تبسم.. تدخل قلوب الآخرين

اليابانيون يروجون للبشاشة في العمل

TT

اخترع اليابانيون مؤخرا جهازا يقيم مستوى ابتسامتك ثم يقدم لك نصائح محددة لتطويرها! وهذا الجهاز ـ الذي طرحته شركة في اليابان ـ يلتقط صورا لوجه الواقف أمامه، وهو يبتسم لمدة 10 ثوان، ثم يقيس ابتسامته لمعرفة حجمها بنسبة مقدارها من 1 إلى 100، وذلك كمحاولة لنشر الابتسامة في العمل، إذ عرف عن اليابانيين أنهم لا يبتسمون كثيرا مقارنة بالشعوب الأخرى. والسؤال هو: ماذا ستكون النتيجة حينما يوضع «جهاز الابتسامة» في أروقة العمل بالوطن العربي، خاصة في ساعات الصباح الباكر؟

الملاحظ أن كثيرا من الموظفين في الوطن العربي يحملون معهم همومهم إلى العمل، الأمر الذي ينعكس سلبا على ابتسامتهم ومزاجهم ويدفع ثمن ذلك زملاؤهم وعملاؤهم. الاستمرار على هذا السلوك يعزز غياب الابتسامة عن العمل، بل يصبح «تقطيب الجبين» سائدا والابتسامة فعلا استثنائيا يدعو إلى الاستغراب! الابتسامة سلوك لا يمكن فرضه على الناس، لأنه ينبع من الداخل، غير أن أرباب العمل يمكن أن ينجحوا في فرضه إذا كان جزءا من تقييمهم الدوري لأداء للموظفين. أذكر أنني سألت موظفا يعمل في أحد البنوك العربية عن التحول الإيجابي الملحوظ في الفرع من جهة اللطف في التعامل و«الابتسامة الودودة» المطبوعة على وجوه الموظفين، على غير عادتهم، فقال: لقد طبق البنك علينا نظام «العميل الخفي» وهو عبارة عن مجموعة من العملاء يتظاهرون بإجرائهم لمعاملة معينة، كإيداع أو سحب، ولكنهم في حقيقة الأمر مكلفون من قبل البنك بمهمة محددة لتقييم جودة الخدمة، بسرية تامة، من خلال عناصر عدة في مقدمتها «الابتسامة في وجه العميل». ويبدو أن الدراسة التي أجرتها جامعة هارفارد تتسق مع فكرة محاولة التظاهر بالتبسم، المذكورة آنفا، إذ توصلت إلى أن «التظاهر بالسعادة في العمل لا يسعد فقط المحيطين بنا بل يسعدنا نحن أيضا»، وفق الدراسة. وتبين أن كبت الغضب وغيرها من مشاعر سلبية يؤدي إلى مستوى متدن من الرضا الوظيفي ويولد مزيدا من أفكار التوقف عن العمل.

وللابتسامة في العمل وخارجه فوائد كثيرة، منها أنها «تساعد على تقوية الغدة الصعترية، وهي أحد أجزاء الجسم التي تسهم على نحو صحي في تقوية الجهاز المناعي للإنسان، وذلك لوجود روابط جسمية قوية بين عضلات الابتسام وهذه الغدة المهمة» بحسب كتاب دكتور جون دياموند «الجسم لا يكذب» The Body Doesn"t" Lie.

وتشير إحدى الدراسات إلى أن الابتسامة تحرك 17 عضلة في وجه الإنسان فيما يحرك العبوس أو التجهم نحو 43 عضلة بمعنى أن التبسم يتطلب مجهودا أقل. ولا نذيع سرا إن قلنا إنه ليس هناك وجه عبوس بالفطرة، بل إن الابتسامة هي سلوك في مقدور أي منا اكتسابه بسهولة بالمران المتواصل. والابتسامة هي لغة عالمية لنقل المشاعر والأحاسيس، لمسافات بعيدة نسبيا، حيث تبين أنه «يمكن للإنسان أن يتعرف على تعبيرات الابتسام والاندهاش في وجه إنسان آخر على بعد 150 قدما، أما الابتسامة عندما تحدث وحدها، فيمكن التعرف عليها وتحديدها من بعد 300 قدم، مما يشير إلى قوة تأثير الابتسامة في الوجه الإنساني، وتأثيرها فيه مقارنة بتعبيرات هذه الوجه وانفعالاته الأخرى وذلك وفق كتاب «الفكاهة والضحك: رؤية جديدة» لمؤلفه د. عبد الحميد شاكر.

والطريف في أمر «الابتسامة عبر الهاتف» أن من يحاول خداع عميله أو مسؤوله بابتسامة زائفة سينكشف أمره بسهولة. إذ يقول أستاذ علم النفس بجامعة كوينز في بلفاست بأيرلندا الشمالية الدكتور رودي كاوي إنه عندما يبتسم الإنسان فإن بعض عضلات الوجه تنقبض فيؤدي ذلك إلى قصر المسافة بين الحنجرة والشفتين فيتغير الصوت فيميزها الدماغ البشري. وبشكل عام، كلما كانت الابتسامة طبيعية وغير مصطنعة صار وقعها على الآخرين أكبر، بل وتدخل إلى قلوبهم من غير استئذان.

* الدماغ.. يميز الابتسامة

* للدماغ البشري قدرة خارقة على تمييز الابتسامة. فقد أجريت تجربة عملية استعين فيها بسيدتين من التوائم المتطابقة التي يصعب التفرقة بين أصواتها. وطلب من إحداهما تلاوة بعض الجمل وهي مبتسمة، ومن الأخرى تلاوة الجملة نفسها من دون ابتسام. ثم عرض التسجيلان على عدد من المتطوعين «فتمكن أكثر من 90 في المائة» منهم من التعرف على صوت السيدة المبتسمة!

* كاتب متخصص في الإدارة.

[email protected]