الميزانية الأميركية الجديدة.. نفقات.. وعجز قياسيان

تركيز على البطالة وتراجع للتأمين الصحي والتخلي عن خطط العودة إلى القمر

TT

تشمل الميزانية الأميركية للسنة المالية القادمة التي قدمها الرئيس الأميركي باراك أوباما أرقاما قياسية في الصرف، والعجز السنوي، وإجمالي الديون، ويبلغ صرف الميزانية الجديدة نحو 4 تريليونات دولار، وعجزها تريليون ونصف، مما يعني أن إجمالي ديون الحكومة سيقفز إلى 12 تريليون دولار.

وبينما قلل الرئيس الأميركي باراك أوباما من التركيز على خطة التأمين الصحي الشامل التي شغلته وشغلت الكونغرس والشعب الأميركي خلال السنة الأولى له في البيت الأبيض، زاد من التركيز على حل مشكلة البطالة التي وصلت إلى 10% من القوى العاملة (ووصلت إلى أكثر من ذلك في بعض الولايات، مثل 17% في ولاية كاليفورنيا).

بالإضافة إلى تخفيض البطالة، وكجزء من ذلك، أعلن أوباما عن تخفيض ضرائب على الطبقة الوسطى، وأيضا على الشركات والمؤسسات الصغيرة لتقدر هذه على استخدام مزيد من العمال.

وبصورة غير مباشرة، أعلن أوباما عن زيادة الضرائب على الأغنياء، وذلك لأنه ألغى التخفيض في ضرائب هؤلاء، الذي كان قد أعلنه الرئيس السابق بوش (الابن) قبل 10 سنوات، والذي كان سينتهي تلقائيا في السنة القادمة، إلا إذا تقرر استمراره، وبهذا، ستزيد الضرائب على كل عائلة يزيد دخلها عن ربع مليون دولار في السنة (تقريبا 20 ألف دولار في الشهر)، ويتوقع أن يضيف هذا التجميد 70 مليار دولار كل سنة للدخل من الضرائب.

وأيضا، يتوقع أن يضيف إلى دخل الضرائب 10 مليارات دولار كل سنة من ضرائب جديدة سيفرضها أوباما على البنوك الكبيرة، وخاصة التي كانت الحكومة دعمتها قبل سنة ونصف، عندما كادت أن تفلس، وتفلس معها النظام الاقتصادي الأميركي.

وفي محاولة لتخفيض العجز في الميزانية، بالإضافة إلى هذه الزيادات في الضرائب، أعلن أوباما عن تجميد الصرف الحكومي خلال السنة المالية القادمة، غير أنه استثنى وزارات الدفاع والأمن والمتقاعدين العسكريين.

وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن، إن استثناء هذه الوزارات العسكرية أو شبه العسكرية يعني أن التوفير لن يكون كثيرا، لأن ميزانيات الوزارات الأخرى، مثل التعليم والصحة والمواصلات والطاقة، ليست كبيرة بالمقارنة، مثلا، مع ميزانية وزارة الدفاع التي تزيد عن ثلثي تريليون دولار.

لهذا، تأثرت ميزانيات مدنية مثل ميزانية وكالة الفضاء (ناسا) التي لن تكون قادرة على الاستمرار في برنامج جديد، وعلى الرغم من أن أوباما قال إن عجز الميزانية القادمة سيكون أقل من عجز الميزانية الحالية، سيظل إجمالي ديون الحكومة في تزايد، يبلغ هذا الآن 12 تريليون دولار، ويزيد 4 مليارات دولار كل سنة، ويساوي هذا متوسط 40 ألف دولار لكل أميركي وأميركية من جملة السكان الذين يزيد عددهم عن 300 مليون شخص، وأكد البيت الأبيض التخلي في مشروع الميزانية الفيدرالية لعام 2011 عن برنامج عودة الأميركيين إلى القمر، وذلك بموجب ضرورة خفض النفقات.

وفي هذا السياق صرح مصدر مقرب من البيت الأبيض بأن أوباما قرر التخلي عن برنامج كونستيليشن (كوكبة النجوم) الذي أطلقه سلفه جورج بوش، والذي كان هدفه إعادة إرسال أميركيين إلى القمر بحلول عام 2020 وصولا إلى تنظيم رحلات مأهولة إلى المريخ.

وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن، إن أوباما بعدم التركيز على خطة التأمين الصحي الشامل لكل مواطن، يريد كسب بعض قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس، وخلال سنة من النقاش في الكونغرس عن هذه الخطة، صمم كل الأعضاء من الحزب الجمهوري إلا يصوتوا مع الحزب الديمقراطي.

ويتوقع أن يغير أوباما الخطة الشاملة لتكون خطة جزئية، تركز على فرض قوانين على شركات التأمين الصحي التي يتهمها أوباما باستغلال المرضى، مقابل تأسيس مجلس حكومي وخاص مشترك مع هذه الشركات لتنسيق التأمين الصحي على المواطنين.

غير أن قرار أوباما بإنهاء تخفيض الضرائب على الأغنياء (كان أعلنه الرئيس السابق بوش) لا يتوقع أن يجد تأييدا من الحزب الجمهوري، وربما يريد أوباما عقد صفقة مع هؤلاء، بإعادة الضرائب على الأغنياء مقابل تجميد الصرف الحكومي، واستثناء وزارات الدفاع والأمن والعسكريين المتقاعدين. ويبلغ حجم الميزانية التي ستقدم إلى الكونغرس 3.8 مليار دولار.

ولإعادة الأميركيين إلى وظائفهم، اقترح أوباما إنفاق نحو 100 مليار دولار على قانون الوظائف الذي سيشمل تخفيضات ضريبية للشركات الصغيرة وبرامج شبكة الأمن الاجتماعي ومساعدات الولايات والحكومات المحلية.

ولخفض العجز، سيقوم الرئيس بفرض ضرائب جديدة على بعض أضخم البنوك في البلاد، والسماح بمجموعة من التخفيضات الضريبية للأسر التي تنتهي إلى كسب أكثر من 250 ألف دولار سنويا، إضافة إلى عدم تجميد الإنفاق على الأمن، لمدة 3 سنوات، على الرغم من هذه الجهود يتوقع البيت الأبيض فجوة سنوية بين الإنفاق والعائدات لتصل إلى 1.6 تريليون دولار هذا العام حيث تواصل الحكومة الخروج من أسوأ ركود اقتصادي خلال الـ30 عاما الماضية بحسب مصادر في الكونغرس، وسوف يتراجع العجز في الميزانية إلى 1.3 تريليون دولار خلال عام 2011 لكنه سيحافظ على ارتفاعه خلال السنوات القادمة من إدارة أوباما. وللوصول إلى خطة أكثر شمولية لخفض العجز في الميزانية سيعتمد الرئيس أوباما على فريق عمل من المشرعين وخبراء الميزانية من كلا الحزبين، سيطلب منهم وضع مسودة الزيادة الضريبية واستخدام التخفيضات الضريبية لخفض العجز واستقرار الاقتراض القومي بحلول 2015. وتعد خطة الميزانية الحالية الثانية في عهد أوباما، وتأتي في الوقت الذي يقوم فيه الجمهوريون، الذين تجرؤوا بعد النجاح في الفوز بمقعد مجلس الشيوخ، بتهييج الغضب الشعبي ضد الإنفاق الحكومي، فيما يطالب الديمقراطيون بالمزيد من المال لخفض نسبة البطالة التي تقف عند نسبة 10% منذ فترة طويلة، وفي الوقت الذي تتسارع فيه الأحزاب للإعداد لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، تهدف خطة إنفاق أوباما إلى تبني مسار وسط بين الأهداف المتعارضة وطمأنة الناخبين الغاضبين.

في الوقت ذاته، قلص نقص السيولة من قدرة أوباما على التقدم بمبادرات جديدة لإعادة صياغة فترة رئاسته، وخلال الأيام القليلة الماضية طلبت الحكومة زيادة بقيمة 3 مليارات دولار لبرامج التعليم وحملة إعلامية بقيمة 5 مليارات دولار لمحاربة الانتشار النووي، وهي مبالغ لا تذكر مقارنة بخطة أوباما الأصلية لإصلاح الرعاية الصحية.

ويشير المحللون إلى أنه حتى محاولة الإدارة لمساعدة الطبقة الوسطى، يتوقع أن تحظى بمناقشة كبيرة على الرغم من ضآلة المبلغ، ويقول خبراء السياسة الذين أسهموا في صياغة التخفيضات الضريبية المقترحة من أجل رعاية المسنين، إن المقترح سيكلف فقط بضعة مليارات من الدولارات خلال العقد القادم، ويحمل البيت الأبيض طموحات كبيرة بالنسبة لقانون الوظائف، حيث طلب الرئيس من الكونغرس أن يوافقوا عليه دون تأجيل، خلال خطبة حالة الاتحاد التي ألقاها الأسبوع الماضي، كما حث روبرت غيبس السكرتير والصحافي للبيت الأبيض على قناة «سي إن إن» الجمهوريين على تنحية خلافاتهم مع الديمقراطيين وأن يتوحدوا خلف التشريع، وقال غيبس: «أعتقد أنها ستكون إشارة قوية نبعث بها إلى الشعب الأميركي».

لكن الجمهوريين يتوقعون أن يبرزوا حقيقة أن قانون الوظائف سيرفع عجز الموازنة أكثر مما سجلته في عام 2009 حيث بلغ إجمالي العجز 1.4 مليار دولار، وقد طالب ميتش ماكونيل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الديمقراطيين بالتركيز فقط على التخفيضات الضريبية كقانون توسيع التخفيضات الضريبية على الأثرياء، الذي سن في عهد إدارة بوش، والتخلي عن الرعاية الصحية. كما رفض الجمهوريون أيضا مناشدات الديمقراطيين بالمساعدة في إخراج البلاد من عثرة الميزانية التي تزيد من تفاقم مشكلة الدين إلى مستويات خطيرة تهدد بدمار الدولار، وتقوض من موقف الولايات المتحدة على المستوى الدولي.

وللعمل على استقرار الدين يقول الكثير من الاقتصاديين، إن على الحكومة أن تعمل على ألا يتخطى العجز السنوي في الميزانية 3% من الاقتصاد الكلي، وهو هدف قال عنه البيت الأبيض لكبار المشرعين في الكونغرس، إنه يأمل في الوصول إليه عام 2015، لكن وفق خطة أوباما الجديدة لن ينخفض الدين عن 3.9% من الاقتصاد، وسيبدأ في الارتفاع مرة أخرى بحلول 2020.

والوصول إلى هدف الرئيس أوباما لن يكون سهلا، ويرجح أن يتطلب تريليونات من الدولارات من الزيادات الضريبية، فضلا عن تخفيضات في برامج الاستحقاقات الشعبية، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.