الإمارات: المصرف المركزي يتدخل في أزمة ديون دبي ويضع سيولة إضافية تحت تصرف البنوك المحلية والأجنبية

مصرفي لـ«الشرق الأوسط»: قرار المصرف المركزي بالتدخل كان متوقعا * «دبي العالمية»: رفضنا بيع أصول استثمارية بأسعار متدنية

حرص المركزي الإمارتي التدخل في هذا التوقيت ليمكن أسواق الدولة المالية من امتصاص صدمة الأزمة (رويترز)
TT

ظهرت أول من أمس ردود الفعل الإيجابية من قبل السلطات الإماراتية للتدخل في أزمة ديون «دبي»، بعد أن أعلن مصرف الإمارات المركزي وقوفه وراء البنوك الإماراتية، وكذلك فروع البنوك الأجنبية العاملة في دولة الإمارات، وذلك بطرحه تسهيلا جديدا للسيولة، ووضع سيولة إضافية تحت تصرف هذه البنوك، وهو الأمر الذي تسعى من خلاله السلطات الإماراتية لتأكيد وقوفها خلف المصارف المحلية في انكشافها على ديون شركة «دبي» العالمية.

وقال المصرف المركزي الإمارتي، مساء أمس، إنه أصدر إشعارا إلى البنوك الإماراتية وفروع البنوك الأجنبية العاملة في دولة الإمارات، يضع تحت تصرف هذه البنوك تسهيل سيولة إضافي خاص مربوط بحسابات البنوك الجارية لدى المصرف المركزي بسعر فائدة قدره 50 نقطة أساس فوق سعر اليبور للأشهر الثلاثة (سعر التداول بين البنوك في الإمارات).

ووفقا للمصرف المركزي فإن النظام المصرفي الإماراتي «أكثر متانة وسيولة منه قبل سنة (إبان عمق الأزمة المالية العالمية)، وأن ودائع البنوك الأجنبية بالإضافة إلى السندات قصيرة الأجل الصادرة من البنوك الإماراتية في أسواق المال العالمية قد انخفضت بنسبة 25 في المائة».

ويقول المصرف المركزي في الإمارات إن النظام المصرفي الإماراتي في مجمله يتكون من بنوك تجارية تخدم الأفراد «بقاعدة صلبة من الودائع المستقرة، وهذا الصنف من البنوك برهن على أنه أفضل صنف مقاوم لتداعيات الأزمة المالية العالمية».

ومن الموازنة المجمعة للبنوك تكون الودائع فيما بين البنوك للنظام المصرفي الإماراتي 10.3 في المائة، إلى جانب مطلوبات تمثل منها ودائع البنوك الأجنبية 5 في المائة.

من جانبه، قال مصرفي كبير في أحد بنوك أبوظبي لـ«الشرق الأوسط» إن تدخل المصرف المركزي بهذه الطريقة «سيساعد بشكل كبير في طمأنة الأسواق العالمية أيضا، فهو يعني أن الدولة لن تتخلى عن ديون (دبي) على الأقل في معظمها، كما أنه سيعطي البنوك المحلية إضافة قوية تقلل من التأثيرات السلبية التي تسبب بها قرار (دبي العالمية)».

وقال المصرفي الذي تحفظ على ذكر هويته «كان متوقعا تدخل المصرف المركزي.. أعتقد كانت المسألة كيف ومتى سيتدخل وإلا فإنه بالتأكيد لن يترك المصارف الإماراتية من دون تقديم مثل هذا الدعم».

وحرص المصرف المركزي للتدخل في هذا الوقت تحديدا، حتى يمكن للأسواق المالية في الإمارات (سوقي أبوظبي ودبي) امتصاص صدمة ديون «دبي العالمية»، ومن المتوقع أن تتأثر الأسواق المالية المحلية، التي تعاود عملها اليوم بعد إجازة عيد الأضحى واستمرت أربعة أيام، إلا أن حجم التأثر بالتأكيد سيكون أقل بعد تدخل المصرف المركزي، وإن كانت الأسواق المالية وحدها من يحدد ما إذا كانت خطوة المصرف المركزي كافية لطمأنتها، علما بأن المصرف المركزي في تدخله هذا لم يأت على ذكر ديون «دبي العالمية» من قريب أو بعيد.

وإذا كانت المسافة بين العاصمة الإماراتية أبوظبي وجارتها الصغرى لا تزيد على 150 كيلومترا، فإنها تبدو في أزمة ديون «دبي» الحالية أقرب من ذلك بكثير، فتدخل المصرف المركزي المستمر للمحافظة على التوازن الاقتصادي المطلوب، خصوصا في أوقات الأزمات المالية الصعبة، يعطي المستثمرين طمأنينة بأن الدولة الاتحادية لن تتخلى عن إمارة دبي في أزمتها الحالية، حتى وإن كان حديث المسؤول الحكومي في أبوظبي أمس الأول بأن دعم العاصمة الغنية لدبي سيكون مشروطا «وبحدود» قد أعطى نوعا من الضبابية حول الطريقة التي ستتم من خلالها المساعدة في التغلب على أزمة الديون الحالية.

وعلى الرغم من تأكيد الجهات الرسمية في الإمارات أن أبوظبي لن تتدخل في أزمة «دبي»، فإنه لا يمكن إبعاد الانطباع الذي يلمسه الجميع هنا في الإمارات بأن هناك تدخلا واضحا، وإن كان بطريقة غير مباشرة، من قبل الجارة أبوظبي لصالح شقيقتها الصغرى، حتى وإن كان مثل هذا الاتفاق غير مكتوب ولم يصرح به رسميا على الإطلاق.

وفي فبراير (شباط) الماضي اكتتب البنك المركزي للإمارات في أول شريحة من السندات أصدرتها «دبي» بقيمة عشرة مليارات دولار، وهي الشريحة الأولى من برنامج لإصدار سندات بقيمة 20 مليار دولار، ويوم الأربعاء الماضي اكتتب بنكان في أبوظبي في سندات مبلغ 5 مليارات دولار.

وطلبت حكومة دبي يوم الأربعاء الماضي تأجيل سداد ديون بمليارات الدولارات مستحقة على «دبي العالمية» وشركة «نخيل العقارية» التابعة لها، وذلك ريثما تجري عملية إعادة هيكلة لمجموعة «دبي العالمية»، في حين أن أول مستحق على «دبي العالمية» يحل في الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بقيمة 3.5 مليار دولار.

وتسبب قرار «دبي العالمية» بطلب تأجيل ديونها، المقدرة بنحو ستين مليار دولار لمدة ستة أشهر، في فوضى كبرى في الأسواق العالمية يوم الخميس الماضي، قبل أن تستعيد شيئا من خسائرها في اليوم التالي.

ويعتقد قطاع كبير من مسؤولي دبي أن الطريقة التي استقبلت بها الأسواق العالمية نبأ طلب تأجيل «دبي» لسداد ديونها «مبالغ فيها». وفي ظل تحفظ مسؤولي «دبي» على الخروج إلى الإعلام والتصريح بالقليل، فقد اكتفى احد المسؤولين الكبار في شركات «دبي» بالرد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» في هذا الشأن بالقول «مجمل ديون (دبي) لا يزيد على 80 مليار دولار، ربما هو مبلغ كبير بالنسبة لبلد صغير مثل دبي، لكنه لا يكاد يذكر أمام مطلوبات بنك ليمان براذرز والبالغة 613 مليار دولار، مع التذكير بأن دبي لم تقل إنها ستتوقف عن تسديد ديونها».

ولا يعرف حتى الآن حجم انكشاف البنوك الإماراتية على شركة «دبي» العالمية، التي تبلغ ديونها الإجمالية 59 مليار دولار، غير أن البنوك المحلية كانت في الصدارة في تقديم القروض لـ«دبي العالمية»، كما أنها اشتركت في الاكتتاب بالسندات التي أصدرتها الشركة مسبقا، فيما تصل تقديرات ديون المصارف الأجنبية بنحو 30 مليار دولار.

وفيما نشرت أنباء أول من أمس عن حجم انكشاف مصرفين في أبوظبي، هما بنك أبوظبي التجاري وبنك الخليج الأول، على «دبي العالمية» بمبلغ يصل إلى 3.8 مليار دولار، نفى مسؤول كبير في بنك الخليج الأول أمس هذه الأنباء، واصفا إياها بأنها «غير صحيحة إطلاقا».

وقال أندريه الصايغ، الرئيس التنفيذي لبنك الخليج الأول «يود بنك الخليج الأول أن يؤكد أن الأخبار الصحافية المتعلقة بتعرض البنك لمجموعة (دبي العالمية) وعدد من المؤسسات التابعة لها بما فيها شركة (نخيل العقارية) لم تصدر عن أي مسؤول تنفيذي في البنك، كما أنها تقارير غير صحيحة إطلاقا».

وأكد الصايغ، تعليقا على ما نشر بأن البنك منكشف بقيمة تصل إلى خمسة مليارات درهم (1.36 مليار دولار) «نود أن نؤكد أن التقارير الصحافية التي نشرت والمتعلقة بمقدار تعرض بنك الخليج الأول لمجموعة (دبي العالمية) وعدد من المؤسسات التابعة لها بما فيها شركة (نخيل العقارية) هي تقارير غير صحيحة وتفتقر إلى الدقة، كما أنها مبالغ فيها، ولم يتم التصريح بها من قبل أي مسؤول تنفيذي في البنك».

وبحسب معلومات وصلت لـ«الشرق الأوسط» فإن هناك تعليمات مشددة لمسؤولي بنوك أبوظبي بعدم التصريح في الوقت الحالي بحجم مديونيتها لـ«دبي العالمية»، باعتبار أن تحديد آلية التعامل بين ديون «دبي العالمية» وبنوك أبوظبي ستكون في يد حكومتي أبوظبي ودبي، خاصة أن غالبية بنوك دبي تمتلك حكومة أبوظبي فيها حصص الغالبية.

إلى ذلك، وفي تصريحات صحافية نشرت أمس في الإمارات، قالت «دبي العالمية» إن المجموعة اتجهت لطلب تأجيل سداد دينها المقبل، بعد رفضها «على نحو قاطع خلال الأشهر الماضية بيع عدد من الأصول الاستثمارية والعقارية الجيدة بأسعار متدنية. عمليات بيع الأصول لا بد أن تتم بطريقة تجارية منصفة بما يحقق الأهداف الاستراتيجية للمجموعة على المدى الطويل بعيدا عن الضغوط الاقتصادية الطارئة»، وفق ما نقلته صحيفة «الاتحاد» الظبيانية.

وبحسب مصدر في «دبي العالمية» فإن عملية إعادة الهيكلة الحالية، التي يشرف عليها صندوق دبي للدعم المالي، تركز على الوحدات العقارية ووحدات الاستثمار الخارجي، باعتبارها من أكثر وحدات المجموعة تعرضا للأزمة المالية العالمية، التي تركزت تأثيراتها على القطاعين العقاري والاستثماري، مع استثناء وحدة موانئ دبي العالمية التي كشف مسؤولو «دبي العالمية» أنها لن تخضع لإعادة الهيكلة التي ستشمل بقية الشركات التابعة لها «دبي العالمية»، خاصة أن موانئ دبي العالمية تحقق حتى الآن نتائج تشغيلية جيدة رغم ضغوطات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على حركة الشحن وأحجام التبادل التجاري بين الدول.

وتعتبر عملية إعادة الهيكلة التي أعلنت عنها «دبي» الأربعاء الماضي هي المرحلة الثانية، بعد أن فرغت مجموعة «دبي» العالمية من إجراء عملية إعادة الهيكلة الأولى خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي شملت تخفيض عدد العاملين في مختلف الشركات التابعة لـ«دبي العالمية» حول العالم بنسبة 15 في المائة تقريبا ليصل إلى أقل من 70 ألفا. ووصلت نسبة تخفيض العمالة داخل دولة الإمارات إلى نحو 25 في المائة كنتيجة مباشرة لتأثر السوق العقارية في المنطقة بالأزمة الاقتصادية العالمية. ووفق عملية إعادة هيكلة الأولى للشركة، ضمت شركة «نخيل» قسمين رئيسيين هما، قسم إدارة الأصول وقسم تطوير العقارات، بحيث تتولى شركة «نخيل» مسؤولية إدارة بعض الأصول العقارية التي كانت تدار من شركات أخرى مثل «استثمار».

وشملت عملية إعادة الهيكلة السابقة دمج شركتي «استثمار العالمية للمشاريع»، و«استثمار كابيتال العالمية» التابعتين للاستثمار العالمية، بحيث تتركز الآن أنشطة استثمار العالمية بشكل أساسي على الإدارة المستمرة للأصول التي تمتلكها، فضلا عن إدارة أصول «دبي العالمية» في أفريقيا. وحافظت كل من الأحواض الجافة العالمية والموانئ والمناطق الحرة العالمية التي تتألف من موانئ «دبي العالمية» وعالم المناطق الاقتصادية و«بي آند أو فيريز»، على هيكلها التنظيمي الحالي باعتبارها في وضع يؤهلها لتخطي الأزمة الاقتصادية.