مع تباطؤ حركة الشحن تخشى المصارف وشركات النقل عدم القدرة على التسديد

350 مليار دولار قروض قطاع الشحن الأوروبي

المصارف الأوروبية قاومت بصلابة إجراءات تخفيض الديون الخاصة بها المتعلقة بصناعة الشحن
TT

عندما أشهرت «إيستويند ماريتايم»، شركة ناقلات بحرية متوسطة الحجم، إفلاسها هذا الصيف، لم يلحظ الأمر سوى بضعة مصارف داخل الولايات المتحدة. إلا أنه داخل أوروبا، حيث تسيطر المصارف على أكثر من 350 مليارا من قروض تخص صناعة الشحن التي باتت الأخطار تتهددها على نحو متزايد، أثار عجز «إيستويند ماريتايم»، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، عن التعامل مع ديونها قلقا بالغا في مختلف أرجاء القارة. ويرى محللون أن انهيار الشركة، على الرغم من ضآلة أهميته، ربما يشكل بداية لمزيد من التداعيات في مجال صناعة الشحن البحري. وبالنسبة للمصارف الأوروبية التي تمر بظروف عصيبة، والتي تعاني بالفعل من فترة تعاف واهن للنشاط الاقتصادي واستمرار الخسائر بمجال العقارات، فإن ظهور فئة جديدة من القروض تحيط بها الشكوك يفاقم المخاوف من أنها تأتي في مرتبة متأخرة عن نظيراتها في الولايات المتحدة على صعيد جهود التغلب على الأزمة المالية. ففي بريطانيا، على سبيل المثال، حيث انكمش الاقتصاد بنسبة 0.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام، اضطرت الحكومة إلى ضخ 43 مليار جنيه إسترليني (71 مليار دولار) إضافية في بنكي «رويال بنك أوف أسكوتلند» و«لويدز»، اللذين يخضعان بصورة أساسية للسيطرة الوطنية، نظرا لاستمرار المشكلات فيما يخص القروض العقارية. وفي إسبانيا، حيث تقدر القروض للشركات العاملة في قطاع العقارات بما يقرب من 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ويتنامى إجماع في الرأي حول أن الكثير من المصارف تعمد إلى التقليل من قيمة محافظ قروضها المتداعية. الآن، زادت المخاطر، ذلك أن المصارف التي تملك محافظ ضخمة ترتبط بصناعة الشحن ـ بينها «المصرف الملكي الأسكوتلندي» و«لويدز» و«إتش إس إتش نوردبانك» و«كومرز بانك» في ألمانيا ـ يمكن أن تواجه تخفيضات في القيمة مع معاناة مالكي الشاحنات والسفن من انحسار معدلات التأجير بسبب انحسار التجارة العالمية بنسبة 25 في المائة. في هذا الصدد، قال سكوت بوغي، محلل لشؤون المصارف الأوروبية لدى «ستاندرد آند بورز»: «عادة ما تبلغ إجراءات العجز عن سداد القروض ذروتها بعد عام من وصول دورة النشاط الاقتصادي إلى النقطة الدنيا. داخل الولايات المتحدة، اتسمت المشكلات المتعلقة بالديون بوتيرة أسرع، وهبط النشاط الاقتصادي إلى القاع قبل نظيره في أوروبا». جدير بالذكر أن «إتش إس إتش نوردبانك»، إحدى المؤسسات البارزة في مجال تقديم القروض إلى صناعة الشحن، خصص ما يقرب من 800 مليون دولار لتغطية قروض قطاع الشحن، وتلقى المصرف بالفعل دعما ماليا من مالكيه، وهما ولايتا هامبورغ وشليزفيغ هولشتاين يقدر بـ13 مليار يورو (19.4 مليار دولار).

في الوقت الذي تبدو حركة التجارة العالمية في تحسن تدريجي، من المتوقع أن تقلص الكثير من السفن التي سبق تقديم طلبات بشأنها من إمكانية استرداد الأسعار. في هذا السياق، قال أنتوني بي. زولوتاس، المصرفي المعني بصناعة الشحن لدى «يوروفين» في أثينا: «تكمن المشكلة في أنه سيقع المزيد من حالات الإفلاس وإجراءات الحجز والمصادرة حال عدم إقدام مالكي السفن على تشغيلها. عند هذه اللحظة، سيضطرون إلى تسليم المفاتيح إلى المصرف والقول: نأسف لذلك، لكننا لم نعد قادرين على القيام بذلك». الملاحظ أن المصارف الأوروبية قاومت بصلابة إجراءات تخفيض الديون الخاصة بها المتعلقة بصناعة الشحن. وتعترف هذه المصارف بأن قطاع الشحن العالمي يجابه مشكلات، لكن طالما استمرت الشركات في سداد فوائد على القروض ـ الأمر الذي لا تزال في معظمها تقوم به ـ ستبقى المصارف راضية ولن تكون هناك حاجة لإعدام الديون. من ناحيته، قال لامبروس فارنافيدز، الذي يتولى الإشراف على القروض لدى «رويال بنك أوف أسكوتلند»: «يتميز دفتر حساباتنا بوضع ممتاز، وحتى اليوم لم نضطر إلى تخصيص اعتمادات هذا العام تتعلق بخسارة واحدة». وأضاف أن هذا الوضع ربما يتبدل حال «استمرار انخفاض السوق أو إصابتها بضعف أكبر». لكنه أردف موضحا أنه يتوقع استرداد مثل هذه الاعتمادات بمجرد استعادة الأسواق عافيتها. بيد أنه في الوقت الذي تدفع المنافسة على النشاط التجاري عوائد الشحن إلى أقل من تكاليف توجيه السفن عبر المحيطات، يعتقد المحللون أن مالكي السفن ربما يتحولون قريبا إلى ثاني مجموعة من المقترضين تعجز عن إدارة ديونها. ويرى كثيرون أوجه تشابه بين أسلوبي المصارف في الولايات المتحدة وأوروبا المتميز بتفاؤل شديد تجاه إقدامها على رهون مرتفعة المخاطر في أواخر عام 2006 ومطلع عام 2007. على الرغم من أن حجم ديون صناعة الشحن لا يقارن بالضمانات المتعلقة بالرهون السامة التي بلغت قيمتها تريليونات الدولارات التي أصابت الميزانيات في شتى أرجاء العالم، فإن الديناميكيات الرئيسة وراء تراجع قيمة الشحن وتفاقم الديون تتشابه إلى حد كبير على الجانبين. من جهته، قال كاتو براهد، المحلل لدى «تفتن أوشن» وهو صندوق تحوط متخصص في مجال صناعة الشحن، إن التاريخ يوضح أنه كلما زادت قوة الازدهار الاقتصادي المعتمد على التجارة، طال أمد دورة الانحسار التي تعقبه، مع احتمالات استمرار التراجع بين ثلاث وعشر سنوات. يذكر أن التراجع الراهن بدأ عام 2008، ويعتقد براهد أنه بعد ما وصف بأكبر إجراءات حجز على مر التاريخ، يوحي ذلك بأن الأسوأ بالنسبة لصناعة الشحن لم يأت بعد.

* خدمة «نيويورك تايمز».