موجة من التفاؤل تسود المنطقة مبشرة بانتهاء أسوأ أزمة مالية تضرب الاقتصاد

الإنفاق الحكومي وتحسن أسعار النفط يسهمان في التخلص من آثار الأزمة

ارتفعت معدلات التفاؤل في الأوساط الاقتصادية في الدول الخليجية بتجاوز الأزمة العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

قبل عام تقريبا، كان الاقتصاد العالمي في أسوأ أحواله خلال عقود، ولم تكن الأوساط الاقتصادية تجرؤ على التنبؤ بموعد انتهاء الأسوأ من الأزمة المالية العالمية، بل إنه في ذلك الوقت، لم يكن هناك حتى ضوء يلوح من بعيد، في آخر نفق تلك الأزمة السوداء.

أما بعد نحو عام من مرحلة لم تعرف إلا التشاؤم ولا شيء غيره، استنادا إلى الأوضاع الاقتصادية وقتها، فإن موجة من التفاؤل، غير المشوب بالحذر، تسود الأوساط الاقتصادية في الدول الخليجية التي كانت غارقة في التشاؤم العام الماضي، لكنها الآن باتت ترى أن غمامة الأزمة المالية العالمية في طريقها للانحسار، ويدفع موجة التفاؤل هذه، استمرار الحكومات الخليجية في الإنفاق بشكل قوي، وتحسن أسعار النفط في الأسواق العالمية، والذي انعكس بشكل مباشر على أسواق المال الخليجية، والتي يراها البعض مؤشرا لحالة الاقتصاد في دول الخليج تحديدا.

ولكن هل المعطيات التي يقوم عليها هذا التفاؤل أساسية وحقيقية في الوقت ذاته؟ يرد على سؤال «الشرق الأوسط» المهندس صلاح سالم بن عمير الشامسي رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية بدولة الإمارات العربية المتحدة، بالقول إنه بالاعتماد على الأرقام والمبادرات الفعلية «نجد أن هناك بالفعل نهاية للأزمة المالية وتحركا باتجاه الأمام لمرحلة ما بعد الأزمة المالية»، ويشير الشامسي إلى الإنفاق الحكومي الذي تقوم به دول مجلس التعاون الخليجي في البنى التحتية «لم يتوقف الإنفاق على المشاريع الأساسية، وآخرها القطار الخليجي الذي أعلن أن تكاليفه ستصل إلى 25 مليار دولار، وكذلك مشروع قطار الاتحاد الإماراتي، الذي أعلن عنه أخيرا، ناهيك عن مشاريع مماثلة بالسعودية ودول الخليج الأخرى». ويلفت رئيس اتحاد الغرف الإماراتية أن الإنفاق المستمر من قبل الدول الخليجية «أثر إيجابا على كافة القطاعات الاقتصادية، فإذا أضفنا إلى ذلك تحسن وضع البنوك، وعودة القطاع المالي إلى المتانة التي عرفت عنه، وزيادة الودائع لدى البنوك المركزية، عرفنا أن ما يحدث حاليا هو عودة حقيقية لقوة الاقتصاد الخليجي لما كان عليه سابقا».

المهندس صلاح الشامسي يشير أيضا إلى عودة أسعار البترول إلى الارتفاع كاسرة أرقام عام كامل، معتبرا أن هذا الأمر أيضا أسهم في عودة التفاؤل بتحسن النمو العالمي، «والذي ستكون دول الخليج الأكثر تأثرا إيجابا به، باعتبارها المصدر الأكبر للذهب الأسود، والمستفيدة الأبرز من ارتفاع الأسعار الحالي»، ويختتم الشامسي بالقول «كل هذه المؤشرات لا تدعو فقط للتفاؤل، بل إنها تؤكد أن هذا التفاؤل حقيقي وليس زائفا».

وفقا لدراسة حديثة كشف النقاب عنها هذا الأسبوع، فإن القيمة الحالية لاحتياطات النفط التي تملكها الدول السّت في مجلس التعاون الخليجي تبلغ 18.3 تريليون دولار، أي ما يفوق إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة الأميركية لسنة 2008. وتقول الدراسة، التي قامت بها الوحدة الاقتصادية في سلطة مركز دبي المالي العالمي، إنه إذا بلغ معدّل سعر النفط 100 دولار للبرميل الواحد وسعر الغاز 9 دولارات، فمن شأن ذلك أن يصل بالعائدات إلى 37.7 تريليون دولار لتوازي بالتالي مجموع رسملة سوق الأسهم العالمي».

وسجلت أسعار النفط العالمية يوم أمس، أسعارا قياسية للعام الجاري بعد أن ارتفعت للجلسة السادسة على التوالي مقتربة من مستوى 76 دولارا للبرميل، وهو الرقم الذي يعد الأعلى خلال عام، وذلك بعد أن أظهرت بيانات المخزونات الأميركية انخفاضا متواضعا في مخزونات الخام.

ويقول ستيف شوارزمان مؤسس شركة «بلاكستون»، التي تعتبر أكبر شركة استحواذ في العالم، إن تدهور سوق الأسهم الخاصة قد توقف وإن بوادر الانتعاش، بالنسبة إلى الأسهم الخاصة، على الأقل ـ بدأت تظهر بوضوح.

وكان مسؤول إماراتي كبير، وهو الدكتور عمر بن سليمان نائب رئيس مجلس إدارة مصرف الإمارات المركزي، ومحافظ مركز دبي المالي العالمي، قد أكد في تصريحات صحافية أمس الأول، أن الأسوأ بالنسبة للدول الخليجية، فيما يتعلق بالأزمة المالية العالمية، قد انتهى.

فعلى سبيل المثال، مجموعة مثل «بلاكستون» العالمية كانت قد تعاملت بدرجة عميقة من الحذر في نهاية عام 2006، وذلك قبل بداية حقبة الركود الحالية، واستثمرت فقط في واحدة من أكبر 20 عملية للأسهم الخاصة خلال عام 2007.

لكن وفي الفترة الحالية، يحدد الرئيس التنفيذي للمجموعة موقفه التفاؤلي الجديد، بالإعلان عن خطط لإدراج ثماني شركات وبيع خمس شركات أخرى على الأقل، لدفع ما يقرب من 2.8 مليار دولار إلى المستثمرين.

وإدراكا منه للمشكلات التي حدثت خلال العام الماضي، والتي وصفها بأنها «صعبة وفترة امتحان»، فقد حث شوارزمان قطاع الأسهم الخاصة في المنطقة على الابتعاد عن التشاؤم والاستفادة أكثر من فرص الانتعاش الإيجابية التي تلوح في الأفق.

أما نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في بنك «اتش اس بي سي» الشرق الأوسط المحدود سيمون كوبر، فيعتقد بوجود ثقة اقتصادية عامة بعودة الانتعاش إلى اقتصادات المنطقة، مؤكدا أن التفاؤل بمستقبل المنطقة أصبح عاملا مشتركا بين المستثمرين بأن الانتعاش الاقتصادي العالمي سيكون بقيادة الشرق الأوسط. ويوضح كوبر أن الاقتصاد بحاجة إلى عاملين أساسيين ليكون مستديما، السيولة والثقة، والسيولة متواجدة بقوة في اقتصادات الشرق الأوسط، في حين أن قطاع الأعمال على ثقة كبيرة بمستقبل المنطقة، المشبعة بالكثير من رؤوس الأموال، لقيادة الانتعاش الاقتصادي بطريقة مستقلة عن باقي العالم، من دون الحاجة للاعتماد على الولايات المتحدة أو أوروبا.

التفاؤل الذي عم الأوساط الاقتصادية بالمنطقة، لم ينحصر على القطاع الخاص فحسب، بل حتى المسؤولون الحكوميون ساروا في نفس درب التفاؤل هذا. وكان وزير المالية السعودي إبراهيم العساف قد قال الشهر الماضي إن برنامجا حكوميا سعوديا لاستثمار 400 مليار دولار على مدى خمس سنوات لن يتوقف عندما يتعافى الاقتصاد ويجري سحب التحفيز المالي، وأضاف «فيما يتعلق بالسعودية إذا كان هناك تحرك لتقليص التحفيز... فإن برنامج الاستثمار الحكومي سيستمر... إذ لا توجد له تأثيرات تضخمية».

وكانت السعودية كشفت العام الماضي عن برنامج تطوير واستثمار قيمته 400 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد الذي يعتمد على النفط كي يواصل النمو في مواجهة الأزمة العالمية التي دفعت أسعار الخام للانخفاض من المستويات القياسية المرتفعة قرب 150 دولارا للبرميل التي سجلتها في منتصف 2008.

وعلى نفس الدرب، كانت كذلك الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي وزيرة التجارة الخارجية الإماراتية، التي قالت أمس الأول إن بلادها تمكنت من الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية بفعل الإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة للحد من تداعيات الأزمة على البنوك والاقتصاد الإماراتي.

عودة الثقة للاقتصاد الخليجي، لم يتوقف على المستثمرين الخليجيين باقتصادهم فحسب، بل حتى كبار المستثمرين العالميين يعتبرون أن قوة ومتانة الاقتصاد الخليجي تدفعهم إلى توجيه قاطرة سيولتهم للمنطقة. وفي هذا السياق، كشفت أمس شركة التطوير والاستثمار السياحي، المطور الرئيسي لأبرز المشاريع الثقافية والسكنية والسياحية في أبوظبي، عن طرح أول «صكوك إجارة» لها بقيمة تبلغ مليار دولار أميركي وتستحق بعد خمس سنوات، وذلك في إطار برنامج الشركة لإصدار شهادات صكوك الائتمان العالمية الذي تبلغ قيمته الإجمالية 1.45 مليار دولار أميركي.

وللنظر في الإقبال الأجنبي للاستثمار في المنطقة، فإن صكوك الإجارة هذه، ومع أنها وفقا للشريعة الإسلامية، فقد تم تخصيص 60% من الصكوك للمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط، و20% للمستثمرين في آسيا، و20% للمستثمرين في أوروبا، حيث تضم قائمة المستثمرين مصارف (بنسبة 48%)، صناديق استثمار ومدراء أصول (21%)، وكالات ومصارف مركزية (15%)، مصارف خاصة (14%) ومستثمرين آخرين (2%). علما أن هذه أكبر عملية طرح للصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2009، كما أنها أول عملية طرح صكوك تنفذها هيئة مملوكة بالكامل لحكومة أبوظبي بشكل غير مباشر.

وبالعودة إلى المستثمر العالمي شوارزمان، فإنه يتطلع إلى الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي عبر زيادة تدفق الصفقات من المنطقة والتوسع الممكن لشبكة مكاتبها العالمية على مستوى الشرق الأوسط. ويضيف «لقد شهدنا نهاية التدهور، وفي هذه المرحلة نتوقع عقد صفقات تتراوح قيمتها من 3 إلى 4 مليارات دولار. ونحن من جانبنا منفتحون على الفرص الإقليمية، ونتوقع أن تكون هناك حاجة إلى بصمة محلية قوية لانتهاز تلك الفرص».

وإضافة إلى تحقيق أرباح من بيع بعض الأصول، فقد عززت «بلاكستون» معدل تدفق الصفقات من خلال الالتزام بدفع ما يقرب من ملياري دولار ضمن ثلاث صفقات جديدة في الأشهر الستة الأخيرة. وتشمل تلك الصفقات، الاستحواذ على «بوش إنترتينمنت»، مالكة أشهر مجمعات الحدائق الترفيهية، ومن بينها «سي وورلد». وتمتلك «بلاكستون» شركات خاصة قابضة مثل «هيلتون» ولها حصة مسيطرة في «ميرلين إنترتينمنتس غروب» و«دبي إنترناشونال كابيتال». وطوال فترة تزيد على عقدين من الزمن، كانت «بلاكستون» شركة عالمية في إدارة الأصول البديلة، والآن يبلغ إجمالي أصول الأرباح الضريبية تحت إدارة الشركة حوالي 93.5 مليار دولار.

وحذر شوارزمان «ما تحتاج إليه الشركات الخاصة هو الالتزام بوظائفها الأساسية التنافسية، وهذا أمر حقيقي، لا سيما أن أسعار الأسهم الخاصة أصبحت مغرية، ذلك أن عودة السوق إلى سابق قوتها أصبحت أقوى من احتمال تراجعها إلى حد ما. ومن أجل تحقيق النجاح يتعين على الشركات التركيز على الأنشطة التي تعرفها وعدم الانسياق وراء الأرباح السهلة».