على مدار الأعوام العشرة الأخيرة، كانت المصارف الصناعية هي الأقوى والأفضل في رأس المال والأكثر ربحا والأقل احتمالا في التعثر في البلاد».

ويقع المقر الفعلي لجماعات الضغط في الصناعة في مبنى مكتبي صغير يبتعد عن مبنى مجلس ولاية يوتاه بعدة بنايات، حيث يعمل دوغلاس فوكسلي وفرانك بيغنانيلي. ويحاول الاثنان، وأحدهما ديمقراطي والآخر جمهوري، إقناع المشككين في واشنطن بأن المصارف الصناعية جزء من حل الأزمة المالية، وأنها ليست أحد أسبابها. وقد تقدما بطلبات إلى وفد الكونغرس في يوتاه، ووفود الولايات الأصلية للشركات المالكة للمصارف، وزعماء في الكونغرس ورؤساء لجان. وقدمت الشركات المالكة للمصارف إسهامات في الحملات الانتخابية لبعض المشرعين.

وعلى سبيل المثال، قدمت جنرال إليكتريك، التي لها مجموعة متنوعة من القضايا المعروضة على الكونغرس والمتعلقة بدورها كشركة متعاقدة في الدفاع وشركة تصنيع ومؤسسة مالية، 500000 دولار في تبرعات للمشرعين منذ يناير (كانون الثاني)، ومنهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد، الديمقراطي عن ولاية نيفادا؛ والسيناتور كريستوفر دود، الديمقراطي عن ولاية كونتيكت ورئيس لجنة المصارف في مجلس الشيوخ؛ والسيناتور بوب بينيت، الجمهوري عن ولاية يوتاه.

ويقول فوكسلي، عضو مجموعة الضغط: «لقد وصل الأمر إلى الكثير من المنع والتصادم. وعلينا أن نوقف ذلك».

*خدمة «نيويورك تايمز»