البنوك خط أحمر.. لا يُسمح باهتزازه

سعود الأحمد

TT

لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني من تبعات الأزمة المالية العالمية، ولذلك فمن الطبيعي أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي.. ويتبع ذلك إعادة تقييم الدولار مقابل جميع أسعار تبادل العملات المعومة. ويشمل (أيضا) تغيير ميكانيكية أسواق مصادر الطاقة (وفي مقدمتها النفط والغاز) والمعادن الأخرى.. لتتجدد الحالة الاقتصادية بالأسواق العالمية في معادلة جديدة لا أحد يمكنه استباق أحداثها، ورسم ملامحها والتنبؤ بما ستستقر عليه.

كل هذا أمر يجوز لنا أن نتحدث فيه (ونجتهد) في بناء توقعاتنا المستقبلية بشأنه. لكن المهم في هذا الشأن، ألا نخلط بين ما قد يصيب المنشآت الاقتصادية في أي بلد وما قد يصيب البنوك، بالقدر الذي يعجزها عن الوفاء بالتزاماتها. فلا نغفل أن البنوك هي المحور الأساسي للدورات الاقتصادية في أي زمان ومكان. ولذلك تعطي الحكومات ممثلة في البنوك المركزية ووزارات المال والاقتصاد وزنا مضاعفا لأي حدث يمس ملاءة هذه المنشآت الاقتصادية، وتراقب (بعين لا تغمض) متانة المراكز المالية لها.

كما تحرص البنوك المركزية على الالتزام بمتطلبات الحماية الائتمانية، وتتابع البنوك في تطبيقها لشروط بازل (1) وبازل (2)، وتراعي معايير شركات التصنيف العالمية. وتفرض معايير محاسبية متحفظة، توجب على إدارات ومحاسبين ومراجعي حسابات هذه البنوك أن يلتزموا بها، عند إعداد ومراجعة القوائم المالية للبنوك. وتجعل من أي اهتزاز في المراكز المالية للبنوك أو عجز في توفير السيولة الكافية، خطا أحمر لا يسمح باهتزازه. والحقيقة أن تعثر البنوك في توفير السيولة طريق يؤدي إلى أزمة. والفكرة هنا ببساطة نابعة من أن البنوك تحتفظ بقدر يسير من النقد مقارنة بإيداعات العملاء. ولو تقدم العملاء لسحب أموالهم، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة مترابطة وشلل تام في الاقتصاد (Collapse).

والأمثلة على ذلك كثيرة، والتاريخ يعيد نفسه. فسبب انهيار بنك «بترا» (في آخر الثمانينات)، على الرغم من تقدمه في الخدمات المصرفية، أنه توسع في القروض والاستثمارات طويلة الأجل.. وعندما واجه طلبا كبيرا من العملاء على ودائعهم، عجز عن توفير سيولة فأعلن إفلاسه. والأصل أنه عندما يتعرض بنك لأزمة سيولة، فإن معالجة الأمر تتم بهدوء، وبتكتيك عالي الدقة والمهارة.. على أساس أن هذا هو الأسلوب المناسب لإدارة الأزمات المالية الحساسة. فخلال عام (2008) وعلى أثر الأزمة المالية العالمية وهروب 90% من أموال المضاربة الأجنبية خارج البلاد، وبما يقدر (بحسب السلطات الرسمية الإماراتية) بنحو 180 مليار درهم (49 مليار دولار).. عمد المصرف المركزي الإماراتي (وبهدوء) إلى توفير سيولة استثنائية عن طريق تخصيص تسهيلات للبنوك لاستخدامها كقروض مصرفية، بهدف إعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي.