لماذا يتحاشى القياديون العرب.. الاعتذار؟

رغم أنها فضيلة يتحلى بها المسؤول الشجاع

TT

آسف! كلمة من ثلاثة أحرف لكنها قد توقف سيلا عارما من الغضب في عملك أو بلدك. وهي تنطوي على أبعاد نفسية عظيمة، قادرة على التأثير في أكثر النفوس قساوة، فكم من «آسف» أعادت مياه العلاقات الاجتماعية إلى مجاريها بين الزوجين، أو الأصدقاء، أو الأقرباء بأقل الخسائر الممكنة. كما منعت وقوع كثير من الحروب، أو وضعت بسببها الحرب أوزارها.

الاعتذار عند الأمم المتحضرة سمة سائدة وجزء من التراث الاجتماعي والحضاري، إذ اعتذرت اليابان للصين عن الأذى الذي لحق بالأخيرة جراء استعمار اليابان لها، واعتذرت ألمانيا بشجاعة للعالم على الجرائم التي ارتكبتها النازية الهتلرية، وتطالعنا الصحف على نحو دوري بأخبار قياديي الشركات الأجنبية الذين يعتذرون لزبائنهم عن تسبب منتجاتهم في تعريض حياة بعض الناس للخطر نتيجة خلل مصنعي في إطارات السيارات، على سبيل المثال، أو عدم صلاحية أحد المنتجات الغذائية، فتقوم بسحب ملايين المنتجات من الأسواق.

أتذكر أيضا صحيفة «واشنطن بوست» الشهيرة، التي اعتذرت بشجاعة للقراء عن تحقيق مفبرك من قبل مراسلها في العراق، بينما على النقيض، تحفل ثلة من الصحف العربية بتلميع المسؤولين وتنسب لهم «إنجازات» غير حقيقية البتة، والعالم كله يتذكر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، حين اعتذر عن فضيحة «ووترغيت» وخرج من البيت الأبيض مستقيلا، واعتذار الرئيس الأميركي بيل كلينتون لزوجته عقب فضيحته في البيت الأبيض مع المتدربة الشابة مونيكا.

أما العرب، فمنهم من يتملص من الاعتذار، وهو في نظر كثيرين مهانة أو اعتراف صريح بالخطأ، حتى لو كان خطأ طبيا قد يودي بحياة مريض، في بعض الأحيان. الغريب أننا لم نبادر بوضع حلول لذلك، على غرار ما فعلته إحدى الولايات الأميركية حينما سنت قانونا ينص على أن «اعتذار المؤسسات الطبية لا يعد دليلا على مسؤوليتهم القانونية تجاه ذلك الخطأ». ورغم الكوارث الكثيرة التي تقع يوميا في العالم العربي، فلا يقابلها اعتذار يذكر، وينجو المسؤولون بفعلتهم، وكلنا يذكر الحريق الذي نشب في إحدى السفن العربية في البحر الأحمر حين قفز منها قائدها تاركا وراءه مئات الركاب، من دون أدنى شعور بالمسؤولية أو توجيه اعتذار لائق إليهم. كما تحدث تجاوزات وخسائر كبيرة للمساهمين في بعض الشركات، وتمر مرور الكرام، ويجري أحيانا التكفير عن الأخطاء بتقديم «كبش فداء» بإقالة موظف بريء أو تمييع القضايا لوأدها حية! الاعتذار الحقيقي أو الشجاع هو الذي يكون إما مكتوبا، أو موجها إلى المجني عليه في أثناء وجود الآخرين الذين شهدوا الإساءة. كأن يعتذر المدير، مثلا، عن خطئه في حق أحد مرؤوسيه الذي شتمه أو أهانه أمام زملائه، لا أن يعتذر له سرا كما يفعل البعض، لأن الشجاعة الحقيقية تكمن في توجيه الاعتذار أمام الآخرين حتى يكون ردا للاعتبار إلى من أسأنا في حقه.

وكمؤشر للمقارنة فان عدد كلمات البحث عن رسائل الاعتذار في محرك غوغل تبين أن عدد محاولات البحث بالإنترنت عن نص لـ«رسالة اعتذار» باللغة العربية كان في حدود 3.5 مليون فقط بينما كان عدد البحث عن رسالة اعتذار باللغة الإنكليزية Apology Letter نحو 150 مليون، أي أن الغالبية الساحقة من محاولات البحث كانت بالإنكليزي! والسؤال الذي يطرح نفسه، هل الناطقون باللغة العربية لا يحرصون على توجيه الانتقاد كتابيا إلى من أساؤوا بحقه؟! بشكل عام نقول، إذا لم يعتد المرء على الاعتذار في بيته فيصعب عليه القيام بذلك أمام الملأ. فالاعتذار هو سلوك ينشأ عليه الفرد ويمكن اكتسابه بالممارسة الدورية، ويا لها من فضيلة جميلة حينما يتحلى المدير أو القائد بالشجاعة الكافية للاعتذار مهما كان خطؤه.

* كاتب متخصص في الإدارة.

[email protected]