شحن 20 مليون حاوية من المخلفات سنويا بصورة شرعية أو غير شرعية

المخلفات الإلكترونية تتجه إلى غانا ومصر ونيجيريا

أصبحت روتردام أهم بوابة لخروج المخلفات في أوروبا «نيويورك تايمز»
TT

عندما فتح مفتشان حاوية شحن حمراء هنا، وجدا مقبرة من المخلفات الإلكترونية، أسلاك قديمة وأجهزة قياس كهرباء ودوائر كهربائية، مع بقايا من الكارتون والبلاستيك.

وقال أرنو فينك، أحد مفتشي وزارة البيئة الهولندية الذي صادر الحاوية طبقا لقوانين أوروبية جديدة تفرض قيودا على جميع أنواع تصدير المخلفات، من الأنابيب القذرة إلى أجهزة الكومبيوتر المكسورة إلى قمامة المنازل: «من المفترض أن تتجه تلك الحاوية إلى الصين، ولكنها لن تذهب إلى أي مكان».

لقد أصبح تصدير المخلفات بصورة غير شرعية إلى الدول الفقيرة نشاطا دوليا كبيرا ومتناميا، حيث تحاول الشركات تقليل تكلفة القوانين البيئية الجديدة، مثل تلك الموجودة هنا، التي تفرض ضريبة على المخلفات أو تشترط إعادة تدويرها أو التخلص منها بطريقة مسؤولة بيئيا.

وقد أصبحت روتردام، أكثر الموانئ الأوروبية ازدحاما، عن غير قصد أهم بوابة لخروج المخلفات في أوروبا والتي تتجه إلى أماكن مثل الصين وإندونيسيا والهند وأفريقيا. وهناك، يتم تفكيك المخلفات الإلكترونية وبقايا الإنشاءات التي تحتوي على مواد كيماوية سامة على أيدي أطفال مما يشكل تهديدا كبيرا على صحتهم. وربما يتم حرق مخلفات أخرى من المفترض أن يتم إعادة تدويرها وفقا للقانون الأوروبي أو تركها حتى تتعفن، مما يسبب تلوثا في الهواء والماء وينتج الغازات التي تتصل بظاهرة الاحتباس الحراري.

وعلى الرغم من أن معظم تجارة المخلفات الدولية قانونية، حيث ترسل إلى أماكن تدوير مؤهلة في الخارج، فإن الكميات الكبيرة ليست كذلك. ويجعل تجار متخفون المخلفات الأوروبية تختفي في الخارج، في مقابل المال.

وبعد أن فرضت أوروبا لأول مرة إعادة تدوير الإلكترونيات مثل أجهزة التلفزيون والكومبيوتر، تمت إعادة ثلاثة أطنان من المخلفات الإلكترونية في العام الماضي، وهو عدد يقل كثيرا عن الرقم المتوقع أن يصل إلى سبعة أطنان. ومن المرجح أن تكون معظم الكمية المتبقية قد صُدّرت بصورة غير شرعية، وفقا لوكالة البيئة الأوروبية.

وقد ارتفعت كمية المخلفات الورقية والبلاستيكية والمعدنية المصدرة من أوروبا عشرة أضعاف من عام 1995 إلى عام 2007، كما ذكرت الوكالة، حيث يتم شحن 20 مليون حاوية من المخلفات سنويا بصورة شرعية أو غير شرعية. وتمر نصف تلك الكمية من هذا الميناء العملاق، حيث تتبادل الشاحنات والسفن البضائع على مدار الساعة.

وفي الولايات المتحدة، تمرر المزيد من الولايات قوانين تشترط إعادة تدوير البضائع وخاصة الإلكترونية. ولكن نظرا لأن الولايات المتحدة تضع قيودا أقل على تصدير المخلفات وتفرض عليها رقابة أقل من أوروبا، يقول الخبراء إن كميات متزايدة منها تنتقل بحرية أكثر نسبيا إلى الخارج، وغالبا ما تكون بطريقة مشروعة. وووفقا لجماعات دفاع عن البيئة والسلطات المحلية في هونغ كونغ، تصل حوالي 100 حاوية من المخلفات من الولايات المتحدة وكندا يوميا.

ويقول جيم باكيت، مدير بازل أكشن نتوورك، وهي جمعية تدافع عن البيئة لا تستهدف الربح مقرها سياتل تتبع المخلفات التي تصدر من الولايات المتحدة: «نحن الآن نجمع المزيد، ولكن لا يمكنهم منعها من الخروج. ويتحدث الناس عن (تسرب) ولكنه بالفعل مثل النزيف».

وتزداد مغريات تصدير المخلفات إلى الخارج لأن عملية إعادة تدويره بصورة مناسبة في الداخل مكلفة: وبسبب قوانين البيئة الجديدة في أوروبا، زادت التكلفة أربعة أضعاف لحرق القمامة في هولندا، مقارنة بوضعها، بطريقة غير مشروعة، على سفينة شحن إلى الصين. وتجد الآن حاويات السفن التي تصل إلى أوروبا وأميركا الشمالية من آسيا محملة بالملابس والسلع الإلكترونية زهيدة السعر، شحنات مربحة تحملها لدى عودتها: من مخلفات مثل الكابلات المصنوعة من الصلب والدوائر الكهربائية وبقايا الأطعمة.

ويقول كريستيان فيشر، كبير الاستشاريين في المخلفات في وكالة البيئة الأوروبية، التي كشفت عن أول دراسة لها في ذلك المجال في العام الحالي: «لقد أصبحت حركة تصدير المخلفات هائلة، ولكننا نحتاج إلى الوصول إلى المزيد من المعلومات عنها».

وقد حقق الهولنديون تقدما فريدا في التفتيش عن صادرات المخلفات والحد من نقلها، مما يُمكن من إلقاء نظرة على تلك التجارة. وهم يقدرون أن 16 في المائة من الصادرات غير شرعية. ولكن في معظم الموانئ حيث يفحص مفتشو الجمارك عادة الواردات بصورة أكثر دقة من الصادرات، من المرجح أن يمر الكثير منها بدون ملاحظتها.

وفي شهر يوليو (تموز)، تم ضبط شحنة مكونة من 1400 طن من مخلفات المنازل البريطانية التي أرسلت بطريقة شرعية إلى أميركا الجنوبية، والتي كتب عليها أنها بلاستيك نظيف من أجل إعادة التدوير، بعد وصولها إلى البرازيل.

وتستعين السلطات في روتردام بالأشعة السينية والكشف عن طريق الكومبيوتر لوثائق الشحن من أجل التوصل إلى الحاويات المشبوهة. ولكن تحتاج دول أخرى لفعل المزيد، كما يقول ألبرت كلينغينبيرغ من وزارة البيئة الهولندية، مضيفا أنه: «عندما لا يمكنهم الخروج بها من روتردام، يذهبون إلى أنتويرب أو هامبورغ». وتشترط قوانين الاتحاد الأوروبي التي تحكم التخلص من المخلفات المزيد من إعادة التدوير للورق والبلاستيك سنويا، وتحظر عامة التخلص منها في مقالب القمامة. وتفرض ضرائب باهظة حاليا على حرق المخلفات في معظم الدول الأوروبية.

وتمنع القوانين أيضا تصدير المخلفات إلى مناطق أكثر فقرا في العالم إلا إذا قبلت الدول المستقبلة لها ذلك النوع من المخلفات وأنها ستذهب إلى مكان إعادة تدوير معتمد. وتحظر الإرشادات تماما تصدير مواد خطرة محددة وما يسمى بالمخلفات «الصعبة»، وهي المخلفات غير القابلة لإعادة التدوير وستكون مضرة للبيئة في موقعها؛ على سبيل المثال، المخلفات الرطبة أو القمامة المنزلية المختلطة.

وتتبع القوانين الأوروبية عامة إرشادات معاهدة بازل لعام 1992، التي تنظم تصدير المخلفات الخطيرة، وتعديل مقترح أدخل عليها عام 1998.

وكانت الولايات المتحدة في عهد إدارة بوش من بين قليل من الدول التي لم تصدق على المعاهدة. وما زالت معظم تجارة المخلفات التي تحظرها أوروبا مشروعة في الولايات المتحدة، حيث تركز القوانين فقط على أكثر المخلفات خطورة.

وربما يتغير ذلك. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، أصر على عدم ذكر اسمه، نظرا لأن الإدارة الجديدة لم تدرس رسميا سياستها في ذلك الشأن: «سنتعامل مع ذلك في هذه الإدارة».

ويقول الخبراء إن بعض أنواع صادرات المخلفات سليمة بيئيا. وإذا كانت المنتجات والتعبئة المستخدمة في أوروبا مصنعة أصلا في آسيا، فربما يكون من المنطقي شحنها من جديد إلى هناك من أجل إعادة التدوير. والدافع إلى حد ما وراء تجارة المخلفات، المشروعة وغير المشروعة، هو حقيقة أن أنظمة اقتصادية سريعة النمو مثل الصين والهند تحتاج إلى المواد الخام. وغالبا ما ترسل المخلفات الورقية والبلاستيكية والمعدنية من روتردام إلى الصين. بينما تتجه المخلفات الإلكترونية إلى دول أفريقية، وبخاصة غانا ومصر ونيجيريا.

ولكن يقول فيشر، الاستشاري في وكالة البيئة، إن قدرات الشركات في أفريقيا وآسيا على إعادة التدوير وجدارتها وسجلات السلامة بها «متفاوتة للغاية».

وفي روتردام، يكشف المفتشون عن حيل لا تنتهي لخرق النظام: حيث تمتلئ الحاويات ببضائع مشروعة في المقدمة لإخفاء المواد غير المشروعة. وتصنف أجهزة التلفزيون والكومبيوتر على أنها سلع مستخدمة للبيع، والتي يمكن شحنها قانونا، على الرغم من أنه من المقرر أن يتم تفكيكها.

ويمتلئ مكتب التفتيش هنا بحقائب بلاستيكية تحتوي على أدلة: من أنابيب متسخة وسائل من خراطيش حبر ومزيج من بقايا ورقية وبلاستيكية، مع أشياء أخرى تقليدية يتم تهريبها مثل الكوكايين والأسلحة. وعلى الرغم من أن الغرامات تصل إلى 22.000 دولار، يشعر المهربون بأن الأمر يستحق المخاطرة بإرسال القمامة إلى الخارج، على الرغم من أن تكرار المخالفات يمكن أن يؤدي إلى المحاكمة الجنائية.

وفي العام الماضي، أعاد الهولنديون 80 شحنة غير شرعية إلى بلاد المنشأ، وهي سياستهم المعتادة. ولكن لا يكون ذلك ممكنا على الدوام. وفي إحدى الحالات، صادر المفتشون حاوية أميركية تحمل صفائح طلاء قديمة ومواد أخرى إلى نيجيريا. ولم يتمكنوا من إعادتها، لأن الولايات المتحدة ليست منضمة إلى معاهدة بازل. وعلى أية حال، كانت المحتويات الخطرة تتسرب، وأصبح الأمر في يد الهولنديين للتخلص منها بصورة مناسبة.

* خدمة «نيويورك تايمز»