وزير الخزانة البريطاني ينفي تكهنات المعارضة بخدعة الميزانية

تقرير يؤكد أن الاقتصاد البريطاني يعاني أسوأ من الركود العظيم.. ودارلينغ يقر ضريبة 50% على مكافآت المصرفيين

وزير الخزانة البريطاني أليستر دارلينغ يسلم تقرير الميزانية المبدئي (أ.ف.ب)
TT

مخاطر تزداد على الاقتصاد البريطاني إثر جروح غائرة تركتها الأزمة المالية عليه، تتطلب علاجا سريعا، ولكن الحزب الحاكم أوقفه لمحاولة ضمان مقعده في انتخابات الربيع المقبل. جاءت البيانات الصادرة عن التقرير المبدئي للميزانية البريطانية أن الحزم العلاجية التي تتمثل في خفض حجم الإنفاق وزيادة الضرائب لن يتم العمل بها إلى بعد الانتخابات القادمة.

وأثارت بيانات التقارير وزير خزانة الظل جورج أوسبورن متكهنا بأنها خدعة للاستمرار في الحكم، دفعت دارلينغ بنفى التكهنات المعارضة أمس. وأشارت توقعات وزير الخزانة البريطاني أليستر دارلينغ أن أداء الاقتصاد البريطاني انكمش 4.75 في المائة للعام الحالي. وبحسب تقرير صادر عن المعهد القومي للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية البريطاني (نايزر)، إن كانت تلك التوقعات صحيحة، فسيكون أداء الاقتصاد البريطاني الأسوأ منذ عام 1921، نظرا لأن الركود العظيم الذي ضرب الاقتصاد العالمي عام 1931 انخفض الناتج المحلي بأثره 4.6 في المائة. وفي الوقت نفسه ما زالت تعتمد المشروعات ذات التمويل الحكومي على التوقعات المسبقة من الخزانة أن الاقتصاد سيعيش فترة من النمو المتزايد ابتداء من عام 2011.

وأطلق دارلينغ شرارات أثارت الحي المالي من خلال تقرير الميزانية المبدئي الذي أعلنه أول من أمس، وسط محاولات لإحياء شعبية حزب العمال الذي انخفضت فرصته لاستكمال قيادة بريطانيا أمام المحافظين بقيادة دايفيد كاميرون الأكثر حظا في الانتخابات المقبلة، بفرض ضرائب خيالية على مكافآت المصرفيين، الذين هددوا بالرحيل. وذلك من ضمن بعض الكيانات الأخرى التي حددها وزير الخزانة في تقريره المبدئي بزيادة الضريبة على الدخل، وخفض الإنفاق لسد نصف عجز الميزانية الحالية المقدرة بـ300 مليار دولار خلال فترة أربع سنوات. وعلى صعيد زيادة الضرائب على الدخل ومكافآت المصرفيين، تخوف المسؤولون من الارتفاعات الضريبية التي تحددت في وقت قريب جدا، قد تسحب خطة تعافي الاقتصاد عن طريقها الصحيح، الذي ما زال فعليا في كساد، على نقيض الكثير من الدول الأوروبية المجاورة. وقال دارلينغ أمام البرلمان البريطاني «ما زالت تعتقد بعض البنوك أن من أولويات جداول أعمالهم أن يدفعوا المكافآت الضخمة لموظفيهم ذوي المرتبات الضخمة». وازداد الأمر تعقيدا بإعلان وكالة موديز للتصنيف الائتماني يحذر من تدهور حاد لقدرة بريطانيا على المدى الطويل لتسديد ديونها إن لم تتعامل الحكومة مع عجز ميزانيتها بحكمة وسرعة، مما يشير إلى أن المركز المالي العريق قد يفقد مكانته العالمية. وقال بيير كالييتشو المدير العام لمجموعة المخاطر السيادية بموديز لـ«الشرق الأوسط»، «ثلاثة من الأربعة الكبار المصنفين AAA، حققوا زيادة في الناتج المحلي لديهم في الربع الماضي، وهم فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، بينما سجلت بريطانيا انخفاضا»، وأضاف «لا أقول إن الارتفاع كبير ولكن فقدت الكثير من الدول الأساسية الارتفاع الكبير الذي حظيت به من قبل». وأذاع التحذير الرعب في الأسواق العالمية من احتمالية تخفيض المرتبة الائتمانية التي يحتلها السوق البريطاني، مما يشير إلى هبوط حاد في أسواق الأسهم البريطانية والعالمية في حال تم تخفيض القدرة الائتمانية للبلاد، خاصة في ظل ازدياد المخاوف من سداد الديون في اليونان، وإعلان دبي العالمية تأجيل سداد ديونها لمدة ستة أشهر. وعلق سايمون كيربي من معهد نايزر لـ«الشرق الأوسط» أن ما تحاول موديز أن تبرزه أن الحكومة البريطانية ليست صادقة مع الشعب بما يكفي في الوقت الحالي، وأن وضع الخطة للتقليل من عجز الميزانية هو الحل الوحيد أمام الحكومة البريطانية لعدم مواجهة التقليل من قدرة السوق البريطاني». وأضاف كيربي «أيرلندا المثال الحي لأي حكومة ترى عجزا في الميزانية كما تراه بريطانيا، والعمل على خطة أكثر فعالية هي الحل الأمثل لتفادي مثل التحركات التي قد تتخذها موديز». دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في مقال صحافي مشترك إلى فرض ضريبة خاصة على مكافآت مديري البنوك العالمية. وفي المقال الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس اقترح ساركوزي وبراون أيضا تنسيقا أوثق للسياسة الاقتصادية لتصحيح الاختلالات العالمية وقالا إن مثل هذا التنسيق يجب أن يضمن ألا تهدد التقلبات في أسعار العملات الانتعاش الاقتصادي.

وقال النص الفرنسي للمقال الذي اطلعت عليه «رويترز»، «نعتقد أن ضريبة استثنائية على المكافآت المدفوعة يجب اعتبارها أولوية لأن المكافآت لعام 2009 هي في جانب منها نتيجة للدعم الحكومي للنظام المصرفي». وقالا أيضا إنه ينبغي لكل دولة أن تقوم بدورها في تقليل الاختلالات العالمية.

وأضافا قائلين «علينا أن نعزز التنسيق على المستوى العالمي حتى لا تهدد التقلبات في أسعار الصرف الأجنبي الانتعاش».

فيما أعلن دارلينغ أمس أن البنوك العاملة في بريطانيا ستتحمل ضريبة تبلغ 50 في المائة على مكافآت الموظفين التي تتجاوز 25 ألف جنيه استرليني (41 ألف دولار).

وتهدف هذه الضريبة التي ستدخل حيز التنفيذ بشكل فوري وتستمر حتى الخامس من أبريل (نيسان) إلى تهدئة الغضب الشعبي من المكافآت المرتفعة التي تقدمها بنوك جرى إنقاذها بأموال دافعي الضرائب.

وستسري ضريبة المكافآت على جميع البنوك وجمعيات البناء وفروع البنوك الأجنبية العاملة في بريطانيا وتشمل جميع المدفوعات التقديرية مثل الأسهم والخيارات وزيادات الرواتب المؤقتة.

وقال دارلنج أمام البرلمان «من المتوقع أن تدر هذه الضريبة التي تجبى مرة واحدة 550 مليون استرليني» مضيفا أنه سيجري سن إجراءات لمنع التهرب تسري بشكل فوري.

وتابع «هذه الأموال الإضافية ستستخدم لتمويل الإجراءات الجديدة التي أعلن عنها بالفعل لتشغيل العاطلين». وتأمل الحكومة أن تشجع الخطوة البنوك على استخدام السيولة الإضافية في دعم قواعدها الرأسمالية بدلا من دفع أجور مرتفعة. لكن المجموعات المصرفية حذرت من أن معاقبة أصحاب الدخول الكبيرة في القطاع المصرفي ستؤدي إلى هجرة الكفاءات.