كيف نعالج مشكلة تزايد التحويلات الخارجية؟!

سـعود الأحمد

TT

الخطط والبرامج التي تُتخذ لمعالجة مشكلة تزايد التحويلات النقدية للخارج.. علينا أن نعترف أنه ليس لدينا مقاييس ومعايير تؤكد أنها في أحسن أحوالها، وبالتالي لا بد من التوقف لإعادة النظر فيها وتقييمها من جديد. فهناك مهن لا ينتظر إحلالها بمواطنين خليجيين في المستقبل المنظور. فالمواطن الخليجي لن يعمل حلاقاً أو جزاراً أو عامل نظافة أو خبازاً أو طحاناً أو ماسح أحذية أو حداداً أو نجار (مسلح)... وهو يرى الفرص البديلة أمامه.

فلو أجرينا إحصائية دقيقة ومحايدة لسوق العمل السعودي (على سبيل المثال)، لوجدنا العمالة غير النظامية قد تضاعفت مقارنة بما كانت عليه قبل عدة سنوات!. وأن أرقام التحويلات الخارجية من خلال البنوك المحلية السعودية في تزايد (تبلغ 78 مليار ريال)، في وقت نجد أن رجال الأعمال يصرخون من التضييق عليهم في منحهم تأشيرات العمل لما يحتاجونه من عمالة. وبعضهم خرج من سوق العمل بسبب الإجراءات التي تتخذها وزارة العمل بحجة توطين الوظائف المهنية!. وقد نخلص إلى نتائج: أننا لم نحقق (هدف) توطين الوظائف المهنية، ولم نُقلل من التحويلات النقدية، ولم نشجع رجال الأعمال في بناء مشاريعهم.. وأهم ما في ذلك منحهم التسهيلات لجلب ما يحتاجونه من العمالة المناسبة لتنفيذ مشاريعهم... ولعلها فرصة لإدراك أننا بحاجة إلى أفكار (أو ربما دماء) جديدة لمعالجة هذه المشكلة. ومن ذلك (وهنا مكمن المشكلة) أننا نركز بصورة أساسية على سلبية التحويلات الخارجية في دراساتنا وإحصائياتنا ومؤتمراتنا وتعليقاتنا... فالبعض يسميها بالنزيف المالي أو النقدي والبعض يسميها بالتسرب (إلى غير ذلك من المصطلحات)، وينسى العائد منها!. ولذلك فإن من المناسب قراءة هذا الموضوع من منطلق، أن هذه الأيدي العمالة قد استُقدمت لتساهم معنا في بناء وطننا وتشغيل مصانعنا ومزارعنا ومحلاتنا، وهذه نعمة سخرها الله لنا. ومن حقها أن تُحول مكتسباتها لأوطانها أو لبلدان أخرى. وعلينا أن نجعل أولويتنا في أن نُفعل مشاركات هذه العمالة فيما يعود على الوطن بأكثر مما قامت بتحويله للخارج، عوضاً عن التركيز على تخفيض مبالغ التحويلات وأعداد الأيدي العاملة. وأن ننظر لهذا الأمر نظرة موضوعية اقتصادية، ونركز على نقاط ثلاث:

الأولى: ألا نستقدم عمالة غير منتجة، قد تكون عاطلة في بلادها وتمثل عبئا على الناتج في أي مجتمع. ويكون معيار استقدام العامل أن يكون للعامل المستقدم قيمة مضافة. بحيث يساهم بالفعل في الناتج القومي بأكثر مما سيحصل عليه من دخل.

النقطة الثانية: أن نستغل كل فرصة لإحلال المواطن محل الوافد، وليس استقدام عامل ليعمل بمهنة يطرد عنها مواطن! وعلى أساس ألا يكون الاستقدام على حساب نسبة البطالة المحلية. والنقطة الثالثة: أن نوطن الأيدي العاملة التي نحتاج إليها بأساليب جديدة ومبتكرة خدمة للناتج القومي المحلي.

ولنا أن نستفيد من تجربة أمريكا وكندا وأوربا، حيث أغلقت (منذ عدة عقود) مصانع المنتجات التقليدية كالثلاجات والتلفزيونات والأحذية والجلديات وما شابهها من الصناعات البسيطة. لتُقام مصانعها في دول أكثر فقراً وأقل تكلفة في المستوى المعيشي. وليتم تخصيص العقول الوطنية للعمل في الصناعات المتطورة، وما فكروا في ماذا سيعود على عمال هذه الدول من دخول!. ونحن ما زلنا (للأسف) نسعى للخلف ونحفز الشباب الخليجي على الانخراط في المهن الدنيا والخطرة؛ بحجة إيقاف نزيف التحويلات النقدية للخارج ومواجهة مشكلة الفقر والبطالة!. وكأننا نشجعهم على الهروب المبكر من صفوف الدراسة والقبول بالمستوى التعليمي المنخفض!. وختاماً... نستطيع محاربة البطالة والفقر بتفعيل توجهنا (الحالي) بزيادة مقاعد الدراسة بالجامعات والبعثات الخارجية... فإذا تخرج ألف طبيب ومهندس وطيار سعودي، حتى لو صرفنا عليهم (كثيراً) وصبرنا عليهم (طويلا)... فذلك أفضل وأنفع من أن يمتهنوا مهناً متدنية، بهدف المشاركة في تخفيض التحويلات النقدية الخارجية. كاتب ومحلل مالي