مخاوف في دول آسيان بشأن تفعيل منطقة التجارة الحرة بينها

ستصبح ثالث أكبر منطقة تجارة حرة في العالم

جانب من التداولات في بورصة الصين التي تعتبر أكبر قوة اقتصادية في آسيان («الشرق الأوسط»)
TT

عندما تشير عقارب الساعة إلى منتصف الليل عشية رأس السنة، سوف تعلن الصين وعشر من دول جنوب شرق آسيا عن ثالث أكبر منطقة تجارة حرة في العالم. وفي الوقت الذي يتوق فيه الكثير من الصناعات إلى خفض رسوم التعريفة على البضائع كافة من الأقمشة والمطاط وحتى الزيوت النباتية والصلب، تشهد بعض الصناعات الأخرى قلقا من تأثير تلك الاتفاقية على نشاطاتها وتنتظر بفارغ الصبر كي ترى إذا ما كانت ستفيد منها أو ستواجه خسائر.

وكان النشاط التجاري بين الصين والدول العشر اللذين يشكلان اتحاد دول جنوب شرق آسيا قد ازداد في السنوات الأخيرة حتى وصل إلى 192.5 مليار دولار في 2008 بعدما كان يبلغ 59.6 مليار في 2003. ومن المتوقع أن يزداد ذلك النشاط التجاري بمعدلات أكبر بعد تفعيل اتفاقية التجارة الجديدة التي سيتم بمقتضاها إزالة التعريفة المفروضة على 90% من البضائع التجارية.

وتأتي تلك المنطقة التجارية في الترتيب الثالث بعد المنطقة الاقتصادية الأوروبية ومنطقة التجارة الحرة بأميركا الشمالية، كما أنها سوف تتضمن نحو 1.9 مليار شخص. ومن المتوقع أن تساعد منطقة التجارة الحرة دول اتحاد الآسيان على رفع صادرتها خصوصا تلك الدول التي لديها بضائع تحتاج إليها الصين التي لديها حاجة ملحّة إلى الموارد.

يُذكر أن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول الآسيان واجهت اعتراضات أقل مما واجهته منطقتا التجارة الأوروبية ومنطقة التجارة بأميركا الشمالية، وقد يرجع ذلك إلى انخفاض التعريفة المفروضة بالفعل على البضائع، بالإضافة إلى أنه ليس من المرجح أن تؤثر تلك الاتفاقية، وفقا للمحللين، تأثيرا شديدا على الحركة التجارية بين تلك البلدان.

ولكن في الوقت نفسه يخشى بعض المصنعين بدول جنوب شرق آسيا إغراق البضائع الصينية الرخيصة لأسواقهم بعد رفع الضرائب المفروضة عليها، مما يجعلهم يواجهون صعوبة في الحفاظ على حصتهم في أسواقهم ناهيك عن زيادتها. وعلى وجه خاص، هناك مخاوف متنامية في إندونيسيا حتى إنه من المتوقع أن تتقدم بطلب رسمي تطلب فيه تأجيل رفع التعريفة عن بعض السلع مثل منتجات الحديد، والأقمشة، والبتروكيماويات، والإلكترونيات.

فيقول سوثيراك بو، زميل الأبحاث البارز بمعهد دراسات جنوب شرق آسيا بسنغافورة: «لا ينظر جميع الناس في دول الآسيان إلى اتفاقية التجارة الحرة باعتبارها ميزة».

وعلى الرغم من أن الصين ودول الآسيان قد خفضا بالفعل الكثير من التعريفات خلال السنوات الأخيرة، يجب عليهما بموجب اتفاقية التجارة الحرة التي تم توقعيها في عام 2002 بين الصين، وإندونيسيا، وتايلاند، والفلبين، وماليزيا، وسنغافورة، وبروناي، إلغاء معظم التعريفات المفروضة بحلول 2010. وسوف تقلل الدول التي انضمت حديثا إلى اتحاد الآسيان -كمبوديا، وفيتنام، وميانمار- التعريفات المفروضة تدريجيا في السنوات القادمة، حتى تتمكن من إلغائها تماما بحلول عام 2015. وتصل نسبة الضرائب المفروضة حاليا على معظم البضائع التي سيتم إلغاء التعريفات المفروضة عليها في يناير (كانون الأول) -بما فيما المواد المصنعة- نحو 5%. ومن جهة أخرى، سوف يستمر فرض التعريفة على بعض المنتجات الزراعية، وبعض أجزاء السيارات، والمعدات الثقيلة خلال عام 2010 وسوف يتم خفضها تدريجيا.

وفي السنوات الأخيرة، كانت الصين قد تخطت الولايات المتحدة لتصبح ثالث أكبر شريك تجاري لاتحاد الآسيان بعد اليابان والاتحاد الأوروبي. ووفقا لما قاله توماس كايجي رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي بمنطقة آسيا - الباسيفيك «بيو بي إس» لأبحاث إدارة الثروات فإن الميزان التجاري الكلي مال بنسبة طفيفة لصالح الصين على الرغم من وجود اختلافات هائلة بين الموازين التجارية لدول الآسيان.

وبالنسبة إلى كل من سنغافورة وماليزيا وتايلاند، فإنه لا يوجد سوى عجز تجاري طفيف لصالح الصين، بينما تغلبت فيتنام على ذلك خلال السنوات الماضية، ففي عام 2008 صدّرت فيتنام بضائع تقدر قيمتها بنحو 4.5 مليار دولار إلى الصين بينما قامت باستيراد بضائع صينية بقيمة نحو 15.7 مليار دولار فقط. وتشهد صناعات النسيج والحديد في إندونيسيا على وجه خاص قلقا بالغ من إلغاء التعريفة، وبالتالي فهم يمارسون ضغوطا على الحكومة كي تطلب تأجيل فرض بعض تلك التعريفات. ولا يوجد وقت محدد يجب على إندونيسيا تقديم ذلك الطلب خلاله ولكنها حتى الآن وفقا لسكرتارية اتحاد الآسيان لم تتقدم بأي طلب رسمي.

وعلى الرغم من أن المنافسة مع الواردات الصينية قد تمثل تحديا حقيقيا بالنسبة إلى المصنعين بدول الآسيان، يقول المحللون إن تلك الاتفاقية سوف تسمح لتلك الدول بالوصول إلى 1.3 مليار شخص في الصين وهو ما يمكن أن يسفر عن مكاسب كبرى.

ومن جهته، يقول رودولفو سفرينو الذي كان يعمل أمين عام اتحاد الآسيان في الفترة من 1998 إلى 2002 إن ماليزيا -التي تصدّر بالفعل زيت النخيل والمطاط والغاز الطبيعي إلى الصين- واحدة من أكثر الدول التي سوف تستفيد من إلغاء التعريفة. وفي الوقت نفسه، أكد السيد سفرينو الذي يعمل حاليا كرئيس لمركز دراسات اتحاد الآسيان بمعهد دراسات جنوب شرق آسيا بسنغافورة أن الدول التي تعتمد على إنتاج بضائع استهلاكية رخيصة مثل فيتنام سوف تتأثر أكثر من غيرها. وقد تكون هذه الدول بحاجة إلى البحث عن بضائع جديدة يمكنها تصديرها بالإضافة إلى فتح أسواق جديدة فيقول: «ولكن تلك هي طبيعة التنافسية».

ومن جهة أخرى، يتوقع الخبير الاقتصادي سونغ هونغ الذي يعمل كمدير لقسم البحوث التجارية بمعهد الاقتصادات والسياسات العالمية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ببكين أن تزداد الواردات التي تقوم الصين باستيرادها -مثل البضائع الزراعية والفواكه المدارية- من دول مثل تايلاند وماليزيا وفيتنام، بعد تفعيل المنطقة التجارية. وهو ما يمكن أن يضر بالمزارعين الصينيين في المقاطعات الجنوبية مثل قوانغشي ويونان.

ومن جهة أخرى، يقول السيد سوثيراك الذي كان يعمل وزيرا للصناعة والتعدين والطاقة بكمبوديا في الفترة ما بين 1993 و1998 إن إزالة التعريفة قد تسهم في زيادة صادرات كمبوديا الزراعية إلى الصين. حيث إن كمبوديا كانت تحتاج بالفعل إلى أسواق جديدة بعد انخفاض صادراتها إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى الرغم من أن السيد سوثيراك ليس متفائلا بقدرة صادرات صناعة النسيج الكمبودية على منافسة صناعة النسيج الصينية، فقد قال إنه يعتقد أن منطقة التجارة الحرة قد تشجع المزيد من المصانع الصينية على إنشاء أفرع لها بكمبوديا لأن تكلفة الإنتاج والعمالة ستكون أرخص.

ومن جهته، أقر بوشباناثان ساندرام نائب الأمين العام لاتحاد الآسيان بأن بعض البلدان سوف تتعرض لبعض الخسائر بعد تفعيل الاتفاقية ولكنه أكد في الوقت نفسه أنه يعتقد أن كلا من الصين ودول اتحاد الآسيان سوف يستفيدان بطريقة متساوية.

وعلى الرغم من التوقعات بزيادة النشاط التجاري، تنبأ السيد سفرينو بأن إنشاء منطقة التجارة الحرة سوف يكون حدثا استثنائيا وسوف يُحدِث ارتفاعا استثنائيا في عائدات التجارة خلال يناير (كانون الأول). وأضاف: «هناك الكثير من العوامل التي يضعها التجار والمستثمرين في اعتبارهم ولكننا كنا سنذهب في ذلك الطريق في الأحوال كافة. كما أن تفعيل تلك الاتفاقية سوف يرسل إشارات إيجابية، ويظهر عزم الحكومات على تسهيل الأمور».