مؤتمر «ما بعد الأزمة» ناقش علاقة المقاولة بالمواطن وتوج بإصدار «إعلان مراكش»

شارك فيه وزراء وخبراء اقتصاديون وإداريون ورجال أعمال من 60 دولة

الأمير فيليب ولي عهد بلجيكا يلقي كلمته، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوزاري بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

توجت أشغال المؤتمر الوزاري الرابع لمبادرة دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أجل الحكم الرشيد والاستثمار، الذي اختتمت فعالياته أمس في مراكش، بمشاركة وزراء وخبراء اقتصاديين وإداريين ورجال أعمال من 60 دولة، بإصدار «إعلان مراكش»، الذي سيحدد الأولويات ويرسم التوجهات الاستراتيجية للمبادرة خلال السنوات المقبلة. وهو إعلان، سيكون بحسب المنظمين، بمثابة التزام بين دول المنطقة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمواصلة الإصلاحات في ميدان الحكامة العمومية وتحسين مناخ الاستثمار، وكذا العمل المشترك من أجل التقليل من الآثار السلبية للأزمة على النمو الاقتصادي وفرص الشغل والإعداد لما بعد الأزمة.

وترأس أشغال المؤتمر، الذي تمحور حول «ما بعد الأزمة: المقاولات والمواطنون في صلب اهتمامات السياسات العمومية»، ونظمته وزارة الشؤون الاقتصادية والعامة ووزارة تحديث القطاعات العامة بالمغرب، كل من عباس الفاسي، الوزير الأول المغربي (رئيس الوزراء) وأنخيل كوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى الأمير فيليب ولي عهد بلجيكا، ومحمود محيي الدين، رئيس برنامج الاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ووزير الاستثمار المصري.

وقال عباس الفاسي في كلمته أمام المؤتمر، إن «الظرفية الحالية تتميز بتضافر جهود مختلف البلدان، سواء في إطار المنتظم الأممي أو في باقي المنتديات الدولية والإقليمية، بغية العمل جنبا إلى جنب، على تخطي آثار الأزمة على الاقتصاديات الوطنية، وجعل العنصر البشري محورا للنظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي ينبغي أن ينبني على أسس تراعي التوازن بين رهانات النمو من جهة، وحاجات التنمية البشرية لفائدة شعوب المعمور، من جهة ثانية».

وأكد الفاسي أن «التوازن الاقتصادي والاجتماعي، بين المقاولة والمواطن، هو الدرس الكبير الذي يجب استخلاصه من تداعيات الأزمة»، داعيا إلى «إعطاء الأولوية للمقاولة والمواطن في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية والاستراتيجيات الاقتصادية التي نسعى إلى تطويرها من أجل تنمية بشرية مستدامة»، مع «تشجيع الاستثمار والمسؤولية الاجتماعية للمقاولة في اتجاه تشييد المشروع المجتمعي المتوازن والمتضامن».

ورأى الفاسي أن «الأزمة العالمية أبانت عن ضرورة العمل المشترك من أجل مواجهة التحديات والعمل على توفير فرص جديدة للاستثمار»، مشددا على أنه «من أجل الخروج من الأزمة واستشراف بوادر الانفراج التي بدأت تلوح في الأفق، لا بد من التفكير، وبطريقة مغايرة، في إشكالية التنمية، مع الأخذ بعين الاعتبار، التوازنات الإيكولوجية وتطوير التكنولوجيات النظيفة، والاقتصاد القائم على المعرفة، لتفادي منزلقات الماضي، مع اعتماد عناصر النزاهة والشفافية والمنافسة الشريفة والعادلة، وفتح اقتصادياتنا على الاستثمار العالمي، مع إعادة التأكيد على العنصر المركزي في اقتصادياتنا، ألا وهو الرأسمال البشري، الأمر الذي يستدعي مواكبة مبادرة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية».

إلى ذلك، ركزت كلمات كل من الأمير فيليب، ولي عهد بلجيكا، وأنخيل غوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومحمود محيي الدين، على تداعيات الأزمة العالمية.

وقال ولي عهد بلجيكا: «بدون ثقة، لا يمكن أن يكون هناك استثمار، وخاصة ما يرتبط باقتصاد السوق، ما دام أن الأمر يتعلق برهان حول المستقبل. بالنسبة للمستثمر، تبقى الثقة في جودة واستقرار العلاقات التعاقدية ومناخ الاستثمار شروطا أساسية للاستثمار».

وتميزت أشغال المؤتمر بتولي المغرب، إلى جانب إسبانيا وبلجيكا، رئاسة مبادرة دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد انتهاء ولاية مصر والمملكة المتحدة.

واكتسى مؤتمر مراكش أهمية خاصة، على اعتبار أن الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبقى متفاوتة من بلد لآخر، وبالتالي فالتصدي لتداعيات الأزمة يتطلب، حسب الأرضية التي تم توزيعها على المشاركين، اعتماد اختيارات سياسية حكيمة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، من خلال تعزيز الآفاق الاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد، بفضل توطيد الشراكة مع اقتصاديات الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وذلك من خلال تحقيق نمو مطرد وفرص شغل كافية لاستيعاب الفئات الشابة والحيوية داخل بلدان المنطقة.

وسعى المنظمون إلى اقتراح وصياغة أجوبة ذات بعد استراتيجي إزاء السياق الاقتصادي الدولي، وتأكيد الحاجة الملحة لحلول ناجحة وعملية للأزمة، في أفق تأمين نمو اقتصادي وتوفير فرص أفضل للمواطنين، وخاصة الأكثر ضعفا.

وامتدت أشغال المؤتمر على مدى يومين، حيث خصص يوم أول من أمس لـ«منتدى الحكامة» و«منتدى المقاولات» و«قمة النساء والمقاولات»، التي مهدت كلها للمؤتمر الوزاري، الذي تواصل يوم أمس، قبل أن يتوج بعرض الإعلان الوزاري والمصادقة عليه.

وتميز المؤتمر الوزاري بتنظيم ثلاث جلسات، الأولى، تناولت موضوع «استجابة السياسات خلال فترة ما بعد الأزمة»، والثانية « نتائج الإصلاحات الإقليمية والمستقبلية»، توزعتها ورشتان وزاريتان: «ورشة الإدارة الرشيدة» و«ورشة الاستثمار ومناخ الاستثمار»، أما الجلسة الثالثة، فخصصت لعرض الإعلان الوزاري والمصادقة عليه.

وتمحور «منتدى الحكامة»، حول «رفع تحديات الحكامة من أجل اقتصاد أقوى وأسلم وأكثر عدلا». وسجل المشاركون وجود هوة كبرى بين النظام المؤسساتي والسلوكات، وطالبوا بإيجاد آليات فاعلة للحكامة العامة، تمكن من توفير إطار ملائم للتنمية البشرية، كما شددوا على أهمية التوعية وتفعيل آلية التتبع في الإصلاح المؤسساتي، كما دعوا إلى النهوض بقيم المرفق العام والتدبير المحكم للموارد العمومية، الذي أصبح ضرورة ملحة لتطوير الحكامة وتأمين اقتصاد منفتح وتشاركي بغية إشراك وخدمة الفئات الأكثر هشاشة.

وتميزت الجلسة الخاصة بـ«بقمة النساء المقاولات»، بكلمات أحمد رضا الشامي، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات لحديثة بالمغرب، ومحمد ثامر، نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وأنخيل غوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وميلان فيرفير، السيرة المتجولة المكلفة بقضايا المرأة في العالم، بوزارة الخارجية الأميركية.

وتناولت الجلسة الكيفية التي يمكن بها لحكومات منطقة شمال أفريقيا أن ترفع من مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي، في إطار استراتيجية تروم خلق فرص الشغل وتحقيق النمو الاقتصادي، واتخاذ التدابير الملموسة، التي يمكن اعتمادها من أجل تذليل العقبات التي تعترض عمل المقاولة والشغل.

وركز «منتدى مقاولات منطقة شمال أفريقيا ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية» على دور الشركات في مرحلة ما بعد الأزمة، من خلال الدروس التي يمكن لمجتمع الأعمال أن يستخلصها من الأزمة، والكيفية التي يمكن للحكومات أن تجسد الدروس لمستقبل المنطقة، وأين يبدأ تدخل الحكومات وأي ينتهي، وإلى أي حد تأثرت مصارف المنطقة بالأزمة العالمية، وإن كان هناك تأثير بين المصارف العامة والمصارف الإسلامية، ومدى تأثير ذلك على قدرتها على التمويل في مرحلة ما بعد الأزمة، فضلا عن الفرص الممكنة لتحريك السيولة في المنطقة.

ويعتبر مؤتمر مراكش رابع اجتماع من نوعه، ينظم في إطار مبادرة «مينا» للحكامة والاستثمار، وهو يشكل مناسبة للوزراء المعنيين بالحكامة العمومية وسياسات الاستثمار، لمناقشة الخيارات الاستراتيجية الممكنة لرفع التحديات، خاصة تلك التي تطرحها الأزمة الاقتصادية العالمية، وإقرار التوجهات الاستراتيجية للإقلاع الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفرصة للحوار بين القطاعين العام والخاص حول سبل إصلاح وتحسين مناخ الأعمال وفتح فرص جديدة للاستثمار في ما بين دول المنطقة.