البنك المركزي العراقي يحذر من تزايد مؤشرات التضخم

10.8% زيادة في متوسط أسعار السلع

تزداد الضغوط على «المركزي العراقي» بمطالبته بتمويل الموازنة عبر إصدار حوالات خزينة (رويترز)
TT

عاود البنك المركزي العراقي إطلاقه للتحذيرات، وهي الثانية خلال أسبوع واحد، بسبب استمرار الحكومة بمطالبته بتمويل الموازنة عبر إصدار حوالات الخزينة، في وقت يعاني منه البنك أصلا من ضغوط أكبر ممثلة في ارتفاع مستويات التضخم وانخفاض احتياطاته من النقد الأجنبي، مما ينذر بتقلبات وصفها بالخطرة في حال استمرار هذه الضغوط.

وبيّن البنك في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أن الظروف التضخمية الراهنة التي بدأت مؤشراتها بالتزايد، حيث سجل الرقم القياسي السنوي الأساس لأسعار المستهلك وفق بيانات شهر أغسطس (آب) 2009 ارتفاعا ملموسا بلغ 10.8 في المائة، وفي ظل محدودية احتياطيات البنك المركزي العراقي من النقد الأجنبي التي لم تشهد أي تطور باتجاه الزيادة طوال الأشهر العشرة الماضية عن معدلاتها الثابتة الراهنة، وإزاء محدودية تلك الاحتياطيات من النقد الأجنبي التي لا توفر الحماية الكافية للاستقرار الاقتصادي عبر تبني سياسات نقدية سهلة شديدة الإفراط، كالسماح بقبول حوالات خزينة وإحلالها محل الاحتياطي الإلزامي القانوني، وعد ذلك أسلوبا سهلا لتمويل مشاريع واسعة أمام تعثر تمويل الموازنة الاستثمارية لبرامجها بما في ذلك الموازنة التكميلية، فإن استقرار البلاد سينحدر لا محالة إلى مستويات شديدة الخطورة والتدهور، بما في ذلك مخاطر تدهور سعر الصرف والانحدار نحو التضخم مجددا وضياع الاستقرار الاقتصادي الكلي.

مصدر مخول بالبنك أكد لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «يعد الاحتياطي الإلزامي (القانوني) الذي يفرضه البنك المركزي العراقي كنسبة من الودائع التي تودع لدى المصارف العراقية المختلفة، واحدة من وسائل السياسة النقدية التي يستعملها البنك المركزي باتجاهين: الأول حماية ودائع الجمهور من مخاطر السيولة التي قد تتعرض لها المصارف، والثاني كونه وسيلة سيطرة على جانب مهم من جوانب السيولة النقدية التي تنشئها المصارف عن طريق التوسع في إقراض تلك الودائع وعبر مضاعف الاقتراض، مما يعظم من الكتلة النقدية ويزيد من سرعة تداول النقود وما تولده الأخيرة من ضغوط طلب قوية على السلع والخدمات، تدفع بالظاهرة التضخمية صعودا، وهو شأن يتقاطع وأهداف السياسة النقدية الأساسية التي في مقدمتها تحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار عن طريق خفض نسب التضخم».

وأضاف: «لذا فإن إدارة الاحتياطي الإلزامي (القانوني) بالشكل الأمثل وكذلك إدارة الاحتياطي من العملة الأجنبية بالصورة التي تنسجم مع الاحتياطيات المحلية كافة، هما دلالتان متلازمتان وتمثلان قوة الميزانية العمومية للبنك المركزي في إشاعة الاستقرار النقدي والسيطرة على تدفقات السيولة ومواجهة الصدمات الداخلية والخارجية المؤثرة في الاستقرار الكلي للبلاد».

وأضاف أنه و«على الرغم مما تقدم، وتقديرا من السلطة النقدية للظروف القاسية والاستثنائية التي عانى منها قطاع الطاقة الكهربائية، ولا سيما مواجهة مأزق تمويلي لمشروعاته الملحّة، استطاع البنك المركزي قبول إصدارية خاصة أمدها عام واحد وبفائدة 2 في المائة من حوالات الخزينة التي ابتاعها مصرف الرافدين من وزارة المالية، وإحلال تلك الحوالات بنسبة 50 في المائة تقريبا من الاحتياطي الإلزامي (القانوني) للمصرف المذكور وبمبلغ 2.8 تريليون دينار يتم تحويلها بالعملة الأجنبية من احتياطيات البنك المركزي العراقي الخارجية. وإن قبول حوالات الخزينة كجزء من الاحتياطي القانوني عُدّ إجراء استثنائيا تتولاه عمليات السوق الثانوية المفتوحة التي تنسجم وتنفيذ مهام السياسة النقدية، وإنها تعد من السياسات التشغيلية المقبولة بشكل محدود استثنائي، على الرغم من أنها غير مثالية ولا يمكن التوسع بها.

وعلى هذا الأساس تم قبول هذه الممارسة لمرة واحدة حصريا وعلى وفق حسابات تحافظ على الاستقرار النقدي عند نقطة حرجة لا يمكن تعديها. لذا فإن التوسع في الآلية المذكورة آنفا، المتمثلة بقبول المزيد من حوالات الخزينة وإحلالها محل الاحتياطي الإلزامي (القانوني) لتمويل سلسلة من مشاريع وزارات قطاعية أخرى كالمواصلات أو أمانة بغداد أو غيرها على سبيل المثال، ووفق إصدارات انهالت في المدة الأخيرة على البنك المركزي العراقي كوسيلة تمويلية سهلة، سيحول البنك المركزي إلى مؤسسة تمويل مشروعات تحل محل الموازنة الاستثمارية، ما سيلغي دور السلطة النقدية ووظائفها الأساسية وتوجيه البنك المركزي وواجباته إلى خارج الأهداف المنصوص عليها في قانون البنك المركزي العراقي».

وقال المصدر: «إن ممارسة الحكومة ضغوطها التمويلية بصورة مستمرة على البنك المركزي العراقي عبر التوسع بإصدار حوالات الخزينة وإحلالها محل الاحتياطيات الإلزامية للمصارف لتمويل مصروفاتها, سيفقد السياسة النقدية قدراتها في استخدام أدواتها لبلوغ أهداف الاستقرار ومواجهة التضخم الذي بدأت تعاني منه البلاد في الآونة الأخيرة وما يرتبط به من اختلالات اقتصادية واسعة تعرض مفاصل الإنتاج ومستوى المعيشة لخطر التدهور, وعندها سيتحمل البنك المركزي العراقي اللائمة في ضياع فرص التوازن الاقتصادي وهدر الاستقرار الكلي للبلاد بسبب استمرار التدخل الحكومي وتأثيراته السالبة على أداء السياسة النقدية».