دبي: دخول وحدات جديدة إلى سوق العرض يقود القطاع العقاري نحو الانخفاض

بعد تفاؤل بانتعاش السوق إثر افتتاح برج خليفة

جانب من دبي («الشرق الأوسط»)
TT

بعد افتتاح برج خليفة في دبي، أعلى برج في العالم وأعلى مدينة عمودية على الإطلاق وأحد أهم الأحداث العقارية في المنطقة والعالم، تفاءل الكثيرون، وإن كان التفاؤل حذرا بأن يحظى قطاع العقارات في الإمارة ببعض الانتعاش بعد أن أثقل كاهله تراجع إثر آخر، التفاؤل ظهر على المستوى غير الرسمي من خلال ارتفاع الأسهم العقارية في بورصة دبي، لكنه أثبت بأنه استحق أن يكون تفاؤلا حذرا لأن هذا الارتفاع لم يستمر طويلا.. على المستوى الرسمي استهل رئيس مجلس إدارة «إعمار العقارية» محمد العبار حديثه لصحافيين مع افتتاح البرج بأن حدثا من هذا النوع من شأنه أن يحمل انتعاشا لسوق العقارات في دبي.. ولكن يبدو أن افتتاح البرج لن يخلق تغييرا جذريا في الخريطة السعرية لعقارات دبي.

لكن دبي كانت قد شهدت مؤخرا عرضا فائضا وانخفاضا واضحا في الأسعار ضمن كل الفئات والشرائح العقارية لتشكل تجربة الإمارة مثالا تحذيريا لباقي دول الخليج العربي لإدارة العرض وفقا للطلب.. ومع ذلك يجب ألا يستهان بقدرة دبي على التعافي بسرعة، فبالنسبة للمستثمرين لا يزال القطاع العقاري للإمارات العربية المتحدة رخيصا مقارنة بنظيراتها العالمية.. كل ما ورد هو صورة للمشهد العقاري الحالي في دبي يرسمها تقرير متخصص.. التقرير الذي تصدره شركة «إيه تي كيرني» الرائدة عالميا في مجال الاستشارات الإدارية يصر على أن الأسواق في طور التعافي، لكن مطورين عقاريين يرون أن الأمور وصلت إلى القاع الذي يتجلى في أن كلفة البناء باتت أكبر من سعر البيع للقدم المربع في عدة مناطق.

في دبي، للعقار مساحة واسعة في أحاديث الناس بيعا وشراء وإيجارا.. والسيناريو الذي يكثر تداوله مؤخرا يفيد بتوقع المزيد من الانخفاض في الأسعار كنتيجة لإنهاء شركات التطوير كثيرا من مشاريعها مع بداية العام الجديد ودخول وحدات جديدة إلى سوق العرض الذي يعاني زيادة مطردة في غياب طلب مقابل كنتيجة طبيعية لغياب مصادر التمويل العقاري بفعل الضغط الحاصل على شركات التمويل العقاري والبنوك جراء أزمة المال العالمية. ولكن هل يستمر هذا الوضع طويلا؟ لا يبدو ذلك على الأقل وفقا لمعطى السوق، فمع توقف مشاريع التطوير بشكل مؤقت أو دائم، فإن الزيادة الفائضة في الوحدات العقارية المعروضة ستبدأ في الاختفاء مع زيادة عدد المقيمين في دبي وهو ما سيكون المنعطف التصحيحي لقطاع العقار الذي ذهب بآمال كثير من المستثمرين إلى مستويات لم يتوقعها أحد.

السؤال الأهم في المدى المنظور: هل تشهد الأسواق تراجعا في الأسعار في الأشهر القادمة مع إنهاء الكثير من الشركات أعمال التطوير في مشاريع معدة للبيع؟

للإجابة عن هذا السؤال وعن نسبة الانخفاض لا بد من وجود نسب واضحة لحجم العرض مقابل الطلب لكن المعلومات غير متوفرة مع العلم أن العرض أكبر من الطلب كما يقول المطور العقاري محمد نمر رئيس مجلس إدارة «ماك العقارية»، يقول نمر: الواضح أن هناك وحدات سيتم تسليمها تقدر بعشرات الآلاف لكن هذا لن يكون بالضرورة سببا رئيسيا في تراجع الأسعار، فالأمر مرتبط أيضا بطبيعة تعامل السوق مع الأزمة وخصوصا أن السوق تعاني من جفاف في مصادر التمويل العقاري، كما يعتمد الانخفاض المتوقع في الأسعار على الإجراءات الحكومية والقوانين والتشريعات كموضوع قوانين الفيزا.

لكن أسعار العقارات في دبي قد تنخفض بنسبة 30% أخرى خلال الثمانية عشر شهرا المقبلة، بينما تدخل مشاريع جديدة إلى القطاع وهو ما تنبأ به تقرير صدر مؤخرا عن شركة «يو بي إس للخدمات المالية» فيما يذهب تقرير من «دويتشه بنك» إلى أنه من الممكن للسوق أن تدخل في مرحلة انتعاش بطيء خلال النصف الأول من عام 2010، خاصة مع اقتراب بعض فئات الأصول ومواقع محددة إلى أدنى مستوى لها.

وفي ظل هذه الصورة تفرض إدارة الأزمة من قبل شركات التطوير العقاري التعاطي بمنطق فن الممكن مع واقع السوق.. عن طريق خياران لا ثالث لهما كما يرى محمد نمر.. إما البيع بسعر السوق المنخفض أو الاحتفاظ بالوحدات السكنية ريثما يتعافى السوق وتأجيرها مرحليا وهو الخيار الذي يبدو أن شركات عقارية وجدته الأقرب لمنطق السوق مع محافظة دبي على سوق الإيجار في مستويات مقبولة على الرغم من تأثره هو الآخر.. وهو ما ذهبت إليه بالفعل «شركة الاتحاد العقارية» والتي أعلنت أنها ستضيف نحو ألفي وحدة لم يتم بيعها إلى محفظة الإيجار لديها مما اعتبرته عاملا في زيادة مداخيل الشركة من عمليات الإيجار من 160 مليون درهم حاليا إلى نحو 500 مليون درهم ابتداء من العام الحالي 2010، الشركة قالت إن وحداتها السكنية ذات جودة وتقع في مواقع مميزة، وأن هذه التوقعات مبنية على تقديرات متحفظة وعقلانية، حيث قدرت الشركة إيجار القدم المربع من المحلات بأقل من 100 درهم وإيجار المكاتب بـ60 درهما للقدم المربع وإيجار الوحدات السكانية بـ75 ألف درهم سنويا لشقة من غرفتين وصالة.

وتؤجر «الاتحاد العقارية» حاليا 550 وحدة، والوحدات الجديدة ستسلم ضمن مشاريع «موتور سيتي» و«غرين كميونيتي» و«إندكس تاور» و«لايمستون هاوسز». إلى جانب ذلك سيتم تشغيل فندق «ريتز كارلتون» في الربع الثاني من 2010، وكانعكاس لأزمة التمويل العقاري، أعلنت الشركة أنها سجّلت تخلف بعض زبائنها عن الدفع بما نسبته 15% وأغلب هؤلاء الزبائن ممن مولتهم شركتا «أملاك» و«تمويل»، وهما شركتان حكوميتان للتمويل العقاري تأثرتا بشدة جراء أزمة العقار في الإمارة.

الشركة نوهت إلى أنها لا تنوي إطلاق مشاريع جديدة وتطوير الأراضي التي تملكها حتى تنتهي من إنجاز مشاريعها الحالية. إلا أن سياسة الاتحاد العقارية ليست سوى جزء من المشهد العام ففي المدى المنظور لن نشهد مشاريع جديدة - يقول محمد نمر- لأن المطور عندما يبني يفكر في سوق الطلب.. «الحقيقة تشير إلى أن أسعار البيع هي أقل من أسعار التكلفة فلو أردت بناء مشروع في منطقة المارينا مثلا ستجد أن قيمة البناء تبلغ 850 درهما بينما البيع لا يتجاوز 700 درهم والحديث هنا عن القدم المربعة».

لكن آلية الفرملة التي تتبعها معظم شركات التطوير العقاري في هذه المرحلة ليست قاعدة فهناك من ينظر إلى التصحيح السعري في القطاع على أنه فرصة لن تعوض في سوق استثمارية واعدة كدبي فمن المقرر أن تبدأ «مجموعة كليندينست» أعمال البناء على «جزيرة ألمانيا» ضمن مشروع «جزر العالم» التابع لشركة «نخيل» خلال الربع الأول من عام 2010. وتعد «جزيرة ألمانيا» جزءا من مشروع «قلب أوروبا» التابع لمجموعة «كليندينست» والمؤلف من ست جزر واقعة على مجموعة الجزر التي تبعد أربعة كيلومترات عن ساحل دبي. وستقام عليها منطقة ترفيهية مع شاطئ خاص بها سيطلق عليه اسم «أمستردام»، ومجمع للتسوق وفندقان فئة خمس نجوم في منطقة تدعى «سانت بيترسبيرغ» وحوض مخصص للدولفين على جزيرة أستراليا.