حاكم دبي: غيوم الأزمة العالمية انجلت عن دبي.. ولا تختصروا تجربتنا في الطفرة العقارية

رفض اعتبار دبي وأبوظبي دولتين منفصلتين.. مؤكدا أن هذا الحديث «عكس الواقع»

محمد بن راشد أكد أن أبوظبي ودبي دولة واحدة («الشرق الأوسط»)
TT

جملة من القضايا الجدلية التي حسمها حاكم دبي، أمس، بعد صمت طويل، سواء كانت اقتصادية، وهي الغالبة، أو سياسية، والمتعلقة بعلاقات دبي وأبوظبي، لعل أبرز ما تحدث به عندما أكد أن الأسوأ من الأزمة المالية العالمية قد مر على إمارته، رافضا في الوقت ذاته اختصار تجربة دبي الاقتصادية في الطفرة العقارية فقط، في حين كان الحسم الأشد عندما رفض أي حديث من قبيل أن دبي وأبوظبي دولتان منفصلتان أو تسيران في اتجاه متعاكس، مؤكدا أنه «حديث عكس الواقع»، ومطالبا أصحاب هذه الأطروحات بـ«الصمت».

وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في كلمة مكتوبة خلال افتتاحه، أمس، أعمال المؤتمر الثاني للشركات الاستثمارية والمستثمرين العالميين، الذي ينظمه بنك «أوف أميركا ميريل لنش»: «إنني واثق من أن الأسوأ قد مر، وأن أقتم غيوم الأزمة الاقتصادية قد انجلت، وأن دبي أصبحت الآن مع بزوغ مؤشرات تعافي الاقتصاد العالمي في وضع يسمح لها باستثمار قواها الكامنة والمتأصلة في ذاتها لخوض جولات جديدة في سباقها نحو».

وعندما بدأت غيوم الأزمة المالية العالمية تهب على العالم منتصف العام الماضي، تعرضت دبي للكثير من الضرر من هذه الأزمة، غير أن الإمارة تمكنت من الصمود في مواجهة فترات قاسية خلال العام الحالي والعام الذي سبقه، قبل أن يؤكد حاكم الإمارة، أمس، وبصورة قطعية، أن دبي رمت الأسوأ خلف ظهرها، في رسالة قوية أراد الشيخ محمد بن راشد إيصالها لكبار المستثمرين الذين كانوا في طليعة حضور المؤتمر الاستثماري، أمس.

ولكن لماذا لم تتحرك دبي بسرعة أكبر في اتجاه معالجة آثار الأزمة العالمية؟ يجيب الشيخ محمد بن راشد، أمام جمع من المستثمرين حضروا المؤتمر: «آثرنا التريث على الاندفاع لحرصنا على ضمان تعزيز إمكانات مؤسسات الأعمال الرئيسية في دبي لإعادة هيكلتها بنحو يمنحها القوة والقدرة على التأقلم مع الواقع الجديد للاقتصاد، الذي خرج من أتون الأزمة ليفرض على الاقتصاديات الكبرى معدلات نمو أبطأ، ويفتح آفاقا واعدة أمام أسواق ناشئة كالهند والصين ضمن مرحلة ستتنامى فيها أدوار وأهمية تلك الأسواق».

وكان لافتا ما تحدث عنه حاكم دبي بصراحة عن العلاقات بين إمارتي أبوطبي ودبي، وأن الأسرتين الحاكمتين، آل نهيان وآل مكتوم، هما أسرة واحدة وتربطهما أواصر القربى والدم، «وجذورنا واحدة ولا يمكن فصم عرى هذه الصلات، فمن يتكلم عن أبوظبي ودبي كدولتين منفصلتين أو كإمارتين تسيران في اتجاهين معاكسين، أقول لهؤلاء اصمتوا ولا تتفوّهوا بما هو عكس الواقع تماما، لأننا دولة واحدة نفتخر برئيسنا، أخي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ونحن فخورون بدولتنا وبشعبنا، وشعبنا فخور بقيادته وحكمتها وعروبتها وأصالتها».

ورد الشيخ محمد بن راشد على «من يعتقد أن اقتصاد دبي وقصة نجاحها التنموية.. كانت قاطرتنا الوحيدة مشاريع التنمية العقارية»، مضيفا: «هو شخص جافاه الصواب ولا أحد ينكر وجود طفرة عقارية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.

ولكن من الإجحاف اختصار تجربة دبي في تلك المشاريع فحسب، مهما كانت ضخامتها، فقصة نجاح دبي التنموية أوسع نطاقا وأكثر عمقا وتنوعا من الناحية الاستراتيجية».

ووفقا للرجل الثاني في الإمارات، فإن الأزمة أثرت على شرق العالم وغربه وشكلت حدثا اقتصاديا كونيا وتأثرت بها اقتصادات العالم الكبرى قبل أن تمس أسواقه الناشئة، مضيفا: «خلفت تداعياتها واقعا اقتصاديا على مستوى العالم، وكانت تأثيراتها على الاقتصاديات المنفتحة أكثر وطأة من نظيرتها المنغلقة والأقل ارتباطا وتفاعلا مع الأسواق الدولية».

وفي ما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها دبي لمواجهة الأزمة المالية، قال الشيخ محمد بن راشد إن إمارته قامت باتخاذ تدابير لازمة للتعاطي مع النتائج الناجمة عن تقلص الاقتصاد العالمي وانكماش الأسواق، «ولم تكن مبادرات دبي في هذا الاتجاه بمعزل عن الخطوات الجادة والمهمة التي قامت بها الدولة في هذا الخصوص، فكما تعلمون أن دبي جزء لا يتجزأ من اتحاد دولة الإمارات».

وشدد رئيس مجلس الوزراء الإماراتي على أن الأزمة العالمية على الرغم من تأثيراتها الوقتية فإنها «لن تثني دبي عن طموحها التنموي، ولن تزيحها عن موقعها الريادي، ولن تبعدها عن دورها الفاعل في ساحة الاقتصاد العالمي، ولن تفت من عزم أبنائها وتصميمهم على مواصلة مسيرة التطوير».

وأضاف: «ومع أنني أتفق مع من يقول إن الكلام سهل، وإنه المحك الحقيقي في التطبيق، فإن ثقتي كاملة في قدرتنا على الفعل، والدليل على ذلك الإنجازات التي تقف واضحة للعيان على أرض دبي، فهي خير برهان على واقعية تلك القناعة التي لم تأت من فراغ أو تستمد وجودها من آمال براقة وفي ذات الوقت خاوية».

وبحسب الشيخ محمد فإن خيار دبي الاستراتيجي «هو أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، مع حرصنا على تطوير نموذج تنموي يضمن لنا القدرة على مواجهة التحديات بأسلوب مرن وفعال يضع الإنسان في مقدمة أولوياته».

ويعتمد الشيخ محمد بن راشد في ثقته الكبيرة على قدرة دبي على تجاوز الأزمة، على ما يقول عنه إنها حقائق تستند إلى واقع ملموس، ملمحا إلى أن هناك من سعى تناسيها وإغفالها «عندما أطلق أحكامه المسبقة على دبي وإمكانات تخطيها لموقف فرضته ظروف دولية لم تكن دبي استثناء منها».

أما الحقائق التي اعتمد عليها حاكم دبي في أن تكون الحصن الحصين والدرع الواقية من آثار الأزمة المالية العالمية، فأعتبر أن أولها هو أن الأزمة العالمية لن تزحزح دبي عن موقعها الجغرافي المتميز في قلب العالم كحلقة وصل لا غنى عنها بين شرقه وغربه، فيما أعتبر أيضا أن توافر البنية الأساسية وشبكات الربط الجوية والبحرية عالية الأداء تدعم قدرة الإمارة على النفاذ إلى أسواق المنطقة وتحقق الارتباط الفعال مع أطرافها، حيث أعدت دبي عدتها لذلك.

وساق الشيخ محمد بن راشد أيضا عوامل اقتصادية اعتبرها ضمن الحزمة التي استفاد منها اقتصاد الإمارة في أسوأ فترات الأزمة المالية، ومنها ميناء جبل علي «السادس بين أكبر موانئ العالم، والأكبر في منطقة الشرق الأوسط، أما مطار دبي الدولي فهو يأتي أيضا سادسا بين أكبر مطارات العالم من ناحية المسافرين حيث يخدم (مائة وخمسة وعشرين) شركة طيران تسير رحلات إلى أكثر من (مائتين وعشر) وجهات سفر في القارات الست، وعند اكتمال العمل في مطار آل مكتوم الدولي سيحتل المرتبة الأولى بين أكبر مطارات العالم بطاقة استيعابية تصل إلى (مائة وستين مليون) مسافر و(اثني عشر مليون) طن من البضائع سنويا، مع كونه مجهزا لاستقبال طائرات السفر والشحن العملاقة.

ولفت الشيخ محمد بن راشد إلى أن العالم شهد لنجاح دبي كسوق مالية متكاملة الأركان تتوسط الأسواق العالمية الكبرى من نيويورك ولندن، غربا، إلى هونغ كونغ وطوكيو، شرقا، لتمثل حلقة وصل مركزية تستند إلى هياكل تنظيمية مهمة من أبرزها مركز دبي المالي الذي نجح في كسب احترام وتقدير المجتمع المالي الدولي بنظامه القانوني العالمي.

كما أشار إلى مدن دبي للإنترنت والإعلام والاستوديوهات وقرية المعرفة والمدينة الأكاديمية ومجمع دبي للتقنيات الحيوية ومنطقة دبي للتعهيد «وغيرها من المشروعات النوعية التي قصدنا بها إقامة قواعد ومنصات انطلاق لاقتصاد المعرفة على أرض دبي وهي إنجازات نفخر بتحقيقها ولكنها ليست كل شيء، فالمزيد آت».

وفي ما يتعلق بالشريحة الثانية من برنامج السندات التي أطلقتها دبي في أبريل (نيسان) من العام الحالي، واكتتب في الشريحة الأولى كاملة المصرف المركزي الاتحادي، أكد حاكم دبي أن هذه الشريحة، التي تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار، ستلقى إقبالا واسعا وستحقق نسب اكتتاب عالية، لافتا إلى أنه سيتم توجيهها بشكل مباشر نحو تسوية التزامات الإمارة على مدار السنوات القليلة المقبلة.

ويقول نائب رئيس الإمارات إنه على مدار السنوات العشرين الماضية حافظت دبي على معدلات نمو صحية، «وقد استفاد بشكل كبير الكثيرون كنتيجة مباشرة لهذا النمو، إلا أن التباطؤ الاقتصادي منحنا مهلة للتروي والتفكير والتأمل في ما حولنا. وربما كانت تلك المهلة ضرورية لالتقاط الأنفاس، والعمل على تجديد قدراتنا التنافسية قبيل مواصلة السباق، ولا ننكر أن الأزمة العالمية قد أقحمتنا في حالة من الصمت مخلفة وراءها فراغا معلوماتيا وجدت فيه الشائعات بيئة خصبة للرواج والانتشار، ويجب علينا أن لا نسمح بتكرار ذلك في المستقبل، فالوضوح والاتصال المفتوح والفعال... عناصر أساسية في بنيان الأمم الناضجة والمتحضرة».