تنظيم مصرفي جديد يساعد البنوك العربية على التنبؤ المبكر بالأزمات

«الشرق الأوسط» تكشف تفاصيل نظام مصرفي عالمي للإنذار المبكر للمؤسسات المالية

تفيد النماذج التنبؤية الأجهزة المالية التي قد تواجه مشاكل مستقبلا والبنوك التي قد تحتاج إلى رقابة مكثفة («الشرق الأوسط»)
TT

ستتمكن الحكومات العربية من التنبؤ بوضع بنوكها ومؤسساتها المالية، قبل وقوع الأزمات المالية أو تعثر هذه البنوك وإفلاسها، حيث كشفت مصادر مصرفية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل تطبيق نظم الرقابة على البنوك والإنذار المبكر للمؤسسات المالية، الذي أقرته الدول العربية في اجتماع محافظي المصارف المركزية العربية الأخير في أبوظبي، ويقضي بالتنبؤ بالخسائر المتوقعة للبنوك عن طريق تقدير الخسائر المستقبلية المحتملة.

وبحسب تفاصيل ورقة العمل التي اقترحتها اللجنة العربية للرقابة المصرفية، ووافق عليها مجلس محافظي المصارف المركزية، واطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، فإن نظام الإنذار المبكر هذا سيتم فرضه من قبل السلطات المصرفية في كل دولة عربية على بنوكها العاملة فيها، وهو ما سيسمح بالتحوط قبل حدوث الأزمات المالية الكبرى.

ونظام الإنذار المبكر للمؤسسات المالية هو تلك النماذج الإحصائية المختصة بالإنذار المبكر، وهي نماذج تقول عنها المصادر التي تحدثت لصحيفتنا، بأنها نماذج مفيدة للتنبؤ بالبنوك التي قد تواجه مشاكل مستقبلا، «وبالتالي تحديد البنوك التي تحتاج رقابة مكثفة».

وتعتمد هذه النماذج على فكرة مفادها أن البنوك التي تتعثر أو تلك التي تواجه مشاكل مالية لها السلوك نفسه خلال السنوات الأخيرة قبل التعثر، بحيث يمكن تحديد هذا السلوك من خلال تحليل أوضاع البنوك المالية، حيث تقوم هذه النماذج بتحديد معاملات الارتباط (CORRELATION COEFFICIENTS) بين النسب المالية للبنك وبعض المؤشرات الاقتصادية، وبين تعثر البنك أو إفلاسه، حيث يتم تطبيق هذه النماذج على عينة أخرى من البنوك المتعثرة لتقدير مستوى الدقة، وبعد ذلك يتم استخدامها في تحديد البنوك العاملة ذات النسب والمؤشرات المالية والمشابهة للبنوك المتعثرة التي تم تطبيق النموذج عليها.

لكن المصادر ذاتها التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم ذكر هويتها، أبدت قلقها من عدم فعالية مثل هذا النظام المتقدم على عدد من الأنظمة المصرفية العربية. وتلفت المصادر إلى أنه من أجل بناء تلك النماذج فإنه لا بد من توافر بيانات تاريخية عن بنوك تعثرت في الماضي، وفي حال عدم توافر هذه البيانات أو كان هناك عدد قليل من حالات التعثر، فقد يعتمد بناء هذه النماذج على بيانات لبنوك ضعيفة الأداء، «وفي هذه الحالة لا بد من تحديد تعريف دقيق لهذه البنوك».

وتقول المصادر إن النوع الثاني من نموذج (SEER) المستخدم من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي الذي يسمى نموذج ترتيب المخاطر، يعمل على تقدير احتمالية تعثر البنك خلال العامين المقبلين، حيث تكون نتائج الاحتمالية من صفر إلى 100 في المائة، ويعتمد هذا النموذج على أحدث بيانات متوافرة عن البنك من خلال (CALL REPORT).

ومن أبرز ما يتضمنه أيضا نظام الإنذار المبكر للمؤسسات المالية، نماذج تقدير تصنيف البنك أو انخفاض تصنيفه، حيث تستخدم هذه النماذج في الولايات المتحدة من قبل جهتين رقابيتين، ويتم ذلك باستخدام البيانات ربع السنوية التي ترد من البنك خلال ما يسمى (CALL REPORT)، أي أن هذه النماذج تطبق بشكل ربع سنوي.

ووفقا للمصادر فإن هذه النماذج تكون أدق في التنبؤ في البنوك المحتمل انخفاض تصنيفها في أوقات الركود الاقتصادي، وذلك لأنها تعتمد في تنبؤها على تراجع المؤشرات المالية للبنك والتي غالبا ما تكون في فترات الركود الاقتصادي.

وتقول المصادر إن إقرار نماذج الخسائر المتوقعة هو محاولة للتنبؤ بملاءة البنك في المستقبل عن طريق تقدير الخسائر المستقبلية المحتملة، «حيث قد تجد الدول التي لا تتوافر لديها بيانات تاريخية عن حالات تعثر البنوك أو التي حصلت فيها حالات تعثر قليلة، صعوبة في تطوير نماذج التنبؤ باحتمالية التعثر، حيث لا يكون هناك دليل إحصائي كاف لربط المنشآت المالية للبنك باحتمالية تعثره».

لكن نماذج الإنذار المبكر الإحصائية تعتبر نماذج مفيدة للتنبؤ بالبنوك التي قد تواجه مشاكل مستقبلا، وبالتالي تحديد البنوك التي تحتاج لرقابة مكثفة. ولكن لضمان هذه الفائدة فلا بد من الاستمرار بتطوير هذه النماذج من حيث الدقة والمصداقية، فقد أثبتت الدراسات أن إدخال بعض المتغيرات الاقتصادية في هذه النماذج، مثل نسبة البطالة ومعدل النمو الاقتصادي ومعدل نمو الدخل الفردي، يزيد من قدرة هذه النماذج على التنبؤ، كما أثبتت الدراسات ضرورة استخدام هذه النماذج في تحليل السيناريوهات.

وبحسب الورقة التي أقرها مجلس محافظي المصارف المركزية العربية، فإنه يمكن تحديد مشاكل القطاع المصرفي باستخدام بيانات إجمالية عن هذا القطاع، إلا أن البيانات الإجمالية قد تخفي بعض المشاكل الخطيرة في المؤسسات المصرفية بشكل انفرادي، لذا توصي الورقة بضرورة وجود أنظمة تراقب هيكل مخاطر كل بنك على حدة.

غير أن نظام الإنذار المبكر، وعلى الرغم من فعاليته، فإن اللجنة العربية للرقابة المصرفية توصي، عند استخدام هذا النظام المتطور، بالمزج بين استخدام النماذج الإحصائية المتقدمة وبين العامل الإنساني المتمثل بخبرة العاملين في السلطات الرقابية في تقييم المخاطر «وذلك بهدف الوصول إلى نتائج أدق وأشمل».

وتقول المصادر المصرفية إن معظم السلطات الرقابية تعترف بالحقيقة التي مفادها أن معظم أنظمة تقييم المخاطر والإنذار المبكر، باستثناء أنظمة التقييم الشامل للمخاطر، تعمل بشكل أفضل بالنسبة للبنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تمارس غالبا نشاطات مصرفية تقليدية. ويتمثل أحد أسباب ذلك، بحسب المصادر، في أن هذه الأنظمة تعتمد بشكل كبير على البيانات التي تطلبها السلطات الرقابية من البنوك والتي عادة لا تعكس بشكل كاف النشاطات والمخاطر المتنوعة التي تمارسها أو تتعرض لها البنوك الكبيرة ذات الانتشار المصرفي الواسع أو البنوك التي تمارس نشاطات متخصصة وغير تقليدية.

وتأمل اللجنة العربية المصرفية في أن يسهم إقرار نظام الإنذار المبكر للمؤسسات المصرفية، في تعزيز وسلامة ومتانة القطاع المصرفي العربي، خاصة أن دولا عالمية متقدمة في النظام المالي والمصرفي أقرت مثل هذا النظام، وتمكنت من الكشف مبكرا عن حالات كثيرة مشابهة لما يسعى له نظام الإنذار المبكر.