المنتدى الفرنسي الثالث للصناعة المالية الإسلامية في باريس بين الواقع والرغبات

رئيس بنك التنمية الإسلامي: نريد باريس مقرا لتطوير الصناعة المالية الإسلامية في أوروبا

TT

تكاثرت في فرنسا في الأسابيع والأشهر الأخيرة الندوات والمؤتمرات عن الصناعة المالية الإسلامية وكيفية تمكين الساحة المالية الباريسية من اللحاق بلندن ولوكسمبرغ وحتى برلين وجنيف لاجتذاب جانب من كتلة مالية إسلامية تزيد على 700 مليار دولار وهي مقدرة للوصول إلى 7 آلاف مليار عام . 2020 وفي زمن الأزمات الاقتصادية والمالية، تبدو هذه الكتلة بالغة الإغراء، لكن دونها صعاب وعقبات لعل أهمها «تطويع» التشريعات والقوانين المالية والضريبية في البلد المضيف لتتلاءم مع مبادئ الصناعة المالية الإسلامية. وكانت العاصمة الفرنسية باريس قد استضافت أول من أمس المنتدى الفرنسي الثالث للصناعة المالية الإسلامية الذي تميز بحضور كثيف فرنسيا وعربيا وإسلاميا فضلا عن وجود مجموعة من الطلاب الذين يتخصصون في المالية الإسلامية في الجامعات والمعاهد الفرنسية الذين أغراهم مجيء بعض أعلام هذه الصناعة وأبرزهم الدكتور أحمد محمد علي، رئيس البنك للتنمية، مع بعض كوادر البنك. وحضرت وفود من السعودية والبحرين وقطر والكويت ولبنان واليمن وتونس..

وشهدت أعمال المؤتمر عشرات المساهمات وتخللتها مناقشات قيمة ركزت كلها على وجود رغبة متبادلة من الجانب الفرنسي الرسمي والاقتصادي والمصرفي بإدخال المالية الإسلامية وأدواتها إلى الساحة الباريسية وإدخال العاصمة الفرنسية إلى حلبة السباق لتحظى بقسطها من الاستثمارات الإسلامية في ميادين تمويل البنى التحتية والتعاون مع الهيئات المحلية مثل البلديات والمجموعات الحضرية وتمويل المؤسسات الصغيرة والوسطى. وبالمقابل، أبدت الهيئات الفاعلة في هذه الصناعة رغبة في «المجيء» إلى فرنسا لا بل قال رئيس بنك التنمية الإسلامي إن البنك راغب في أن تكون باريس مقرا لإصدارات باليورو والمساهمة في الصكوك التي تصدرها فرنسا.

غير أن المشكلة لا تكمن في الرغبة والإرادة رغم المناخ «غير الصحي» المسيطر منذ عدة أسابيع على فرنسا بسبب إطلاق ما يسمى النقاش الكبير حول «الهوية الوطنية» وهو ما فهمته بعض الأوساط بأنه انطواء على الذات وتهميش للفرنسيين من أصول أجنبية وتحديدا إسلامية ومغاربية. وجاء الاستفتاء السويسري حول بناء المآذن للمساجد في سويسرا ليزيد من تأجيج الوضع إذ إن كثيرين رأوا أن السويسريين قالوا بصوت عال ما يضمره الفرنسيون. ولذا فإن المشكلة في الإسراع في توفير الأرضية القانونية لكي تمارس عمليات الصناعة المالية الإسلامية كغيرها من العمليات المصرفية والمالية علما أن المقصود هنا هو الصكوك والتكافل والمرابحة وليس فتح بنوك التجزئة الإسلامية رغم أن كثيرين يؤكدون أنه بسبب وجود جالية إسلامية تزيد على ستة ملايين شخص، فإن ثمة حاجة لهذا التنوع من المصارف.

ولأن الكلام المقولب عادة ما يغلب على هذا النوع من المؤتمرات، فإن رئيس الغرفة التجارية الفرنسية ـ العربية وهي الجهة المنظمة للمنتدى بالتعاون مع صحيفة «Les Echos » الاقتصادية وشركة Secure Finance»» كان الأكثر وضوحا. فقد قال هرفيه دو شاريت الحقائق كما هي، مشددا على ثلاث منها: جمود النظام المصرفي الفرنسي، والحمائية التي يمارسها وتحديدا تخوفه من وصول أدوات مالية إسلامية جديدة ومنافسين جدد. وأخيرا وجود مخاوف في المجتمع الفرنسي من وصول شيء اسمه «المالية الإسلامية» و«التمويل الإسلامي». وكان دو شاريت يلمّح إلى تمويل العمليات الإرهابية وصعوبة التحقق من الجهات التي تذهب إليها العمليات المالية في حال غياب رقابة فاعلة. وأردف رئيس الغرفة قائلا إن تأسيس المعهد الفرنسي للتمويل الإسلامي الذي أطلق رسميا أول من أمس غرضه «تثقيفي وتربوي» والمساهمة في تأهيل الكوادر الضرورية لممارسة هذه الصناعة المالية وتوفير الخبرات والوثائق والمعلومات. وتم أمس توقيع اتفاق بين بنك التنمية الإسلامي والمعهد الجديد بحيث يكون الأخير المحاور المعتمد للأول في فرنسا واتفاق آخر للتعاون التقني بينهما.

وفي هذا السياق، قال الدكتور أحمد محمد علي إن بنك التنمية «يدعم جهود الحكومة الفرنسية لتوفير إمكانية إدخال المالية الإسلامية» التي نفى أن تكون محصورة بالمسلمين منوها بالجهود التي بدأت الحكومة الفرنسية ببذلها منذ عام 2008 من حيث إيجاد الأرضية الملائمة لهذه الصناعة. ورأى علي أن الدخول إلى فرنسا سيمكن المالية الإسلامية من الدخول إلى الدول الأفريقية الفرنكوفونية. وفي أي حال، يعتبر رئيس بنك التنمية الإسلامي أن التعاون مع فرنسا يمكن أن يكون مفيدا لبناء «نظام مالي أكثر أخلاقية» وبحيث يكون أقرب إلى «الاقتصاد الحقيقي» أي بعيدا عن المضاربة. وأعرب علي عن أمله أن تكون باريس مركز هذه الصناعة في أوروبا. وتفادى رئيس بنك التنمية الرد على سؤال حول ما إذا كانت البيئة السياسية والاجتماعية والجدل القائم في فرنسا يساعدان على وصول المالية الإسلامية بالقول إنه يتعاطى «البيزنس وليس السياسة».

وكان كلام تييري دوسو، من وزارة الاقتصاد والمال الذي تحدث مندوبا عن وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد، بمثابة الصدى لكلام علي إذ أكد أن لدى فرنسا «قناعة قوية بأنها قادرة على أن تكون ساحة رئيسية لتطوير المالية الإسلامية» مضيفا أنه يمكن التوفيق بين القوانين الفرنسية وأحكام الشريعة في هذا القطاع. وعرض دوسو بالتفصيل لما قامت به وزارة الاقتصاد والمال بتشجيع من الرئيس ساركوزي والوزيرة لاغارد بحيث تم التوصل إلى «تعبئة الجهود» التي بدأت نتائجها تظهر تباعا.