ودائع المصارف العربية تريليون دولار تبحث عن فرص مؤاتية

المؤتمر المصرفي العربي.. الحريري يدعو الحكومات لتمكين المصارف العربية من الاستثمار

سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية متحدثا في افتتاح المؤتمر أمس ببيروت (إ.ب.أ)
TT

دعوة المصارف العربية إلى تولي الدور الريادي في توظيف الأموال العربية داخل البلدان العربية وفي مشاريعها الاستثمارية والإنمائية، شكلت محور المداخلات والنقاشات وستكون حكما في مقدم توصيات المؤتمر المصرفي العربي السنوي الذي بدأ أعماله أمس في بيروت بتنظيم من اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، بالتعاون مع البنك المركزي اللبناني وجمعية المصارف. وشارك سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، وراعي المؤتمر، توجهات المشاركين فاعتبر أن «التحدي أمامنا كحكومات هو أن ننجح في استقطاب المصارف العربية لتكون هي المحرك الأساسي للنمو والتنمية في بلداننا. ومسؤوليتنا اليوم أن نؤمن الاستقرار السياسي والتشريعي والإطار القانوني والمؤسساتي الملائم الذي يشجع المصارف العربية على تمويل المشاريع الاستثمارية. وهكذا نكون حافظنا على الرأسمال العربي في بلداننا».

وشدد على أن «لبنان يعيش اليوم انطلاقة جديدة في حياته السياسية والاقتصادية والإنمائية نأمل أن نشهد خلالها ازدهارا اقتصاديا يستفيد منه جميع اللبنانيين في كل لبنان»، لافتا إلى «أننا أمام مرحلة جديدة في لبنان تحمل في طياتها فرصا عديدة للنهوض إلى واقع اقتصادي جديد سيتمكن من خلاله اللبنانيون جميعا من الاستفادة من منافع الازدهار من خلال الاستثمار في خصوصيتنا الاقتصادية وتطوير ميزاتنا التفاضلية، وبالتالي تطوير طاقاتنا الإنتاجية والإبداعية». وأكد أن «لبنان يشهد اليوم انطلاقة جديدة في حياته السياسية والاقتصادية والإنمائية، انطلاقة تؤسس بإذن الله لمرحلة نشهد خلالها استقرارا مستداما وازدهارا اقتصاديا يستفيد منه جميع اللبنانيين، في كل لبنان». وأضاف «نحن اليوم في طور مناقشة مسودة البيان الوزاري لحكومة الوفاق الوطنية، وكما أكدت سابقا، نحن نريدها حكومة الوحدة ليس بالمعنى السياسي فقط، بل أيضا حكومة وحدة اقتصادية، اجتماعية وتنموية تعكس طموحات اللبنانيين. ونحن نريد للبيان أن يكون مقدمة حقيقية لإنجازات ينتظرها اللبنانيون في كافة المجالات، وذلك لتحسين مستوى معيشتهم وتأمين حياة أفضل لهم». ورأى أن «المؤتمر المصرفي العربي يكتسب هذا العام أهمية خاصة، لا سيما من حيث العناوين التي يتطرق إليها، في وقت لا يزال فيه تعافي الاقتصاد العالمي بطيئا، وفي وقت لا تزال فيه عودة النظام المالي العالمي إلى وضعه الطبيعي بعيدة. ولقد تأثرت بلدان منطقتنا كبقية بلدان العالم ولكن بدرجات مختلفة، في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية المستجدة من الأولوية بمكان العمل على خلق المناخ المؤاتي لتفعيل نشاط القطاع الخاص بهدف المحافظة على معدلات نمو مرتفعة وتأمين فرص العمل للآلاف من خريجينا. وفي إمكان المصارف العربية، نظرا للسيولة الكبيرة التي تتمتع بها، أن تلعب دورا مهما لجهة دعم وتمويل مشاريع القطاع الخاص والاستثمار العربي البيني، في كافة المجالات، سواء في مشاريع البنى التحتية أو المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ولعل التحدي الجديد الذي يواجه المصارف العربية اليوم هي أن تنجح في أن تكون شريكا أساسيا في عملية التنمية الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة على المدى الطويل، والأهم من ذلك أن يكون النمو مستداما ومبنيا على أسس سليمة ومتينة تسمح بخلق وظائف جديدة للشباب العربي». واعتبر رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية عدنان يوسف أن «النمو الكبير الذي شهدته الاقتصادات العربية ترافق مع توسع قواعد المنظومة المالية العربية وخصوصا القطاع المالي والمصرفي، مما أدى إلى ارتفاع معدل نمو أعمال المؤسسات المصرفية التجارية والمصارف الاستثمارية المتخصصة وبروز كمي ونوعي للمؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية». وأكد أن «المصارف العربية تملك إمكانات مالية وتقنية وبشرية كبيرة، وهي تدير أكثر من 2,2 تريليون دولار من الموجودات، وتستند إلى قاعدة ودائع تفوق التريليون دولار، وتعمل بقاعدة رأسمالية تزيد على 200 مليار دولار، مما يؤشر لدور أكبر لها لجهة تنشيط الاستثمارات المحلية والإقليمية والعمل على المساهمة في إخراج الاقتصادات العربية من الأزمة».

وأشار إلى أن «الدول العربية باتت تحصل على حصة ضئيلة جدا من الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تشير التقارير إلى أن حصة الدول العربية من الاستثمار العالمي تقل عن 90 مليار دولار أي ما يقل عن 6 في المائة من الاستثمار العالمي فقط. يضاف إلى هذا، أن النسبة الأكبر من الاستثمارات العربية تتجه إلى الأسواق الخارجية. وهنا يبرز الدور المهم الذي يتوجب على المصارف العربية الاضطلاع به لتوجيه الإمكانات العربية الضخمة إلى الاستثمار في القطاعات المنتجة والمشاريع داخل الإطار العربي». وركز رئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي للمصرفيين العرب ورئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور جوزف طربيه على التغييرات الاستراتيجية التي فرضتها الأزمة المالية الدولية حيث «هزت أقوى الكيانات الاقتصادية، وضربت في ما ضربت، مقومات ومؤسسات طالما اعتقدنا أن متانتها أقوى من أي خضات، وتضررت من جراء ذلك استثمارات عربية في الأسواق المحلية والأسواق الدولية ضررا بالغا. كما حصل تبدل في الوزن الاستراتيجي لعدد من الدول بحيث أخذ ثقل بعضها يزداد على حساب البعض الآخر، مع نشوء قوى كونية جديدة كالصين والهند، وعودة روسيا إلى الساحة الدولية كقوة عظمى».

وقال إن «تداعيات الإعصار المالي المحققة والمرتقبة الممتدة حكما إلى منطقتنا واقتصاداتنا وفقا لمدى انخراطنا في الاقتصاد العالمي، تستدعي منا تزخيم تحركاتنا في ساحتنا وأسواقنا الوطنية وعبر الحدود بهدف تنسيق الجهود الآيلة إلى حصر الأضرار ودرء ما أمكن منها، فنكون بالتالي مشاركين في معالجة ما يعنينا من الأزمة بدلا من أن نصبح من ضحاياها، وإننا نتطلع من خلال تحركاتنا وكل التحركات الموازية، إلى مناقشة ووضع خريطة طريق عربية يأتي في مقدمتها تنقية الفرص الاستثمارية المتوافرة في البلدان العربية وتظهيرها. ومعاونة الحكومات على التطوير المنهجي لمناخات الاستثمار وإزالة أي تحفظات عن مساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإفادة مما هو متوقع من حدوث نزوح مرتقب للاستثمارات من الأسواق غير المأمونة، إلى أسواق أخرى أكثر أمانا وأقل مخاطرة، يمكن أن يشكل عالمنا العربي واحدا منها». ودعا إلى «العمل على تطوير الأسواق المالية وخلق صناديق استثمارية متخصصة بتمويل المؤسسات المتوسطة والصغيرة، ومساعدتها على تطوير قدراتها الاستثمارية والإنتاجية، وإننا في هذه المناسبة ندعو إلى اعتبار العام 2010 عام الاستثمار في البيئة والمياه والطاقة، وتحسين مجتمعاتنا ومقومات تطوير أجيالنا القادمة، حيث لم يعد قياس رفاهية الفرد يرتكز على متوسط الدخل الفردي، بل على عوامل عديدة أخرى مثل الرعاية الصحية وتأمين التعليم والعناية بالبيئة». واعتبر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «العالم يتطلع إلى العام 2010 كعام سيتم خلاله الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية. وإن الخروج من هذه الأزمة تأتى عن ضخ السيولة من قبل الحكومات التي تشكل مجموعة الدول العشرين ونتيجة توسع ميزانيات المصارف المركزية لهذه الدول. وقد أدى هذا الأمر إلى انتقال الأصول المسمومة أو المشكوك بقيمتها السوقية من القطاع الخاص إلى القطاع العام، مع ما ترتب على ذلك من ارتفاع للمديونية وضخ للسيولة بكميات لا سابق لها تاريخيا. كل ذلك سوف يخفض القدرة الشرائية للعملات الأساسية عندما يعود النشاط الاقتصادي إلى طبيعته». وتابع «شجعت الفوائد المنخفضة إلى حد الصفر في المائة وتكاثر السيولة على الاستدانة في أسواق السندات، ونحن نشهد الآن عملية واسعة من الإصدارات بالسندات من قبل القطاع العام والقطاع الخاص عالميا. وتأتي هذه العمليات من خارج الجهاز المصرفي، وإن كانت مسوقة من قبله، واضعة المسؤولية الائتمانية مباشرة على عملاء هذه المصارف، بينما يغيب الائتمان عن العملاء الذين لا قدرة لهم على الإصدار في أسواق السندات العالمية». وأكد سلامة أن «تراجع الفوائد على الإصدارات الحكومية بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي، هو خير دليل على ثقة المتعاملين مع الأسواق المالية اللبنانية بمستقبل أفضل للوضع الائتماني ككل في بلدنا لبنان». وقال «هذه الثقة، نلمسها من خلال ارتفاع الودائع بنسبة 20 في المائة على أساس سنوي، ومن تراجع الدولرة إلى 66 في المائة مقابل 73 في المائة منذ سنة، ومن فائض في ميزان المدفوعات قدره 6 مليارات دولار أميركي حتى آخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومن ارتفاع في تحويلات المغتربين التي بلغت وفقا للبنك الدولي 7 مليارات دولار أميركي للعام الحالي، ومن اقتصاد بنمو فعلي بنسبة 7 في المائة وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي». وفي إطار المؤتمر الذي ينهي أعماله اليوم، منحت جائزة الرؤية القيادية في العمل المصرفي لرئيس مجلس وزراء مملكة البحرين الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وتسلمها نيابة عنه محافظ مصرف البحرين المركزي رشيد محمد المعراج وجائزة الريادة المصرفية لرئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور جاسم المناعي.