المحاسبون عين لم توظف لخدمة العدالة

TT

دأبت وزارة العدل على مطالبة المحامين المعتمدين في المملكة وحثهم على إبلاغ الجهات المعنية عن أي عمليات أو تنظيمات لغسيل الأموال. من باب التعاون والدعم المتبادل بين وزارة العدل وشعبة مكافحة الجرائم المنظمة والاقتصادية بالأمن العام في السعودية. وأجزم أن مثل هذا التعاون يصب في المصلحة العامة، لكنه جهد ينقصه... أمران:

الأول: غياب الآلية التي تقنن ماذا يعود على الشخص المبلّغ (أو الجهة) من منافع إذا قام بالتبليغ عن عملية غسيل أموال، ماذا سيجني من ذلك ماديا ومعنويا؟ فمثل هذه البلاغات لا شك أنها تساعد شعبة مكافحة الجرائم المنظمة والاقتصادية على أداء عملها وتوفر لها الجهد والوقت، لكنها (وفي حالات كثيرة) تكلف المبلّغ وقتا وجهدا (سواء كان محاميا أو مخلصا أو معقبا). فكما هو معروف أن فئة المحامين ليس لديها بضائع تسوقها لتكسب منها، فبضاعتها هي وقتها الذي إذا أُخذ منها دون مقابل فكأنما أخذنا بضاعة من محل ولم ندفع حسابها! ولو كان هذا العمل خدمة للعدالة وباسم المصلحة العامة! ناهيك عن أن المبلّغ بمجرد أن يقدم بلاغه يكون في خدمة الجهات الأمنية حتى يتم الكشف والقبض على هذه الشبكات، وبالتالي ينبغي لوزارة العدل أن تعمل بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والمالية على أن تجعل لمثل هؤلاء المبلّغين نصيبا مفروضا محكوما بنظام، ليكون لهم حافزا للتعاون لكشف مثل هذه الجرائم والتنظيمات.

الأمر الآخر: مثل هذا التعاون، لماذا لا يشمل المحاسبين القانونيين؟ وأخص منهم مراجعي الحسابات للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى والشركات وحتى المؤسسات الخاصة. فالأمر لا يعني المحامين فحسب، بل إن القضية التي تصل إلى المحامي تكون قد وصلت إلى القضاء، والمفترض أن القاضي أحرص من أن يطالب أو يحث على التعاون للكشف عن هذه التنظيمات المفسدة. في حين مراجع الحسابات سواء كان صاحب المكتب أو الشريك في المكتب أو مشرف التدقيق أو المدقق. والسؤال: ما هو الحافز لهؤلاء المهنيين لكي يتقدموا للجهات الأمنية ليقدموا بلاغات عن عمليات غسيل الأموال أو حتى جرائم تهريب الأموال أو المتاجرة بالمخدرات أو الرشوة إلى غير ذلك من الجرائم؟

فمراجع الحسابات من الطبيعي أن تقع بين يديه مستندات عن مختلف العمليات المالية التي تتم بين المنشآت الاقتصادية والآخرين. ومن الطبيعي أن أي عملية تتم مع أي جهة سواء كانت مؤسسة أو فردا، لأن المال هو العنصر الأساسي المحرك لجميع المعاملات. ومراجع الحسابات بحكم طبيعة عمله له الحق أن يطلع المستندات المؤيدة لتسجيل كل عملية، والغالب أنه يقع بين يديه مستندات يتمنى (بل ويتلهف) المسؤولون في الجهات الأمنية (وخصوصا المحققين) أن يطلعوا على صور منها.

ولو وضعنا أنفسنا في موضع مراجع الحسابات (خصوصا إذا كان غير مواطن) عندما يطلع على مستندات سرية عن تنظيمات أو ممارسات فردية تضر بالمصلحة الوطنية أو تهدد الأمن الوطني، فإنه سيقع في حيرة وحرج. هل يقوده نبله ويجتهد ويضحي بمصالحه ويبلغ عنها الجهات المعنية ويصبر على ما قد يصيبه من جهد وعناء، وهو يعتقد أنه في النهاية قد لا يلاقي إلا كلمة شكر (إذا قيلت له)، في الوقت الذي يعلم أنه قد يفقد بذلك عميله وقد يفقد وظيفته بسبب هذا الاجتهاد؟! أم يسكت و(يطنش) ويبقي على علاقته بالعميل، ويكسب في عميله معروفا ويوطد العلاقة والثقة معه بسبب هذا التغافل، ويعتبر الأمر لا يعنيه؟ وكما يقال: «ثلثين العقل تغافل».

والواقع أن المحاسبين عين لم توظف لمصلحة العدالة، والمطلوب التنسيق مع الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لاستصدار تعميم أو كما هو متعارف عليه مهنيا أن يصدر استفسار محاسبي، ينظم عمليات إيصال مثل هذه المعلومات للجهات الأمنية. ويحفظ للمبلّغ كامل حقوقه تجاه المشتبه بهم ويعطى للمبلّغ أيضا ما يستحقه من مكافأة على تعاونه لتحقيق المصلحة العامة.

*كاتب ومحلل مالي