الأزمة الاقتصادية العالمية لا تزال تخيم على الشحن البحري العالمي

على الرغم من حدوث بعض الانتعاش في التبادل التجاري العالمي

TT

من لوك ستريفن في اسكوتلندا إلى مضيق ملقة في جنوب شرق آسيا، تقف أكثر من 10 سفن شحن، تقوم بنقل البضائع في حاويات خاملة. ولا يتوقع أن تتمكن غالبية هذه السفن من الحصول على طلبات إبحار في خلال الفترة المقبلة. فعلى الرغم من بدء عودة التجارة العالمية، التي انهارت العام الماضي، إلى الانتعاش مدفوعة بالطلب المتزايد من الدول النامية، فإن هذه الانتعاشة شهدت في المقابل ازدياد السعة المضافة إلى سفن الشحن الجديدة التي تصنعها أحواض بناء السفن.

ومن بين شركات النقل البحري التي تعاني من هذا الكساد شركة الملاحة الألمانية «هاباغ ليود» والمجموعة الهولندية «إيه بي مولر مارسك». وعلى غرار البنوك العملاقة التي أصابتها أزمة الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر، تدفع شركات النقل البحرية الآن ثمن توسعاتها المفرطة خلال فترة الانتعاش، بحسب آراء المحللين. وتقدر شركة «دروري شيبنغ كونسالتانت» أن الناقلات الرئيسية، وجميعها من آسيا وأوروبا، خسرت 20 مليار دولار عام 2009. وتشير شركة «ألفالينر»، مقدمة معلومات صناعية إلى أن سبع شركات نقل بضائع صغيرة أغلقت العام الماضي، من بينها شركة «كونتينيمار» الإسبانية.

ويقول كريس بورني، المدير التنفيذي لاتحاد شؤون الشركات الملاحية الأوروبية: «لم نشهد أمرا مماثلا كهذا من قبل. إنه أسوأ موقف نشهده منذ بداية عصر الحاويات في الستينات». اضطرت شركات النقل البحري على مدار وقت طويل أن تتكيف مع الدورات الاقتصادية والتحولات في الأنماط التجارية والجيو - سياسية، فخلال السبعينات أصيبت الشركات بصدمة النفط وإعادة افتتاح قناة السويس، والتي خفضت الطلب على ناقلات النفط العملاقة التي تدور حول جنوب أفريقيا. وقد استغرق الانتعاش عقدا من الزمن ليعيقه الكساد الذي ضرب العالم في الثمانينات.

لم يضرب الكساد الاقتصادي الحالي شركات النقل البحري، بل والموانئ أيضا وبخاصة الأوروبية منها. وبحسب ما أوردته شركة الأبحاث والاستشارات «آي إتش إس غلوبال إنسايت»، فإن صناعة الشحن البحري العالمية - الشركات التي تنقل حاويات البضائع - مسؤولة عن 13.5 مليون وظيفة بصورة مباشرة وغير مباشرة. ويشير مجلس الشحن العالمي، الذي يمثل الصناعة، إلى أن شركات الشحن البحرية الكبرى الـ400 تنقل 60% من التجارة البحرية العالمية، أما الباقي فتحمله على الأغلب الناقلات - ناقلات النفط والغاز - والسفن الضخمة التي تنقل الفحم والحبوب والمعدات الثقيلة. ويعد المسار الذي يربط أوروبا بالدول النامية في آسيا أهم المسارات العالمية. وقد أعلنت الصين، التي تجاوزت ألمانيا مؤخرا لتصبح المصدر الأول في العالم، يوم الأحد الماضي أن صادراتها ارتفعت بنسبة 17.7% في ديسمبر (كانون الأول) عن الفترة نفسها من العام السابق، وهو ما يعد الزيادة الأولى لها خلال 14 شهرا، كما ارتفعت وارداتها بنسبة 55.9%.

وتشهد الدول النامية الأخرى طلبا قويا على الشحن، وبخاصة منتجات مثل الإسمنت أو الصلب لبناء المشروعات، لكن غالبيتها كانت تعني حصول شركات الناقلات والحاملات الضخمة على هذه الطلبات، وليس سفن الحاويات. ويقول كثير من المحللين إن عمل الحاويات لن يعود إلى مستويات ما قبل الكساد حتى عام 2012 أو ما بعده، وتتوقع شركة «دروري شيبنغ» زيادة مقدار 2.4% في حجم التجارة العالمية هذا العام بعد تقديرات بتراجعه العام الماضي بنسبة 10.3%. وقال فيكرانت إس بهاتيا، الرئيس التنفيذي لشركة «كيه سي»، شركة الشحن العملاقة التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها: «بالنسبة إلى جانب الطلب، نتوقع بعض الزيادة، ونتوقع استمرار هذه الزيادة في الصين. لكن المشكلة التي نراها تكمن في جانب الإمداد». وحتى عام 2008، كانت شركات النقل البحري قد وصلت إلى أوج تألقها، وكانت أحواض بناء السفن مشغولة ببناء سفن أكبر حجما نظرا إلى توسعة الموانئ والخدمات الجديدة وانخفاض النفقات.

وقال كاجيديغارد، المشارك في شركة «ميركاتور إنترناشيونال» للاستشارات، التي تتخذ من لندن مقرا لها: «اعتقد الجميع أن في مقدورهم السير على الماء، وكانت شركات شحن الحاويات كأطفال في محل لعب الأطفال». ثم بدأ الكساد يؤدي إلى تباطؤ في النشاط التجاري، وأكد على السعة الكبيرة في الصناعة. وتعاملت شركات حاملات الحاويات مع هذه الظروف من خلال خفض سرعة خططهم لإنتاج السفن، ويشير المحللون إلى أن الأموال يجب تجهيزها بالنسبة إلى غالبية السفن المطلوبة هذا العام والعام القادم. بعض السفن الجديدة تم تأجيل تسليمها لأصحابها بسبب التأخر في سداد الأقساط على الأغلب، والتي قد تشكل نسبة 15 إلى 20%، وهو ليس بالرقم الضخم إذا كان المبلغ الإجمالي للسفينة 160 مليون دولار. وأشارت شركة «سي إم إيه سي جي إم»، شركة النقل البحري العملاقة، مؤخرا إلى أنها كانت تناقش قضية الإلغاءات والتأجيلات مع مصنعي السفن في كوريا الجنوبية.

وتقول «ألفالينر» إن شركات بناء السفن يتوقع أن تسلم 371 سفينة هذا العام، و127 سفينة في عام 2012، حيث سيزيد أسطول الشحن العالمي بنسبة 14% في عام 2010، و10% في العام التالي، وهو ما يعني احتدام المنافسة بين شركات الشحن على الحمولة.

ويشير هركليز هارالامبيدز، مدير مركز اقتصادات ولوغستيات الملاحة البحرية في جامعة إراسموس في روتردام، إلى أن الكثير من شركات حاملات الحاويات الآسيوية كانت في وضع أفضل من منافستها الأوروبية بسبب الإعانات الحكومية، التي سمحت لأحواض بناء السفن بتحويل الطلبات الملغاة إلى شركات الملاحة المحلية أو مالكين بمعدلات فائدة منخفضة. وقد شهدت هذه الصناعة الأوروبية انخفاضا على مدار سنوات، فأحواض بناء السفن الألمانية والإيطالية في الآونة الأخيرة سعت إلى الحصول على ضمانات من الدولة، ووافقت المفوضية الأوروبية على تقدم مساعدات لحوض «غدانسك لبناء السفن» التاريخي في بولندا العام الماضي.

ولكن الدعم الحكومي يمتد إلى أبعد من نطاق صناعة السفن، فقد أنفقت عشرات المليارات من الدولارات في هذا القطاع من الصناعة في أوروبا العام الماضي، فقد قدمت المساعدات للبنوك الأكثر تعرضا لهذه الصناعة، مثل «رويال بنك أوف سكوتلاند» و«كومرتس بنك». وقد تدخلت برلين وهمبورغ لدعم «إتش إس إتش نوردبانك»، أكبر مصرف للتمويل الشحن، وقدمت الحكومة الألمانية لشركة «هاباغ لويد» 1.2 مليار يورو (1.7 مليار دولار) في شكل ضمانات.

كما دخلت شركة «سي إم إيه سي جي إم» في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية، وطلب مالكو السفن الفرنسية ضمانات للوفاء بمطالب المقرضين. وطلب المسؤولون التنفيذيون من ألمانيا وفرنسا من «البنوك المسؤولة عن الأصول المتعثرة» حل المشكلات المتعلقة بالديون.

وقال فابيو بيروتا، المتحدث باسم المفوضية الأوربية، التي تتحكم في سياسة المنافسة في أوروبا، إن الموافقة على مثل هذه المساعدات لشركات الشحن «ما زالت قيد التقييم».

بيد أن بعض اللاعبين في مجال الصناعة وشركات الشحن يزعمون بالفعل وقوع تلاعب. وقال أندرز ورتزن، مسؤول العلاقات العامة في «إيه بي مولر - ميرسك» إن المساعدات الحكومية لشركات النقل البحري «تعد دائما أخبارا سيئة، سواء منحت للشركات الأوروبية أو الآسيوية، لدرجة أنها تستخدم للمحافظة على برامج صناعة السفن الجديدة التي من الممكن تقليلها أو تأجيلها».

وتؤكد شركات الشحن هذا الشعور، فقد أعلنت شركة «ميرسك»، وهي الشركة المالكة لأكبر ناقلة حاويات، خط «ميرسك» الملاحي، عن خسائرها في النصف الأول من عام 2009، حيث بلغت 540 مليون دولار. وقال مورتن إتش إنغلستوفت، كبير المسؤولين عن العمليات بالشركة، إن الشركة قلصت من قدراتها، عن طريق استخدام أسلوب الإبحار البطيء للغاية، وإيقاف بعض السفن عن العمل، والبحث عن تحالفات لاقتسام الطرق، ما داموا لا ينتهكون قوانين مكافحة الاحتكار. وقال إن النظرة المستقبلية ما زالت «غير مستقرة»، مضيفا: «على الرغم من معدلات الزيادة الأخيرة، فإن المعدلات أقل من التكلفة وغير مستدامة بشكل واضح». وانخفض مؤشر رابطة شؤون الخطوط الأوروبية لمعدلات الصادرات الأوروبية إلى أقل من 50 في شهر مارس (آذار) الماضي، مقارنة بمستوى 100 عام 2008، قبل أن ينتعش ليصبح 80 في فصل الخريف.

شارك في هذا التقرير سالتمارش من باريس، وكيث برادشر من هونغ كونغ

* خدمة «نيويورك تايمز»