بنوك «وول ستريت» تستعد لتقديم مكافآت ضخمة لمسؤوليها التنفيذيين

«غولدمان ساكس» خصص نحو 16.7 مليار دولار للأجور خلال الثلاثة أرباع الأولى من 2009

عام 2009 من أكثر السنوات التي حقق فيها «غولدمان ساكس» أرباحا طوال تاريخه الذي يرجع إلى 141 عاما (أ.ف.ب)
TT

من المقرر أن يبدأ موسم المكافآت الذي يحتفي به كبار مسؤولي الذين يتقاضون رواتب ضخمة خلال الأسبوع الحالي، ويبدو أن ذلك الموسم سيكون من أكثر المواسم التي شهدتها الصناعة المصرفية سخاء وإثارة للجدل. وذلك في الوقت الذي أولى فيه جميع العاملين في «وول ستريت» مؤخرا انتباههم لأرقام المكافآت التي سوف تقدمها البنوك لتنفيذييها.

ويواجه المدراء التنفيذيون بالبنوك حاليا تلك الإشكالية التي تثير غضب وحنق كثير من الأميركيين الذين أضجرتهم الأزمة المالية، وهي الإشكالية التي تتعلق بقدر المال الذي يجب أن يتقاضوه؟ فعلى الرغم من مطالب واشنطن، وغضب الرأي العام، فإن البنوك التي استعادت نشاطها مرة أخرى تعتزم تقديم مكافآت توازي التي كانت تقدمها في سنوات الازدهار. حيث ستوازي تلك المكافآت - التي يتم تقديمها نقدا وعلى هيئة أسهم - عدة مليارات من الدولارات.

ويقر التنفيذيون في الصناعة المصرفية بأن الأرقام التي يتحدثون عنها - حيث سيحصل بعض كبار التنفيذيين والسماسرة على مكافآت تصل إلى مئات الآلاف أو حتى مليون وربما عدة ملايين للبعض - سوف تثير دهشة كثير من الأميركيين الذين ما زالوا يعانون من أثر الانهيار المالي والركود الذي ترتب عليه.

ومن المتوقع، أن يدفع «غولدمان ساكس» في متوسطه نحو 595 ألف دولار عن عام 2009، الذي يعد من أكثر السنوات التي حقق فيها البنك أرباحا طوال تاريخه الذي يرجع إلى 141 عاما، فيما سيحصل التنفيذي في بنك «جي بي مورغان» الاستثماري، في المتوسط، على 463 ألف دولار.

ويؤيد كثير من التنفيذيين فرض مزيد من التدقيق من جانب واشنطن أو بعض كبار المسؤولين، مثل المدعي العام لنيويورك آندرو كومو الذي طالب البنوك خلال العام الماضي بالكشف عن التفاصيل المتعلقة بالمكافآت التي تقدمها، بينما يخشى بعض المصرفيين أن تفرض الولايات المتحدة - على غرار بريطانيا - ضريبة إضافية على المكافآت التي يحصل عليها المصرفيون، وهو ما يقترح النائب دينيس كوزينتش الديمقراطي عن أوهايو أن يتم إصدار تشريع به.

وبعيدا عن تلك المخاوف، اتخذت بعض البنوك إجراءات فورية للحد من تلك المكافآت. وتواجه «وول ستريت» حاليا معضلة فيما يتعلق بتلك المكافآت الضخمة؛ وتبحث عن الطريقة الملائمة التي يمكنها من خلالها تقديم تلك المكافآت في إطار لا يثير الغضب ضدها. من جهة أخرى، ونظرا للغضب الذي يمكن أن تثيره تلك المكافآت الضخمة، عدلت بعض البنوك الكبرى من الإجراءات التي تتخذها بشأن الأجور؛ حيث أصبحت بعض البنوك تقدم مكافآت نقدية أقل في مقابل زيادة نصيب الموظف في الأسهم، كما قللت بعض البنوك الحصة التي تخصصها من عائداتها للرواتب.

ويؤكد بعض التنفيذيين أن المؤسسات المالية بدأت تقر بوجوب إجراء تعديلات على الأجور في عالم ما بعد الحفز المالي. فيقول روبرت كيلي الرئيس التنفيذي في بنك «نيويورك ميلون»: «لقد تغير الجدل الدائر بشأن المكافآت خلال الفترة الماضية، فبعدما كان المنتقدون يطالبون بـ(نقد أقل وأسهم أكثر) تحول الأمر إلى السؤال حول إجمالي ما يتقاضاه التنفيذي». وعلى غرار كثير من رؤساء البنوك، يؤيد كيلي مكافأة الموظفين بالأسهم طويلة الأجل وبقدر أقل من النقد حتى يرتبط تحقيقهم للثروة بنجاح الشركات التي يعملون فيها.

وعلى الرغم من أن المصرفيين في «وول ستريت» والمتداولين يتقاضون رواتب تصل إلى المليون دولار، فإنهم يتلقون الجزء الأساسي من راتبهم على شكل مكافأة يتقاضونها سنويا وفقا لأدائهم في العام السابق. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يصل متوسط المكافآت إلى نصف مليون دولار، فإنه لن يتم توزيع ذلك المبلغ بالتساوي؛ فمن المتوقع أن يحصل كبار التنفيذيين والمتداولين (السماسرة) على ملايين الدولارات. كما أنه من المتوقع أن يحصل المتداولون (للسندات والعملة) والمصرفيون المتخصصون في الرعاية الصحية على النصيب الأكبر من المكافآت خلال العام الحالي. ويحذر بعض الخبراء في الصناعة المصرفية من أن تضر مثل تلك الأرقام بسمعة تلك الصناعة التي كانت قد تضررت بالفعل. يقول جون ريد مؤسس «سيتي غروب»: «إن وول ستريت لن تستعيد ثقة الجماهير الكاملة بها مرة أخرى ما لم تقلل البنوك المكافآت التي تقدمها، وهو ما يعتقد كثير من الخبراء أنه لن يحدث في وقت قريب». ويضيف ريد: «لم أرَ حتى الآن ما يشير إلى أن هؤلاء الناس قد تعلموا أي شيء من الأزمة، فهم لا يفهمون الأمر، ويعيشون في عالم منعزل».

يذكر أن سلطة الحكومة الفيدرالية بشأن رواتب المصرفيين تضاءلت خلال الأشهر الماضية، بعدما بدأت البنوك الكبرى سداد مليارات الدولارات التي كانت قد حصلت عليها كمساعدات فيدرالية خلال الأزمة المالية. وبلا شك، استفادت جميع البنوك من منظومة البرامج الفيدرالية وسياسات معدلات الفائدة المنخفضة التي مكنت الصناعة من العودة لتحقيق الأرباح في عام 2009.

ومن المتوقع أن تستهلك الأجور والمكافآت الجانب الأكبر من الإيرادات في «وول ستريت» خلال العام الحالي. فخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2009، خصصت البنوك الخمسة الكبرى التي كانت قد حصلت على مساعدات فيدرالية - «سيتي غروب»، و«بنك أوف أميركا»، و«غولدمان ساكس»، و«جي بي مورغان»، و«مورغان ستانلي» - مجتمعة، ما قدره 90 مليارا للأجور؛ التي تشتمل على الرواتب، والامتيازات، والمكافآت، بينما مثلت المكافآت بالنسبة لعدة شركات أكثر من نصف المبلغ المخصص للأجور.

وقد خرج «غولدمان» عن السرب في ديسمبر (كانون الأول) عندما أعلن أن التنفيذيين الكبار الثلاثين بها لن يحصلوا سوى على الأسهم. وينتظر الجميع في «وول ستريت» بفارغ الصبر كي يروا قدر الأسهم التي سوف يحصل عليها لويد بلانكفين، رئيس «غولدمان» ورئيسه التنفيذي، الذي كان الفتيل الذي أشعل أزمة الانتقادات المتعلقة برواتب التنفيذيين. ففي عام 2007، كان بلانكفين يتقاضى 68 مليون دولار، وفقا لسجلات «وول ستريت»، ولكنه لم يتقاض أي مكافآت في عام 2008.

وقد خصص «غولدمان» نحو 16.7 مليار للأجور خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2009. وفي رده على الانتقادات الموجهة لممارسته فيما يتعلق بالرواتب، بدأ «غولدمان» تقليص نسبة العائدات التي يدفعها للموظفين؛ فبعدما كان البنك يخصص 50 في المائة من عائداته خلال الربع الأول من السنة المالية، أصبح يخصص 48 في المائة في الربع الثاني، ثم 43 في المائة في الربع الثالث.

وكذلك، كان التنفيذيون في «جي بي مورغان» وأعضاء مجلس إدارته يواجهون ذلك الصراع المتعلق بالحد الملائم للأجور. يقول أحد كبار التنفيذيين في «جي بي مورغان»، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول الحديث نيابة عن الشركة: «هناك صراع يدور بين رغبة الشركة في منح مزيد من المكافآت بعدما تحسن أداؤها، والرأي العام الذي يرى أن وول ستريت لم تتمكن من تجاوز عثرتها سوى بمساعدة الأموال الفيدرالية».

وقد خفض بنك «جي بي مورغان» الاستثماري، الذي يعمل به نحو 25 ألف عامل، الحصة التي يخصصها من العائدات للأجور من 40 في المائة في الربع الأول من السنة المالية إلى 37 في المائة في الربع الثالث.

وداخل «بنك أوف أميركا»، يتساءل المصرفيون والسماسرة حاليا عن حجم المكافأة التي سوف يحصل عليها بريان مونيهان، الرئيس الجديد للبنك عن عام 2010. ومن المتوقع أن يقدم «بنك أوف أميركا» مكافآت كبرى، خاصة في ظل ارتفاع الأرباح التي حصل عليها البنك. في الوقت نفسه، وضع «بنك أوف أميركا» شروطا تمكنه من استرداد رواتب الموظفين في حالة مواجهة البنك لأزمات، كما رفع نسبة المكافآت المقدمة على هيئة أسهم. فيقول بوب ستيكلر، المتحدث الرسمي باسم «بنك أوف أميركا»: «نحن ندفع تلك الأجور لأسباب محددة، وهناك بعض الأماكن التي حققت فيها الشركة نتائج هائلة، ويجب المكافأة على ذلك».

وفي «مورغان ستانلي»، الذي حقق عائدات أضعف من غيره من البنوك، كان المديرون يناقشون كيف يمكنهم دفع أجور نجوم المصرفيين لديهم بما يتوافق مع نظرائهم في الصناعة المصرفية. وقد أعد البنك برنامجا لسداد رواتب أكبر 25 موظفا لديه، يربط من خلاله نحو خمس مستحقاتهم المؤجلة بمعايير تعتمد على أداء الشركة خلال العام السابق.

يقول المتحدث باسم الشركة مارك ليك: «من الواضح أن مجلس إدارة (مورغان ستانلي) وهيئته الإدارية يفهمان جيدا البيئة الاستثنائية التي نعمل فيها، وبالتالي قام البنك بإجراء سلسلة من التعديلات على ممارسات الشركة في دفع المكافآت». وسوف يحصل التنفيذيون الـ25 على أسهم، وسيتم تأجيل مستحقاتهم من النقد. ولن يحصل جون ماك رئيس البنك على مكافأة لأنه كان قد تقاعد كرئيس تنفيذي في نهاية عام 2009.

وفي «سيتي غروب»، الذي ما زالت أنشطته الاستهلاكية لم تنهض من عثرتها، كان بعض المديرين يشعرون بالإحباط في الأسابيع الماضية نظرا للتقديرات الأولية المتعلقة بالمكافآت التي سوف يحصلون عليها، وذلك وفقا لبعض الأشخاص المطلعين على القضية. ومن المتوقع أن يصل إجمالي مكافآت «سيتي غروب» في عام 2009 إلى 5.3 مليار دولار، وهو الرقم نفسه الذي دفعه البنك في عام 2008 على الرغم من أن عدد الموظفين في البنك أصبح أقل.

وأصبح معروفا الآن مَن الشخص الذي حصل على أكبر المكافآت ضمن التنفيذيين في «سيتي غروب»؛ حيث قال البنك في تقرير أصدره خلال الأسبوع الماضي إن رئيس البنك الاستثماري، جون هافينز، سوف يحصل على 9 ملايين من الأسهم، ولكن رئيس البنك التنفيذي، فيكرام بانديت، الذي لا يتجاوز أجره دولارا، لن يحصل على المكافآت.