الدولار يقلص خسائره بعد نفي دول الخليج وروسيا توجهها لاستبداله في تجارة النفط

أثار حالة استنفار في الأسواق العالمية.. والذهب يتفاعل ويسجل مستوى قياسيا عند 1040 دولاراً للأوقية * إيران تغتنم فرصة الجدل الدائر.. وتقول إنها جنت أرباحا من زيادة مبيعاتها النفطية بغير العملة الأميركية

تقرير «الإندبندنت» البريطانية أشعل من جديد الجدل الدائر حول مسألة التحول في تجارة النفط عن الدولار
TT

قفز سعر الدولار أمس مقلصا خسائره بعد أن نفت السلطات السعودية والخليجية والروسية تقريرا صحافيا عن أن دول الخليج العربية تبحث استبدال عملات أخرى بالدولار في تجارة النفط.

وتراجع اليورو إلى نحو 1.4705 دولار مقابل نحو 1.4730 دولار قبل التصريحات.

نفت دول الخليج الأخرى التقرير الذي أوردته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، والذي أثار حالة استنفار قصوى في الأسواق العالمية، عن أن دول الخليج العربية تجري مباحثات سرية مع روسيا والصين واليابان وفرنسا لاستخدام سلة عملات بدلا من الدولار الأميركي في تجارة النفط.

وتراجع الدولار الأميركي بعد التقرير الذي كتبه مراسل شؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك على موقع «الإندبندنت» على شبكة الإنترنت. واستند في روايته إلى مصادر لم يفصح عن هويتها في دول الخليج العربية ومصادر مصرفية صينية في هونغ كونغ.

وقال التقرير إن الاقتراح يقضي بالتحول في تجارة النفط إلى سلة عملات منها الين الياباني واليوان الصيني واليورو والذهب وعملة موحدة مزمع تبنيها لدول مجلس التعاون الخليجي.

لكن مسؤولين كبارا في السعودية وروسيا نفوا في تصريحات على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي في إسطنبول عقد مثل هذه المحادثات.

وردا على أسئلة الصحافيين عن التقرير قال محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) إن التقرير «غير صحيح على الإطلاق».

وكرر الإجابة نفسها عند سؤاله عما إذا كانت السعودية شاركت في مثل هذه المحادثات.

وفي المقابل، قال نائب وزير المالية الروسي ديمتري بانكين «لم نناقش هذا على الإطلاق». من جهته، قال مصدر في مصرف الإمارات المركزي أمس إن دول الخليج العربية المصدرة للنفط ستبقي على استخدام الدولار في تجارة الخام.

وصرح المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لـ«رويترز»: «سيبقون على الدولار. يجري تسعير النفط بالدولار منذ فترة طويلة جدا، وسيكون من الصعب على الدول المنتجة تغيير ذلك».

ودولة الإمارات العربية المتحدة العضو في «أوبك» هي ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم.

من ناحيته، قال وزير النفط الكويتي الشيخ أحمد عبد الله الصباح أمس إنه لم تجر محادثات بين الدول العربية المصدرة للنفط في الخليج لاستبدال الدولار في تجارة النفط.

وأضاف الشيخ أحمد أنه لا يتوقع تغييرا في سياسة إنتاج «أوبك» في اجتماع المنظمة في ديسمبر (كانون الأول)، ولكنه أضاف أنه قلق قليلا بشأن التراجع في معدل الالتزام بحصص الإنتاج.

وتوقع أن تتراوح أسعار النفط بين 60 و80 دولارا للبرميل في بقية العام.

ووافقت «أوبك» على خفض الإمدادات بواقع 4.2 مليون برميل منذ سبتمبر (أيلول) 2008 بسبب انخفاض الطلب والأسعار.

وفي اجتماعاتها منذ ذلك الحين أبقت المنظمة على حجم الإنتاج الرسمي من دون تغيير، وكان آخر هذه الاجتماعات في التاسع من سبتمبر (أيلول).

ومن المقرر عقد الاجتماع المقبل في 22 ديسمبر (كانون الأول) في العاصمة الأنغولية لواندا.

من جهته، قال وزير النفط القطري عبد الله العطية في الدوحة إن «قطر ليس لديها أي معلومات حول ما نشرته الصحيفة وليس هناك أي اجتماعات سرية أو علنية تتعلق بالأمر».

بدوره، قال حمود بن سنجور الزدجالي محافظ البنك المركزي العماني أمس إنه ليس على علم بدراسة دول الخليج المصدرة للنفط استبدال سلة من العملات بالدولار في تجارة النفط.

وصرح لـ«رويترز»: «لم ينم إلى علمي حدوث مثل هذا الأمر».

من ناحيته، قال وزير المالية الجزائري كريم جودي أمس إنه لا حاجة لاستبدال الدولار الأميركي باعتباره العملة المستخدمة في تجارة النفط.

وقال جودي لـ«رويترز»: «الدول المنتجة للنفط تحتاج عائدات كبيرة لكن... لا أرى حاجة لتقويم تجارة النفط بشكل مختلف. لكننا في مؤتمر صندوق النقد الدولي حيث تثار كل الموضوعات والمناقشات». وكانت روسيا أثارت علانية من قبل فكرة تحويل تجارتها في النفط بعيدا عن الدولار بسبب ضعف العملة الأميركية وتقلبها جراء العجز في التجارة والميزانية الأميركية.

كما توقعت الصين صاحبة أكبر احتياطيات من الصرف الأجنبي في العالم أن يفقد الدولار في الأجل الطويل دوره كأكبر عملة احتياط في العالم.

وتركز المحادثات الجارية بين المسؤولين الماليين العالميين في إسطنبول على تصحيح الخلل التجاري الكبير الذي يمكن أن يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي. ويعتقد كثير من المحللين أن ضعف العملة الأميركية قد يكون ضرورة لتقليل الخلل التجاري.

وكانت «الإندبندنت» ذكرت أمس أن دول الخليج العربية تجري محادثات سرية مع روسيا والصين واليابان وفرنسا لاستبدال سلة عملات بالدولار في تعاملات تجارة النفط.

وقالت الصحيفة إن عددا من الدول الكبرى المنتجة والمستهلكة للنفط تسعى إلى وقف استخدام الدولار كعملة رئيسية في سوق النفط العالمية.

وأشارت الصحيفة إلى أن دول الخليج وروسيا المنتجة للنفط إلى جانب الصين واليابان وفرنسا كدول مستهلكة له تسعى إلى إيجاد سلة عملات دولية للتعاملات في سوق النفط كبديل للدولار.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية ذكرت الصحيفة أن سلة العملات المقترحة كبديل للدولار تضم الين الياباني واليوان الصيني واليورو والذهب والعملة الخليجية الموحدة التي تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى إصدارها..

وأشارت «الإندبندنت» إلى وجود اجتماعات سرية ضمت وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في روسيا والصين واليابان والبرازيل من أجل الاتفاق على نظام جديد ينهي الاعتماد على الدولار كعملة لتسعير النفط في السوق العالمية.

وبحسب «الإندبندنت»، أكدت مصادر مصرفية في دول الخليج العربية والصين للصحيفة الأميركية وجود هذه الخطط وهو ما يسهم في تفسير الارتفاع المفاجئ في أسعار الذهب، كما تبشر بتحول استثنائي من أسواق الدولار خلال تسع سنوات.

يأتي ذلك بعد أيام قليلة من تأكيد وزراء مالية في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أواخر الأسبوع الماضي أهمية الحفاظ على وجود الدولار الأميركي كعملة رئيسية في العالم.

وحذر الوزراء الذين يمثلون دول الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وكندا من أن تدهور الدولار يمكن أن يعرقل جهود إخراج الاقتصاد العالمي من أسوأ موجة ركود يتعرض لها منذ الحرب العالمية الثانية.

وقالت وزيرة المالية الفرنسية كريستيان لاغارد للصحافيين في مدينة غوتنبرغ السويدية حيث يعقد اجتماع لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي: «الجميع يحتاج دولارا قويا.. ستكون لدينا فرصة لمناقشة هذا الأمر في الأيام المقبلة».

يذكر أن الدولار فقد نحو 13% من قيمته أمام سلة تضم سبع عملات رئيسية في العالم خلال العام الحالي، الأمر الذي يهدد بارتفاع أسعار منتجات دول العالم في الأسواق الخارجية.

وفقد الدولار 17% من قيمته أمام اليورو منذ 18 فبراير (شباط) الماضي، وتراجع اليوم فقط بنسبة 0.7% من قيمته مع عودة معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى الارتفاع.

وكانت مسألة التحول في تجارة النفط عن الدولار الأميركي قد ثارت بين الحين والآخر في السنوات الأخيرة، لكن محللين وخبراء يقولون إنه من غير المحتمل أن يحدث ذلك في أي وقت قريب.

وبحسب «رويترز»، يقول محللون إنه بينما قد تجد الدول بشكل منفرد أن من السهل عليها نسبيا التوقف عن استخدام الدولار في تجارة النفط كما فعلت إيران بالفعل، فإن تغيير العملة التي يجري تسعير الخام بها سيحتاج جهودا هائلة.

ولم يوضح تقرير «الإندبندنت» كيف سيتم استبدال الدولار ويشكك كثير من المحللين في أن تحدث مثل هذه الخطوة قريبا.

وقالت «الإندبندنت» إن السلطات الأميركية تعلم أن الاجتماعات عقدت لكنها لم تكتشف التفاصيل ومن المؤكد «أنها ستقاوم هذه المؤامرة الدولية».

وفيما يبدو فقد اغتنمت إيران فرصة الجدل الدائر حول الموضوع، حيث نقل عن محافظ البنك المركزي الإيراني محمود بهمني قوله إن بلاده حققت أرباحا هائلة من سياستها المتمثلة في زيادة بيع النفط مقابل عملات أخرى غير الدولار.

وكانت إيران قد بدأت منذ بضع سنوات زيادة مبيعاتها من النفط مقابل عملات أخرى غير العملة الأميركية ودفعت بأن ضعف الدولار أضر بقوتها الشرائية. وتخضع الجمهورية الإسلامية لعقوبات من الأمم المتحدة والولايات المتحدة بسبب برنامجها النووي المتنازع عليه.

وفي أواخر 2007 قال مسؤول إيراني كبير إن بلاده، خامس أكبر مصدر للنفط في العالم، رفعت إلى 90 في المائة حصتها من مبيعات النفط بغير الدولار. وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وصف الدولار بأنه «ورقة لا قيمة لها». وبحسب «رويترز»، نقل التلفزيون الحكومي عن بهمني أمس قوله: «جنت إيران ربحا هائلا بعد أن غيرت سلة عملاتها لمبيعات النفط».

وأضاف من دون إسهاب «يمثل الدولار حاليا النصيب الأصغر في سلة عملات البلاد». وكانت إيران اقترحت خلال قمة زعماء «أوبك» عام 2007 تسعير النفط بسلة عملات بدلا من الدولار وحده، لكنها فشلت في كسب تأييد الأعضاء الآخرين في المنظمة باستثناء فنزويلا.

وكان البنك المركزي الإيراني أعلن عن تنويع احتياطياته بعيدا عن الدولار لكنه لم يكشف عن تفاصيل.

ومن تداعيات تقرير «الإندبندنت» تسجيل الذهب مستوى قياسي عند 1035.95 دولار للأوقية (الأونصة) في التعاملات الأوروبية أمس، إذ عزز تراجع الدولار من حركة شراء المعدن.

وبلغ سعر الذهب في المعاملات الفورية 1034.75 دولار للأوقية مقابل 1016.65 دولار في أواخر التعاملات ببورصة نيويورك أول من أمس الاثنين.

وقال مايكل جانسن المحلل لدى «جيه بي مورغان»: «سنشهد ارتفاعات أخرى على مدى الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة. أعتقد أن الناس على استعداد للتخلص من الدولار والاحتفاظ بعملات أخرى بما في ذلك الذهب».