نهاية أسوأ عقد بالنسبة للأنشطة الاستثمارية

منذ الحرب العالمية الثانية

شهدت أسواق المال كثيرا من الأيام العصيبة خلال العقد الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

ينتهي هذا الأسبوع أسوأ عقد بالنسبة للأنشطة الاستثمارية منذ الحرب العالمية الثانية، ويمضي مودعا في أسف المدخرين الذين يقتربون من سن التقاعد بأعداد كبيرة. وباستثناء تعافي أسواق الأسهم في 2009 فقد شهدت السنوات العشر الأخيرة انهيار بورصتين رئيسيتين، وطفرة هائلة تبعها كساد في الائتمان واستمرار انخفاض العائد على سندات حكومية لاقت إقبالا غير معتاد.

ومنذ ديسمبر (كانون الأول) 1999 كانت محفظة استثمارات تقليدية تتكون من 60 في المائة أسهما و40 في المائة سندات في الولايات المتحدة ستسجل أدنى متوسط عائد سنوي منذ أربعينات القرن الماضي عند نحو 1.4 في المائة. وبعد أخذ معدل التضخم في الاعتبار يصبح العقد المنصرم هو الأسوأ منذ السبعينات. ومن المتوقع أن يسجل مؤشر «ستاندرد آند بورز» 500 في وول ستريت أول عشر سنوات سلبية بالنسبة له، إذ هبط 24.6 في المائة منذ 1999. ويظل المؤشر في نطاق الخسارة بما يصل إلى 9.8 في المائة حتى عند إعادة استثمار الأرباح. أما إذا كنت مستثمرا أجنبيا بلا مراكز تحوط فحظك العاثر مضاعف، إذ خسر الدولار نحو 23 في المائة أمام سلة من أكثر العملات العالمية تداولا.

وربما يؤدي إسقاط الفترة التي سبقت ذروة طفرة شركات الإنترنت من الحسابات إلى تحريف الأرقام. لكن مشكلة أوسع نطاقا تتمثل في انحسار الأرباح امتدت خارج الولايات المتحدة وخارج نطاق أسواق الأسهم. فقد جاء أداء البورصات القياسية في فرنسا وإيطاليا وأيرلندا وهولندا وفنلندا واليونان وأيسلندا جميعها أقل من مؤشر ستاندرد آند بورز بالعملة المحلية، وخسرت بين 35 و70 في المائة على مدار العقد. وترى مؤسسة «كيه بي إم جي» للمحاسبة أن العقد الأول من الألفية قد يصبح «عقدا ضائعا» بالنسبة لأصحاب المعاشات في بريطانيا. وكانت الاستراتيجية التقليدية لصناديق المعاشات في بريطانيا منذ 1999 هي رفع الأصول بنحو 2.25 في المائة فقط سنويا قبل خصم التكاليف، وهي أقل من نصف نسبة 4.7 في المائة التي كان يمكنهم الحصول عليها لو أنهم وضعوا الأصول في ودائع بنكية.

كما تراجعت القوة الشرائية لصناديق المعاشات بحدة. فصندوق قيمته 100 ألف جنيه إسترليني (160 ألف دولار) يستطيع الآن شراء أصل يدر ربحا سنويا أقل من سبعة آلاف جنيه مقارنة مع تسعة آلاف جنيه عام 2000. وقال مايك سميدلي، الشريك المختص بالمعاشات في «كيه بي إم جي» في بريطانيا «نتوقع أن يتقاعد مزيد من الناس خلال العقد المقبل استنادا إلى رؤوس أموال أو أملاك أو أصول أخرى وليس لبرنامج معاش تقاعد.. هناك مخاطر كبيرة قد تحف تلك الاستراتيجية إذ من المرجح أن تواجههم مهمة صعبة ألا وهي إدارة رؤوس أموالهم بالشكل المناسب». وزاد خلال العقد الإقبال على الاستثمارات الآمنة. وتضاعف سعر الذهب إلى أربعة أمثاله تقريبا، وبلغ عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات أكثر من 80 في المائة. وربما لا يمثل ذلك مفاجأة في عقد شهد انهيار بورصتين رئيسيتين وهجمات على الولايات المتحدة وحربين متتابعتين بقيادة الولايات المتحدة وترنح الأنظمة المالية والمصرفية وسياسات غير مسبوقة للإنعاش وطباعة النقود.

لكن على عكس ما بدا كان هناك بعض المكاسب في الأسهم. وكما هو الحال دائما يجني من لديهم استعداد لاستيعاب المخاطر وبعض التقلبات الشديدة في الأسواق الناشئة ثمار ذلك. وكانت البورصة الأوكرانية هي أفضل الأسواق أداء في العقد بمكاسب بلغت 900 في المائة بالدولار، أو 1400 في المائة بالعملة المحلية. وحققت البورصة الروسية مكاسب تقدر بنحو 700 في المائة ورومانيا نحو 600 في المائة بالدولار. وحتى في داخل الولايات المتحدة كان من الممكن استغلال بعض القطاعات. وبحسب شركة «آي بي آي إس وورلد» لأبحاث السوق فإن الصناعة صاحبة الأداء الأفضل في العقد كانت تزويد خدمة نقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت، وذلك استنادا إلى النمو الهائل للأرباح التراكمية الذي بلغ 17903.85 في المائة. وجاءت محركات البحث على الإنترنت ومواقع التعارف على الإنترنت وشركات صناعة الدبابات والمركبات المصفحة ضمن أفضل عشر صناعات في العقد. على الجانب الآخر، فإن أي صناعة نافست الصين كانت خاسرة. وحلت شركات صناعة الملابس في ذيل القائمة مع مؤسسات الخدمات المالية التي وقعت في شرك دوامة الائتمان. لكن مناخ الاستثمار كان قاتما بالنسبة للمدخرين الذين لم يتوافر لديهم الوقت أو الخبرة لانتقاء الأسهم، أو من يحجمون عن المخاطرة بوضع البيض كله في سلة واحدة. وحتى صناديق أوقاف جامعة هارفارد أو ييل والتي ظلت لسنوات نموذجا لمحافظ شديدة التنوع من الأسهم والسندات والعقارات والبدائل أصابها الضرر خلال العقد جراء العلاقات المتوترة خلال العامين المنصرمين. وقالت هارفارد إن أصول صندوقها انخفضت بنحو 30 في المائة إلى 26 مليار دولار منذ بداية العام حتى يونيو (حزيران). ورغم أن أداءها ما زال متفوقا على أداء محافظ الأسهم والسندات التقليدية، فإن عائدها السنوي تراجع إلى 6.2 في المائة خلال خمس سنوات من 8.9 في المائة منذ عشر سنوات و11.7 في المائة منذ 20 عاما. لكن أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع عائدات السند الحكومي بهذه الصورة خلال العقد المنصرم هو بالتحديد أن العدد الكبير من المساهمين الذين اجتذبتهم الطفرة الهائلة تحولوا إلى أوراق مالية أكثر أمنا خشية تقلبات الأسهم التي أصبحت تشبه أوراق اليانصيب إلى حد كبير. وتقدر شركة «واتسون ويات» أن حصة السندات في أكبر أنظمة المعاشات في العالم قد تضاعفت تقريبا إلى 40 في المائة منذ 1998. وكان ذلك على حساب انخفاض العائدات. وتراجع متوسط عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات هذا العقد بمعدل تراوح بين نقطتين مئويتين و4.5 في المائة منذ 1999.

وسيكون الاختبار المبكر الذي سيواجهه العقد المقبل فيما يتعلق بالاستثمار هو إن كانت الديون المتراكمة قد بلغت مداها وإن كانت العائدات الحكومية الضعيفة التي ما زالت مستمرة ستضطر المستثمرين للعودة إلى الأسهم أو الأسواق الناشئة بعد انتهاء العقد المزعج. وربما حتى تكون الكمية الهائلة من الديون الحكومية الجديدة المطلوبة لتمويل خطط الإنقاذ الاقتصادي في الفترة الأخيرة قد جاءت في الوقت المناسب