الصين تتفوق على اليابان اقتصاديا العام القادم

التحول الاقتصادي ربما ينهي نظاما اقتصاديا ساد على امتداد 40 عاما

يتوقع الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن تتراجع طوكيو عن مكانتها الاقتصادية باعتبارها ثاني أكبر اقتصاديات العالم في وقت ما من العام القادم (أ.ف.ب)
TT

على امتداد سنوات عدة، حرصت اليابان على إعداد نفسها لليوم الذي سيتضاءل فيه نفوذها الاقتصادي أمام الصين. بيد أنه جراء تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي، والصعوبات التي تواجهها اليابان فيما يخص إدارة أوضاعها الاقتصادية وصعود الصين ـ الذي بدا واضحا بقوة الخميس مع احتفال بكين بمرور 60 عاما على إقامة الجمهورية الشعبية ـ فإن هذا اليوم ربما يأتي مبكرا عما توقعه الجميع. رغم أن التقلبات الحادة في العملة مؤخرا ربما ترجئ هذه اللحظة، يتوقع الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن تتراجع طوكيو عن مكانتها الاقتصادية باعتبارها ثاني أكبر اقتصاديات العالم في وقت ما من العام القادم، أي خمس سنوات مبكرا عما سبق توقعه. إلا أن الخطر القائم يتهدد أكثر من مجرد الألقاب التي تتيح التفاخر إقليميا، ذلك أن هذا التحول الاقتصادي المتوقع ربما ينهي نظاما اقتصاديا عالميا ساد على امتداد 40 عاما، الأمر الذي سيخلف تداعيات عبر مجالات عدة تتنوع بين التجارة والدبلوماسية، بل وربما القوة العسكرية.

ومن الممكن أن يسرع الصعود الصيني من وتيرة الانحسار الاقتصادي الياباني مع استحواذ بكين على سوق الصادرات اليابانية، وتفاقم الدين الوطني الياباني الهائل وتضاؤل إنتاجية سكان اليابانيين المتقدمين في العمر على نحو متزايد، مما يسقط البلاد في هوة التراجع. في هذا الصدد، علق هيديو كومانو، الخبير الاقتصادي لدى «داي ـ إنتشي لايف رسرتش إنستيتيوت» في طوكيو، بقوله: «أعجز عن تخيل إلى أي مدى ستتراجع مكانة اليابان على الصعيد الاقتصادي العالمي في غضون 10 أو 20 عاما». الملاحظ أنه منذ أمد ليس ببعيد، كانت اليابان، «المعجزة الاقتصادية»، قوة صاعدة في طريقها لمنافسة الولايات المتحدة، أكبر اقتصاديات العالم. الآن، يتساءل الكثيرون هنا ما إذا كانت اليابان ستلقى نفس مصير سويسرا، بحيث تتحول إلى دولة ثرية تنعم بأوضاع اقتصادية طيبة، لكنها تفتقر إلى نفوذ عالمي، وتتعرض للتجاهل في الغالب من قبل باقي العالم. إلا أنه حتى هذا الأمل القائم على نطاق واسع بين اليابانيين البالغ إجمالي عددهم 127 مليون نسمة ربما تعجز طوكيو عن اللحاق به.

تشير الأرقام إلى أن إجمالي الناتج المحلي بالنسبة للفرد في اليابان، الذي صعد بقوة متجاوزا نظيره في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينات، تجمد عند مستوى 34.300 دولار عام 2007، حيث بات أقل من الرقم المناظر في الولايات المتحدة بمقدار الربع حاليا ويأتي في المرتبة الـ19 عالميا. في الوقت ذاته، تشهد البلاد تزايد معدلات انعدام المساواة في الدخول والفقر. أما البطالة، فتقف عند معدل مرتفع قياسي يبلغ 5.7 في المائة، بينما تتراجع الأسعار والأجور سريعا. علاوة على ذلك، انكمش الاقتصاد الياباني بمعدل سنوي وصل إلى 11.7 في المائة خلال الشهور الثلاث الأولى من العام قبل استعادة نشاطه إلى حد ما، محققا معدل نمو سنوي بلغ 2.3 في المائة في الربع الثاني. على الجانب الآخر، تشير التوقعات إلى إمكانية توسع الاقتصاد الصيني بمعدل 8 في المائة عام 2009، في الوقت الذي يتوقع الخبراء الاقتصاديون انكماش الاقتصاد الياباني بمعدل 3 في المائة خلال هذا العام قبل معاودته تحقيق نمو هزيل العام القادم بمعدل 1 في المائة تقريبا. الملاحظ أن الاقتصاد الصيني نما بمعدل قارب 10 في المائة سنويا على امتداد الجزء الأكبر من العقدين الماضيين. وطيلة هذه الفترة، أصيب الاقتصاد الياباني بالجمود مع تحول اهتمام مشروعات الأشغال العامة الضخمة الرامية لإنعاش الاقتصاد نحو حماية الصناعات المحتضرة بدلا من تعزيز أخرى جديدة، ما أخفق في دفع اليابان للخروج من الركود المهيمن عليها، وفي الوقت ذاته أثقل عاتقها بالديون. تفاقمت مشكلات اليابان جراء مجابهتها أسوأ فترة ركود تمنى بها منذ الحرب العالمية الثانية، جراء الأزمة المالية التي اكتسحت مختلف أرجاء العالم. مع تلاشي الطلب داخل أسواق خارجية مهمة، تراجعت معدلات الإنتاج والصادرات بشدة بنسبة وصلت إلى 40 في المائة هذا العام. حتى الشركات التجارية اليابانية تعاني انحسارا متزايدا على الخريطة العالمية. يذكر أنه عام 1988، أصدرت «نامورا سيكيوريتيز» تصنيفا للشركات حسب القيمة السوقية، وكانت 8 من بين مجمل أكبر 10 شركات من اليابان، على رأسها «نيبون تيليغراف آند تليفون». بحلول 31 يوليو (تموز) من هذا العام، لم تفلح أي شركة يابانية في الوصول إلى أي من المراكز العشرة الأولى. في الواقع، هيمنت شركات تتخذ من الصين والولايات المتحدة مقرا لها على القائمة، بينما جاءت «تويوتا موتور» في المرتبة الـ22، بقيمة بلغت 144.5 مليار دولار، ونجحت خمس شركات يابانية أخرى فقط في شق طريقها بين أكبر 100 شركة. من ناحية أخرى، كان أغنى رجل في اليابان، رجل الأعمال تاداشي ياناي، في المرتبة الـ76 في أحدث قائمة لـ«فوربس» لأغنى أغنياء العالم، وفي ذلك في ترتيب متأخر عن أفراد من دول مثل المكسيك والهند وجمهورية التشيك، في تحول هائل عن الوضع أواخر الثمانينات، عندما احتل عدد من رجال الصناعة اليابانيين، مثل قطب صناعة السكك الحديدية يوشياكي تسوتسومي، على مراكز القمة. كما تفوقت بكين على طوكيو على صعيد تحقيق أكبر فائض تجاري واحتياطيات نقد أجنبي، إضافة إلى أعلى معدل لإنتاج الصلب. والعام القادم، من الممكن أن تتفوق الصين على اليابان باعتبارها أكبر منتج للسيارات. على الصعيد الداخلي، تولت حكومة جديدة مقاليد الحكم في اليابان متعهدة بنقل البلاد إلى مسار تنموي جديد يعتمد على الصادرات التي شكلت منذ أمد بعيد القوة الدافعة وراء النمو، بجانب التركيز على نحو أكبر على تعزيز الطلب المحلي. وتعهد «الحزب الديمقراطي»، الذي أطاح مؤخرا بـ«الديمقراطيين الليبراليين» من السلطة التي ظلوا مهيمنين عليها لفترة طويلة، بتعزيز الرفاهة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروات بعدالة أكبر. تجدر الإشارة إلى أن مستوى الدخل بالنسبة للفرد داخل الصين لا يزال أدنى من عشر نظيره في اليابان، لكن قياسا بمعايير أخرى من الواضح أن الاقتصاد الصيني تفوق منذ أمد بعيد على الاقتصاد الياباني. على صعيد مجمل القوة الشرائية، تجاوزت الصين اليابان عام 1992، ومن المتوقع أن تتفوق على الولايات المتحدة قبل عام 2020. في بعض الجوانب، يعكس هذا الوضع أساسيات اقتصادية: فمع تقدم الدول، يميل النمو للتباطؤ. على سبيل المثال، بلغ متوسط إجمالي الناتج المحلي نحو 10.4 في المائة في الستينات، و5 في المائة في السبعينات، لكنه وصل إلى 4 في المائة فقط في الثمانينات و1.8 في المائة في التسعينات، طبقا للأرقام الصادرة عن «غولدمان ساكس». وخلال العقد الأول من هذا القرن، تباطأ النمو بدرجة أكبر.

من جهتهم، يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن طوكيو ليست بحاجة للخوف من جارتها، ذلك أن بكين أصبحت الشريك التجاري الأكبر لها عام 2006، وكانت الصادرات المتجهة إلى الصين من أوائل الصادرات التي أبدت مؤشرات على تعافيها من موجة الانحسار الأخيرة. مع معاناة السوق العالمية للسيارات من الجمود، يوجه صانعو السيارات مثل «تويوتا» و«نيسان» أنظارهم مجددا إزاء السوق الصينية. من ناحيته، قال نوبو ليزوكا، الخبير الاقتصادي البارز لدى «مركز اليابان للأبحاث الاقتصادية»: «تتميز اليابان بجيران يشكلون سوقا متنامية سريعا، الأمر الذي يعد ميزة عظيمة، ليس تهديدا. السؤال هو: هل بمقدور اليابان الاستفادة من هذه الميزة؟». في المقابل، أعرب سي. إتش. كوان، زميل «معهد نومورا لأبحاث سوق رأس المال»، عن اعتقاده بأن الوضع الجديد يعد بمثابة «صدمة نفسية لليابان». يذكر أن كوان من أبناء هونغ كونغ وهاجر إلى طوكيو في أعقاب انبهاره بكتاب «اليابان رقم 1» للكاتب ايزرا إف. فوغيل، الذي أغدق الثناء على النمو الاقتصادي السريع للبلاد. حاليا، يعكف كوان على كتاب من تأليفه بعنوان «الصين رقم 1». بناء على التوجهات الحالية المرتبطة بالنمو والعملة، يتوقع كوان أن يتفوق الاقتصاد الصيني على نظيره الأميركي بحلول عام 2039. ومن الممكن أن ينتقل هذا التاريخ إلى 2026 حال سماح الصين لعملتها بالتنامي في القيمة بمعدل 2% سنويا فحسب. وقال: «إننا لم نعد نتحدث عن إنتاج الصين الكثير من الأحذية. إن الصين على وشك التفوق على الجميع بفارق ضخم». * خدمة «نيويورك تايمز»