تقرير دولي: الانكماش الاقتصادي يفرض بناء قاعدة من المواهب للتعافي من الركود

«بوز آند كومباني»: 3 متطلبات لدول الخليج للمساهمة في جذب الكوادر البشرية

TT

أكد تقرير دولي صدر مؤخرا أن الانكماش الاقتصادي يفرض على الدول بناء قاعدة من المواهب، وذلك للمساعدة على التعافي من الركود ولبناء مستقبل اقتصادي أفضل.

وقال التقرير الذي أصدرته شركة «بوز آند كومباني»، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن مواهب الكوادر البشرية تتصدر قائمة أولويات الأجندات الوطنية على مستوى العالم، في وقت تسهم فيه العولمة في نشر أصحاب الأداء المتميز في أنحاء العالم كافة، كما تسهم مجموعة من الظروف الراهنة لا سيما في منطقة مجلس التعاون في حث دولها على التركيز على استراتيجياتها الخاصة بالكوادر البشرية الموهوبة.

وقال حاتم سمان، مدير واقتصادي أول في الـ«ايدييشن سنتر»، وهي مؤسسة فكرية تابعة لمجموعة خبراء «بوز آند كومباني»، إن دول المجلس تحتاج إلى 3 عوامل تسهم في قدرة دول المنطقة على جذب الكوادر البشرية المؤهلة، تتمثل أولا، في حاجة دول مجلس التعاون إلى اجتذاب المواهب لمعالجة نقص الكوادر البشرية ذات الموهبة في كثير من القطاعات، وذلك بهدف ضمان استدامتها الاقتصادية. وتوقع سمان أن تؤدي المبادرات التي جرى إطلاقها أخيرا في عدة قطاعات، مثل قطاع التعليم والطاقة والاتصالات على سبيل المثال لا الحصر، إلى بروز طلب غير مسبوق على هذه الكوادر.

وحدد العامل الثاني في أن عضوية دول الخليج بمنظمة التجارة العالمية والالتزامات المترتبة عليها، ستتطلب استقدام مزيد من الموظفين والمديرين والخبراء في القطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث إن قطاع الاتصالات على سبيل المثال، يوضح أن معالجة الضغوط المتزايدة لتسريع عجلة الخصخصة، فضلا عن تحرير القطاع الذي أدى إلى نشوء منافسة بين المشغلين في الأسواق الوطنية، ثم توسع المشغلين إلى الأسواق الإقليمية والدولية، كل ذلك أصبح يتطلب كفاءات ومهارات مختلفة.

واستعرض المدير والاقتصادي الأول في «بوز آند كومباني» العامل الأخير، وذلك من خلال ضمان توافر ما يكفي من الكوادر الماهرة في القطاعات الاستراتيجية، حيث إن ذلك سيترتب على دول مجلس التعاون بتنمية جيل جديد من المواهب المحلية، مما سيتطلب بذل جهود حثيثة في إطار برامج إصلاح التعليم وتنمية القوى العاملة.

وأشار إلى أنه في ظل الظروف السائدة التي تفترض تركيزا أكبر على المواهب، تجعل مجموعة من التطورات في دول مجلس التعاون من المرحلة الحالية الوقت الأمثل لإطلاق هذه الجهود، لافتا إلى أن الأموال التي وفرتها الطفرة النفطية الأخيرة، والطلب المتوقع على النفط خاصة من الاقتصادات الناشئة، سيؤديان إلى استقطاب حجم كبير من رؤوس الأموال إلى دول مجلس التعاون، ما يتيح لها تخصيص رؤوس الأموال هذه لتعليم وتدريب المواهب المحلية.

في الوقت نفسه، أشار تقرير «بوز آند كومباني» إلى أن ركود الاقتصاد العالمي يوفر فرصا نادرة لاجتذاب مواهب دولية تشتمل على الكثير من الأفراد من ذوي أصول عربية فقدوا وظائفهم جراء الأزمة العالمية، مؤكدا أنه لم يسبق أن كان الطلب المرتفع على المواهب في دول مجلس التعاون وتوفرها التلقائي على نطاق عالمي واسع أكثر ملاءمة من اليوم. وأضاف التقرير أن التغير السكاني على مستوى العالم أدى إلى تحول جذري في تكلفة المواهب، حيث تمثل القوى العاملة من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية 22 في المائة فقط من خريجي الجامعات على المستوى العالمي؛ في حين تحظى الدول الآسيوية بالنصيب الأكبر من المواهب العالمية مما أدى إلى هبوط في معدل التكلفة.

وأكد حاتم سمان أن دولا مثل دول مجلس التعاون أصبحت اليوم أكثر قدرة من أي وقت مضى على تحمل تكاليف المواهب على المستوى الدولي، على الرغم من أن هذه التطورات توفر فرصة نادرة لدول مجلس التعاون، إلا أن الاستفادة من هذه الفرص تستلزم اتخاذ خطوات فورية على عدة أصعدة.

وأشار إلى أن استحداث الفرص المالية التي تسمح لذوي المواهب بالالتزام الطويل الأمد بالمشاريع الاقتصادية الخليجية، يمثل عاملا مهما في استقطاب مواهب واستثمارات أجنبية على السواء - من شركات متعددة الجنسية على سبيل المثال - تساعد على بناء الخبرات والمهارات محليا.

ولفت سمان إلى أنه بموازاة ذلك، سيحتاج ذوو المواهب إلى مستوى معيشي وبيئة عمل ملائمين للبقاء في المنطقة، فيما يتعين على دول المجلس التعاون لتعزيز الثقافة المضيافة للوافدين بإزالة العقبات البيروقراطية أمام الهجرة وضمان بيئة عمل مرنة تلبي على سبيل المثال متطلبات العاملين عن بعد، فضلا عن توفير قواعد واضحة وبسيطة لإجراءات العمل وتشجيع الانفتاح على أفكار جديدة وقبول الثقافات الأجنبية وإيجاد سبل لتعميم جميع هذه الجهود.

وأكد المدير والاقتصادي الأول في «بوز آند كومباني» أن المبادرات الاجتماعية، وبخاصة تلك التي ترمي إلى تحسين جودة التعليم، يمكن أن تساعد على اجتذاب المهارات الأجنبية وتنمية المواهب المحلية، حيث تعتبر جودة التعليم والتكلفة المترتبة على الوافدين لتعليم أبنائهم من العوامل الرئيسية التي تحدد جاذبية الدول المضيفة، ناهيك عن أهميتها في تنمية المواهب الوطنية. وأوضح أن العناصر الأخرى للاستراتيجية الاجتماعية الرامية إلى تنمية المواهب في دول مجلس التعاون تتضمن توظيف مواهب تراعي قيم الدول المضيفة وتكون قادرة على تقديم مساهمات إيجابية، فضلا عن تعزيز ذهنية توطد الهوية الوطنية لدى المواطنين، مشيرا إلى أن كل ذلك يسهم في تمكين دول مجلس التعاون من المنافسة في الأسواق الدولية.

ودعا سمان إلى ضرورة وضع استراتيجيات وسياسات اقتصادية واجتماعية على الأمد القصير والطويل لتنمية المواهب واجتذابها والحفاظ عليها في منطقة دول مجلس التعاون. وفصل ما يمكن أن يكون في الاستراتيجيات في الأمد القصير، من خلال وجوب المنطقة على المواصلة في اجتذاب المواهب الأجنبية لتلبية الطلب المتزايد على المحترفين ذوي المهارات العالية، حيث يتطلب ذلك مبادرات وإصلاحات اقتصادية واجتماعية فورية لاستقطاب والحفاظ على ألمع الوافدين وأفضلهم للعمل في المنطقة.

في حين ذكر أنه يتعين على دول الخليج في الأمد المتوسط إلى الطويل، التركيز على تعزيز العناصر التي تسمح بتنمية المواهب المحلية شأن تطوير التعليم والقوى العاملة، مبينا أن الاستراتيجيات تلك ستساعد على بناء قاعدة من القدرات الوطنية الموهوبة الضرورية لقيادة القطاعات الرئيسية وضمان النجاح المستقبلي لاقتصاديات دول مجلس التعاون.