دبي: تغييرات بين كبار المسؤولين.. والسؤال الأكثر تداولا: الدور على من؟

ولي عهد دبي: الإمارة اتخذت إجراءات تصحيحية في أعقاب الأزمة المالية العالمية

ولي عهد دبي قال إن الإمارة اتخذت إجراءات تصحيحية في أعقاب الأزمة المالية العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

«الدور على من؟» هذا ما يدور همسا في دبي، ويعنى به على من ستدور الدائرة في تغييرات كبار المسؤولين التي تحدث فجأة في الإمارة، دون أي مقدمات أو حتى ملامح لهذا التغيير أو ذاك. ولم يكن التغيير المفاجئ الذي أجراه حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أول من أمس، بإعفائه محافظ مركز دبي المالي العالمي الدكتور عمر بن سليمان، بصورة لم تكن متوقعة، إلا مؤشرا على أن دبي مستمرة في تغييرات على مستوى كبار المسؤولين فيها، مما يزيد من تكهنات الشارع المحلي والمراقبين بسؤال لا أحد يعرف إجابته: على من سيكون الدور هذه المرة؟.

وقبل نحو أسبوع من إعفاء الدكتور عمر بن سليمان، وهو بالمناسبة كان أيضا نائبا لرئيس مجلس إدارة مصرف الإمارات المركزي، كان محافظ مركز دبي المالي العالمي السابق، يحضر مؤتمرا كبيرا في عاصمة الضباب، ويروج لجاذبية اقتصاد إمارته، وبحسب مصادر فإنه مارس أعماله المعتادة حتى نهاية عمله يوم الخميس الماضي، قبل أن يخرج لإجازة أسبوعية، كان من المفترض أن لا تزيد عن يومين، ويعود إلى مكتبه في المركز المالي العالمي اليوم الأحد، غير أن إجازته ستطول بعد قرار إعفائه المفاجئ له وللمراقبين بطبيعة الحال.

وتم تعيين الوزير السابق لحقيبتي الشؤون المالية والصناعة ثم المواصلات أحمد حميد الطاير، محافظا لمركز دبي المالي العالمي، بدلا من الدكتور عمر بن سليمان، الذي كان يستلم دفة المركز منذ سنوات. وأنشأت حكومة الإمارة مركز دبي المالي العالمي في 2002 بهدف تحويل دبي إلى مركز عالمي على غرار سنغافورة وفرانكفورت.

وعلى الرغم من أن التغييرات في السلم الإداري لحكومة دبي، أو في الشركات التابعة بها، تعد أحد المسلمات في إدارة عمل حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولم تكن جديدة في طريقتها أو حتى في توقيتها، فإن وتيرتها زادت بشكل أكبر منذ بدء الأزمة المالية العالمية منذ سنة ونصف العام تقريبا. فمن جهة بدأت حملة حكومية شرسة لتطهير الإدارات الحكومية من الفساد الذي وصلت قضاياه للقضاء (لم يتم الحكم في أي قضية حتى الآن)، ولحق بمجموعة ليست باليسيرة من كبار مسؤولي الشركات، واستمرت سلسلة الإقالات تتوالى بين مسؤولي دبي، سواء من اتهموا بالفساد، أو حتى أولئك الذي تم تغييرهم، مع التأكيد على أنه لا علاقة لهم بأي مخالفات قانونية، ويكتفي عادة بالتصريح بأن هذه التغييرات هي إدارية بالدرجة الأولى، لكن غياب الأسباب الحقيقية للتغيرات تفتح باب التساؤل حول توقيت وقـــوة هذه التغييرات.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعفي ناصر الشيخ مساعد ديوان حاكم دبي للشؤون الخارجية، بعد نحو شهر من تعيينه في هذا المنصب. وكان الشيخ قد عين مديرا عاما لدائرة المالية في سبتمبر (أيلول) 2008، لكنه لم يستمر طويلا في منصبه هذا، قبل أن ينقل لديوان الحاكم، ثم يعفى من جميع مناصبه، علما أن الشيخ أستبعد من الدائرة المالية لدبي، بعد يوم واحد من عرضه لخطوط عريضة لكيفية تغلب دبي على الأزمة المالية وخطة لإنعاش الإمارة في المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت.

وكان ناصر بن حسن الشيخ، يعد من أبرز الشخصيات التنفيذية نفوذا في دبي خلال السنوات القليلة الماضية، ويحظى بقدر كبير من الاحترام والتقدير لدوره القيادي في مجموعة من أبرز شركات القطاعين العام والخاص، ومنها شركات مدرجة في سوق دبي المالي. ولعب بن الشيخ، دورا حيويا في الجهود الرامية إلى تحقيق الرؤية المستقبلية بعيدة المدى لدولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد التنوع والنمو الاقتصادي، وذلك من خلال إشرافه على محفظة واسعة من الشركات التي تنشط في مجالات التمويل والتطوير العقاري والتعليم ومنتجات الادخار وتجارة التجزئة والعمليات المصرفية للشركات، إضافة إلى الطيران.

وأكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في تصريحات سابقة أنه لن يتردد في «إعفاء» أي وزير أو مسؤول يقصر في القيام بمسؤولياته، مشددا على «أن المسؤولية عبء وأمانة وشرف، ومن يقبل بها عليه أن يكون أهلا لها».

وفي ظل التحفظ الذي يبديه مسؤولو إمارة دبي، عن التعليق عن هذه الإقالات أو الإعفاء لمسؤولين تنفيذيين كبار، فلا يعرف ما إذا كانت هذه التغييرات التي تطال مسؤولين تنفيذيين كبار في الحكومة المحلية، تتم عبر استراتيجية روتينية لتغيير مراكز قوى في الإمارة، أم أنها تستهدف تغيير أوضاع معينة لا تنال رضى أو قبول حاكم الإمارة الذي دائما ما يعلن أن كافة المسؤولين عرضة للتغيير إذا ما أخلوا بواجباتهم الوظيفية.

لكن مسؤولا كبيرا في أحد الشركات الحكومية في دبي، رفض بشدة ذكر هويته، قال لـ«الشرق الأوسط» إن التغيرات التي تجريها دبي «هي طبيعية ولا ينبغي وضعها في مسار غير مسارها الإداري.. فالتغيرات تجرى في دبي وغيرها من الدول، ومن يعرف دبي فإنه يعرف أيضا أن الشيخ محمد بن راشد، لا يتوقف عن التغييرات سواء باتجاه أعلى السلم الإداري، أو حتى بتغيير من انتهت مهام عملهم وجاء الدور على غيرهم لاستكمال المسيرة.. دبي لا تتوقف على هذا المسؤول أو ذاك وقاطرة التطوير مستمرة بأبناء دبي أيا كانوا».

إلى ذلك، في إطار التغييرات التي تجريها حكومة دبي على هيكلة مؤسساتها الاقتصادية الكبرى، أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مرسوما، تم من خلاله اعتماد تشكيل جديد لمجلس إدارة مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية التي يرأسها الشيخ محمد نفسه، وشمل التشكيل الجديد، الذي صدر يوم الخميس الماضي، ونشر على الموقع الإلكتروني لحاكم دبي، تعيين ابني حاكم دبي الشيخ حمدان بن محمد ولي العهد، والشيخ مكتوم بن محمد نائب الحاكم، في عضوية المجلس الجديد.

كما يضم المجلس في تشكيلته الجديدة كلا من: الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس مجلس إدارة طيران الإمارات، ومحمد إبراهيم الشيباني مدير ديوان حاكم دبي، والرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، وأحمد حميد الطاير المحافظ الجديد لمركز دبي المالي العالمي، فيما خرج من المجلس كل من: محمد القرقاوي رئيس شركة «دبي القابضة» ومحمد العبار رئيس شركة «إعمار العقارية» ومدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في دبي.

وخلال افتتاحه مساء أول من أمس لقمة الأجندة العالمية التي تقام في دبي، نوه الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد الإمارة بما وصفه بالإجراءات التصحيحية التي اتخذت على أثر الأزمة العالمية، «حيث قمنا بإعادة هيكلة لعدد من الشركات والمؤسسات بما يتلاءم ومتطلبات المرحلة الجديدة» مضيفا «لقد أعدنا ترتيب جدول أعمالنا بما يعزز قدرتنا على النهوض بخطط التنمية وصنع المستقبل الواعد وأنجزنا مشاريع عملاقة في مواعيدها فيما يستمر العمل في مشاريع خططنا الاستراتيجية المدرجة على الأجندة، خاصة في قطاعات السياحة والنقل الجوي والبحري والسكك الحديدية والطاقة المتجددة والطاقة النووية للاستخدامات السلمية».

وبعيدا عن القرارات التي تستهدفها حكومة دبي في تغييراتها، فإن مراقبين يرون أن هذه التغييرات لا تؤثر على العمل الجماعي الذي تقوم به الحكومة أو شركاتها التابعة، باعتبار أن هيكلة دبي تعتمد على المؤسساتية أكثر من اعتمادها على الأشخاص، وبالتالي فإن أي خطة للتغييرات لن تؤثر سلبا على خطط الإمارة مستقبلا، حيث إن هؤلاء الأشخاص يقومون بأعمال سيقوم خلفهم بنفسها، وهو ما يدلل عليه هؤلاء بأن أيا ممن طالته التغييرات على مر السنوات السابقة خلف مع غيابه فراغا إداريا لم يستطع من جاءوا بعدهم القيام بها.