إقبال عالمي كبير على شراء الذهب ومراهنات على بلوغه 2000 دولار

أشهر محلات لندن التجارية تهتم ببيع المعدن الأصفر

قطع من الذهب الخالص معروضة للبيع في صالات العرض بمحلات هارودز في لندن (أ.ف.ب)
TT

هنا، في أحد أركان سويسرا، التي يتم الحديث فيها بالإيطالية ويعاد تكرير ثلث الذهب العالمي تقريبا ليحول إلى سبائك وقضبان، يشهد هذا النوع من النشاط التجاري تقدما مضطردا. وفي كل يوم تأتي قلادات وأساور داخل حقائب بلاستيكية، من أسواق داخل منطقة الشرق الأوسط ومن محلات في آسيا ومن بائعي جواهر في أوروبا وأميركا الشمالية.

ويقول إرهارد أوبرلي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «ارغور هيراوس» التي تقوم بتكرير الذهب، وتقوم بمعالجة نحو 400 طن من الذهب كل عام: «يمكن أن يكون ذلك ذهب جدتك أو هدية من صديق سابق، فالذهب لا يختفي».

ووسط حالة من السعار العالمي عززت منها صناديق تحوط تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات، واندفاع الحكومات والمضاربين الأثرياء إلى الادخار في المعدن الأصفر الثمين، نجد أن سعر الذهب تجاوز 1100 دولار للأونصة الواحدة يوم الجمعة الماضي، ليعد ارتفاعا قياسيا لم يحدث من قبل.

ويُنظر إلى الذهب منذ وقت طويل على أنه الملاذ الأخير للمستثمرين الذين يشعرون بالقلق، وقد ارتفع سعر الذهب مع تراجع أسعار الدولار باضطراد ومع ازدياد العجز في الميزانيات داخل الولايات المتحدة وأوروبا، ومع استمرار البنوك المركزية في ضخ تريليونات الدولارات في اقتصادات ضعيفة، وهو ما أدى إلى مخاوف من ظهور فقاعة أخرى في الأصول قد تنفجر في نهاية المطاف.

وتقول سوكي كوبر، وهي واضعة استراتيجيات حول المعادن النفيسة تعمل لدى «باركليز كابيتال»: «لم يتغير الذهب، ولكن تغير من يقبلون على شراء الذهب، إنه تحول هيكلي في الناحية الاستثمارية بدءا من البنوك المركزية الآسيوية إلى المستثمرين الأفراد الذين يشترون سبائك المعادن والعملات».

وتضيف كوبر، التي تتوقع أن سعر الذهب سوف يبلغ 1140 دولارا مقابل الأونصة بحلول النصف الثاني من العام الحالي: «لقد ازداد الإقبال على الذهب».

وفي الواقع إنه خلال الشهر الماضي بدأ متجر «هارودز» الشهير في لندن منذ 160 عاما بيع عملات وسبائك ذهبية بدءا من السبائك التي تزن غراما واحدا إلى سبائك تزن 12.5 كيلوغرام، مثل تلك التي تظهر دوما في الأفلام وتخزن داخل أقبية فورت نوكس، وهو مبنى الخزانة الرئيسية لاحتياطي الذهب في الولايات المتحدة الأميركية.

وقد امتلأ الطابق الأرضي في متجر «هارودز» حيث يتم شراء الذهب بالرواد المقبلين على شراء الذهب. ويقول كريس هال، رئيس قسم سبائك الذهب بمتجر «هارودز»: «كانت الاستجابة مفاجئة، فلا شك أن السبائك أكثر شعبية من العملات. والسبيكة التي تزن 100 غرام هي الأكثر شيوعا».

وداخل الولايات المتحدة نجد أن الإعلانات التي تروج لأسعار مرتفعة مقابل الذهب، تكثر في الفواصل الإعلانية الإذاعية في آخر الليل.

ويقول رون ليبرمان، مالك «باليساد جويلرز» في إنغلووود بولاية نيوجرسي، إن عدد رواد متجره الذين يحضرون لبيع الذهب ارتفع بمعدل 10 أمثال، مقارنة بالوقت الذي كان يباع فيه المعدن مقابل 300 دولار للأونصة بداية العقد. ويضيف: «أسمع أشخاصا يقدمون ويقولون إن الذهب سوف يصل إلى ألفي دولار».

وليس رواد متاجر الحلي هم وحدهم الذين يتوقعون بلوغ الذهب أسعارا مرتفعة. وتوقع جيم روغرز، وهو مستثمر له نشاطات في الاستثمار خارج البلاد وفي مجال السلع، في مقابلة مع «تلفزيون بلومبرغ» الأسبوع الماضي، أن الذهب يمكن أن يصل إلى ألفي دولار للأونصة، وهو ما أدى إلى انتقادات من نوريل روبيني، وهو اقتصادي جذب الانتباه بسبب تحذيراته المبكرة من الأزمة الاقتصادية العالمية. وخلال مؤتمر عقد في نيويورك الأربعاء الماضي، وصف روبيني توقعات روغرز بأنها «كلام تافه لا قيمة له». وقال إنه لا توجد أي ضغوط اقتصادية أو مرتبطة بتضخم الأسعار يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع سعر الذهب إلى 2000 دولار.

وقد فوجئ محبو الذهب الأسبوع الماضي عندما دخل المصرف الاحتياطي الهندي إلى هذه المعمعة وقام بشراء 220 طنا من الذهب من صندوق النقد الدولي مقابل 6.7 مليار دولار، وهي إشارة تدل على أن المصارف المركزية الأخرى قد تبعد عن الأصول التي يسيطر عليها الدولار، مثل أذون الخزانة لصالح هذا المعدن النفيس. وتعني عملية الشراء الواسعة داخل الهند أن الذهب سوف يمثل حاليا نحو 6 في المائة من الاحتياطي الأجنبي لدى الهند، والذي يبلغ 285.5 مليار دولار مقارنة بالنسبة السابقة التي كانت تبلغ نحو 4 في المائة.

ويقول وزير المالية الهندي براناب موكهرجي: «لدينا أموال لشراء الذهب، ولدينا احتياطي كاف من العملة الأجنبية».

ويوم الخميس أعلن البنك المركزي في سريلانكا أنه قام بشراء ذهب، في اتجاه يمكن أن يؤثر سلبا على الولايات المتحدة بمرور الوقت لأنها تريد شراء أذون أجنبية، ولا سيما من البنوك المركزية، لتمويل دَينها المتنامي.

وأغلق سعر الذهب عن 1.095.10 دولار في آخر أيام تداول الأسبوع، وذلك أقل من معدل مرتفع خلال اليوم، ولكنه أعلى بنسبة 5 في المائة تقريبا خلال الأسبوع. وسيكون على الذهب أن يرتفع إلى 1.885 دولار ليصل إلى أعلى معدل له.

وقد قامت الصين بالفعل بمضاعفة احتاطي الذهب لديها خلال الأعوام الستة الماضية، ولكن تظهر الخطوة التي اتخذتها الهند كيف أن المستثمرين التقليديين يحولون جزءا من أصولهم إلى سبائك ذهبية. وقال بول تودور جونز، المدير البارز لصندوق التحوط، لمستثمريه الشهر الماضي: «لم أكن يوما ممن يحبون شراء المنتجات الذهبية، إنه أصل، مثل أي شيء في الحياة، له وقت ومكان. وهذا هو وقته».

وبصورة مجملة فإنه خلال الربع الثاني من عام 2009، انخفض استهلاك الذهب كحلي بنسبة 20 في المائة على الرغم من أن طلب المستثمرين على الذهب زاد بنسبة 51 في المائة، حسب ما أفاد به مجلس الذهب العالمي.

ويصنع الذهب الموجود لدى متاجر «هارودز» في معمل التكرير «بي إيه إم بي»، وهو معمل تكرير سويسري في مدينة كاستل سان بيترو. وارتفع الطلب على سبائك الذهب التي تزن 100 أونصة أو أقل للمستثمرين الأفراد بنسبة 80 في المائة، حسب ما قاله ماروان شاكارتشي، رئيس شركة «إم كيه إس فينانس» التي تتخذ من جنيف مقرا لها وتمتلك معمل التكرير «بي إيه إم بي».

ويقول السيد شاكارتشي إن تدفقات الحلي من الذهب القديم ومبيعات المستثمرين الأفراد قوية بصورة خاصة داخل الولايات المتحدة وغرب أوروبا، وتعد هذه ظاهرة جديدة لـ«إم كيه إس». ويشار إلى أنه في السابق كان يشيع تخزين الذهب للاستثمار داخل منطقة الشرق الأوسط وآسيا. ويقول السيد شاكارتشي: «تعد أوروبا والولايات المتحدة أسواقنا الناشئة».

وبالإضافة إلى القلق الكبير إزاء المستقبل، قد تلعب الاتجاهات السياسية الأخيرة جزءا في حمى الذهب العالمية. ومع الإجراءات الصارمة ضد الملاذات الضريبية في مختلف أنحاء العالم وقيام المصرفيين السويسريين بتسليم أسماء العملاء الأميركيين الأثرياء إلى السلطات، يقول بعض الخبراء إن الأثرياء يفضلون حاليا استثمارا يمكن إخفاؤه بسهولة عن أعين مسؤولي الضرائب.

ويقول برنهارد شكنلمان، مدير خدمات المعادن النفيسة بـ«أرغور هيراوس»: «يريد الناس داخل أوروبا ذهبا ماديا كي يخزنوا بأنفسهم دون تسجيل وثائق». وفي الأغلب لا تعرف الشركة المصير النهائي لقضبان الذهب التي تصنعها.