صندوق النقد الدولي يعمل على التوصل لـ«استراتيجيات التخارج»

آسيا تتقدم مسيرة الانتعاش ولكن هناك مرحلة انتقالية مؤلمة

اجتماع صندوق النقد الدولي واللجنة المالية في اسطنبول أول من أمس وتضم اللجنة المالية 24 عضوا يقدمون المشورة إلى مجلس أمناء الصندوق (إ.ب.أ)
TT

كلف صندوق النقد الدولي، أمس الأحد، بالعمل على التوصل لأسس بحلول الربيع المقبل حول كيفية بدء الحكومات في سحب إجراءاتها الكبيرة لدعم اقتصاديات البلاد التي وضعت للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية.

ولكن اللجنة التوجيهية للصندوق المكونة من 25 وزير مالية قالت إنه يجب الإبقاء على الإجراءات النقدية والمالية حتى حدوث انتعاش اقتصادي «أكثر استمرارا».

وقد استثمرت الحكومات مئات المليارات من الدولارات في اقتصادياتها على مدار العام الماضي وذلك في إطار الجهود المبذولة للخروج من أسوأ دائرة ركود منذ الحرب العالمية الثانية.

ومثّل المدى الذي يجب الاستمرار فيه بتنفيذ تلك الإجراءات مسألة مهمة بالنسبة لصانعي القرار.

وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية أن وزراء المالية وصندوق النقد الدولي سيشكلون «أسسا لاستراتيجيات خروج منظمة وتعاونية» بحلول اجتماع الصندوق المقبل في شهر أبريل (نيسان) المقبل.

كما أعرب وزراء المالية عن دعمهم لإعطاء الصندوق دورا أكبر في عملية مراقبة اقتصاديات أقوى عشرين دولة في محاولة لتجنب وقوع أزمات أخرى من خلال تحقيق نمو أكثر توازنا للاقتصاد العالمي.

واتفق قادة مجموعة العشرين الشهر الماضي على أنه يتعين على الصندوق أن يلعب دورا رئيسيا في مساعدتهم للقيام بتنسيق أفضل لسياستهم.

من ناحية أخرى أعلن صندوق النقد الدولي، أمس الأحد، أن آسيا ربما تتقدم مسار الانتعاش الاقتصادي العالمي ولكنها قد تمر بفترة من النمو البطيء وارتفاع معدل البطالة خلال الأعوام المقبلة حيث تنتقل من الاتجاه للتصدير إلى إشباع الطلب المحلي.

وقال الصندوق إن الحكومات سوف يتعين عليها أن تعزز اقتصادياتها لمدة أطول من الأزمات الاقتصادية السابقة إذا أرادت تجنب حدوث تدهور آخر خلال العام المقبل أو عام 2011.

وقال أنوب سينغ، المدير الإقليمي للصندوق في آسيا، إنه من المتوقع حدوث انتعاش بطيء في الولايات المتحدة وأوروبا مما يعني أن آسيا لن تتمكن من الاعتماد على ارتفاع حجم الصادرات كما فعلت في السابق.

وأضاف سينغ في إسطنبول، حيث يعقد الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي «نتيجة لذلك فإن القوة الدافعة لآسيا يجب أن تنبع من داخلها».

وذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن صندوق النقد الدوى كان قد توقع في مطلع هذا الأسبوع أن ينمو اقتصاد آسيا بنسبة 2.8 في المائة هذا العام وبنسبة 5.8 في المائة خلال العام المقبل وهذا أفضل من معظم المناطق الأخرى في العالم التي تعاني من ركود عميق. وسوف يرجع نصف نسبة النمو لإجراءات الإنفاق الكبيرة.

وقال سينغ إن المرحلة الانتقالية المقبلة سوف تكون مؤلمة: حيث ستضطر آسيا للاعتماد على الصادرات خلال الأعوام المقبلة في حين أن التحول الكبير المطلوب تجاه الطلب المحلي سوف يمثل عبئا على الشركات في المنطقة.

وقد تراجعت الصادرات الآسيوية للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بنسبة 30 في المائة العام الماضي في الوقت الذي تكافح فيه الاقتصادات المتقدمة للخروج من أسوأ فترة تمر عليها منذ سبعة عقود.

وفي الوقت نفسه حذر البنك الدولي أمس الأحد من أن التغير المناخي قد يقلل من الناتج الاقتصادي لأفريقيا وجنوب آسيا بنسبة 5 في المائة هذا العام.

ومن الممكن أن تؤدى تداعيات ارتفاع حرارة الأرض بمقدار درجتين إلى تعرض 400 مليون شخص لخطر الجوع وافتقار ملياري شخص لموارد المياه.

وقد حددت حكومات العالم لنفسها هدفا يتمثل في الحفاظ على درجة حرارة العالم أقل من حد الدرجتين.

وقال البنك الدولي إن تكاليف الحياة في عالم أكثر حرارة تجعل من المهم أن تقوم الحكومات بالعمل على تقليل الانبعاثات الغازية المسببة لارتفاع درجة الحرارة.

وقال كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، جاستن لين، في مؤتمر صحافي في إسطنبول حيث يعقد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مؤتمرهما السنوي «جميعنا متفقون على أنه من الأفضل تبني إجراءات للحد من الانبعاثات بدلا من تبني إجراءات للتكيف مع الوضع لاحقا».

ووفقا لما ذكره تقرير البنك الشهر الماضي فإن الدول النامية سوف تتحمل الوطأة الأشد للاحتباس الحراري «حيث أن ما بين 75 في المائة و80 في المائة من تداعياته سوف تصيب الدول النامية».

وقال لين إن البنك الدولي قدر أن العالم سوف يشهد انخفاضا نسبته 1 في المائة في الناتج الاقتصادي بسبب التغير المناخي حيث إن الدول المتقدمة سوف تشهد تأثيرا محدود النطاق مقارنة بتراجع الناتج الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 4 إلى 5 في المائة في أفريقيا وجنوب آسيا، وهذا يعنى أنه يتعين على الاقتصادات الغنية مساعدة الدول النامية في عملية التكيف.

وتظل مسألة التمويل بالنسبة للدول النامية مصدر خلاف رئيسي في الجهود المبذولة لتوقيع معاهدة جديدة للتغير المناخي التي تأمل حكومات العالم في التوصل إليها خلال قمة الأمم المتحدة المقبلة في كوبنهاغن في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وكان وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع قد جددوا في ختام اجتماعهم في اسطنبول تأكيد رغبتهم في سوق صرف مستقر بدعوة الأوروبيين خاصة، لكنهم لزموا الصمت حيال سبل التوصل إلى هذا الهدف.

واعتبرت مجموعة السبع في بيان صدر في ختام اجتماعها في اسطنبول أن «التقلبات المفرطة والتحركات غير المنسقة لأسعار الصرف لها مضاعفات سلبية على الاستقرار المالي والاقتصادي».

كذلك أكد المسؤولون الماليون في مجموعة السبع التي تضم الدول الأكثر ثراء في العالم، في هذا البيان رغبتهم في «الاستمرار بمراقبة الأسواق المالية عن كثب والتعاون عندما يلزم الأمر» بهدف الحفاظ على نظام مالي دولي «قوي ومستقر».

وأوضحت وكالة الصحافة الفرنسية مسألة أسواق الصرف «الغائب الأكبر في بيان بيتسبيرغ» بالولايات المتحدة، حيث عُقدت قمة مجموعة العشرين قبل ثمانية أيام، على ما أوضحت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد في مؤتمر صحافي.

وذكّرت لاغارد أيضا بموقف فرنسا ودول منطقة اليورو بشأن الدولار، وهو موقف تتشاطره مع الولايات المتحدة بحسب قولها. وقالت «نصر على أننا بحاجة لدولار قوي».

وطمأن وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر مجددا الأوروبيين، مؤكدا، السبت، أن «من المهم جدا» بالنسبة لبلاده أن يكون الدولار قويا.

والواقع أن الورقة الخضراء المعتمدة كعملة مرجعية، عادت إلى الارتفاع في أواخر الأسبوع لكن ذلك كان نتيجة صدور مؤشرات أميركية سيئة بالنسبة إلى الوظائف أكثر منه نتيجة تصريحات مماثلة لغايتنر قبل أيام عدة.

وقد سبق وأكدت دول مجموعة السبع في أواخر أبريل (نيسان) في واشنطن أنها «تواصل مراقبة سوق الصرف عن كثب» و«التعاون» في هذا المجال بغية تفادي تقلبات مفاجئة قد تكون لها «عواقب سيئة على الاستقرار المالي والاقتصادي». لكن بدون أن يكون لذلك أي تأثير ملحوظ على سوق الصرف.

وفي هذا الصدد لفت المدير العام لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستروس كان، في اسطنبول بشدة أن بيانات مجموعة السبع «لم تعد تهم أحدا لأن الجميع كان يعلم أنها لن تطبق في غالب الأحيان» متحدثا عن هذا النادي الذي يضم الدول الثرية في صيغة الماضي.

وتضم مجموعة السبع الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا. ويشارك وزير المالية الروسي أيضا في اجتماعها في اسطنبول الذي عقد على هامش الجمعية العامة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وبعدما ظلت مجموعة السبع لزمن طويل صانعة القرار على الصعيد الاقتصادي، تم التنديد بدورها وانتقل موقعها رسميا إلى مجموعة العشرين التي أصبحت الأسبوع الماضي المنبر الرئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي.

وتضم مجموعة العشرين دول مجموعة السبع واثني عشر اقتصادا يوصف بأنه ناشئ، والاتحاد الأوروبي. وستعقد قمتها المقبلة في هانتسفيل (كندا) في يونيو (حزيران) إلى ذلك أعلنت فرنسا وبريطانيا، السبت، في اسطنبول أنهما قررتا منح مساعدات للدول الفقيرة بقيمة أربعة مليارات دولار. وقالت وزيرة الاقتصاد الفرنسية أمام الصحافيين «إنه مبلغ قليل بالمقارنة مع الاحتياجات التي تقترب من 17 مليار دولار، لكنه التزام مهم».

ورحب «ستروس ـ كان» بقرار باريس ولندن، مشيرا إلى أن «هذه الخطوة الأولى توحي بخطوات مماثلة لبلدان أخرى».

وذكر صندوق النقد الدولي في بيان بأن الصندوق تعهد للبلدان الفقيرة التي تضررت كثيرا من الأزمة، بتقديم 17 مليار دولار من مساعداته بحلول عام 2014، منها ثمانية مليارات في السنتين المقبلتين.

إلى ذلك أعلن وزير المال البرازيلي غيدو مانتيغا، السبت، في اسطنبول في مؤتمر صحافي على هامش الجمعية السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن البرازيل ستقترح على مجموعة العشرين إعطاء مقر لمجموعة الـ 24 التي تضم كبرى البلدان النامية.

وقد اجتمعت مجموعة الـ 24، التي تولت البرازيل السبت رئاستها لمدة سنة، في اسطنبول كما تفعل في كل جمعية لصندوق النقد الدولي، أي مرتين في السنة. والهدف من مجموعة الـ 24 التي أنشئت في 1971 إسماع صوت «البلدان النامية حول المسائل النقدية وتمويل التنمية».

وهي تضم تسعة بلدان أفريقية وسبعة بلدان آسيوية وستة بلدان من أميركا اللاتينية والكاريبي، فقيرة مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا، أو تتمتع بنفوذ أو عضو في مجموعة العشرين مثل جنوب أفريقيا والأرجنتين والبرازيل والهند والمكسيك. وتضم أيضا إيران وسورية.