أوباما يذكّر شركات صناعة السيارات بواجباتها.. ومشكلات «تويوتا» تثير مخاوف عودة نزعة الحماية في أميركا

دراسة: «تويوتا» تبقى الأقل سوءا.. وترتيبها الـ17 بين الشركات التي أثارت شكاوى الزبائن منذ 2001 * بعد «هوندا» و«فورد».. «فولكس فاغن» تسحب آلاف السيارات

المشكلات التقنية الأخيرة وسحب السيارات زادت أمور قطاع صناعة السيارات المتأثر أصلا بالأزمة المالية العالمية، تعقيدا
TT

طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من «تويوتا» والشركات المنافسة لها الحرص على سلامة سياراتها وذلك في أول تصريحات له منذ بداية الأزمة، بينما أرجأ رئيس مجلس إدارة هذه الشركة إلى مارس (آذار) زيارة إلى الولايات المتحدة. وقال أوباما في مقابلة مع مجلة «بلومبرغ بيزنسويك» التي صدرت أمس «عندما يتعلق الأمر بالسلامة العامة، من واجب كل شركة لصناعة السيارات التحرك بسرعة وتصميم فور كشف المشكلات». وأضاف: «لا نعرف بعدُ ماذا حدث في قضية (تويوتا)، وسيجرى تحقيق»، إلا أنه أكد في الوقت نفسه ثقته في قدرة الشركة اليابانية العملاقة على «البقاء شركة منتجة استثنائية على الرغم من هذه المشكلة العابرة». من جهته، أعلن رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لـ«تويوتا» أكيو تويودا الذي تعرض لضغوط للتحدث عن الوضع في الكونغرس الأميركي، أنه لن يتوجه إلى الولايات المتحدة قبل مارس (آذار) المقبل. وقالت ناطقة باسم الشركة اليابانية إن تويودا «كان ينوي التوجه إلى الولايات المتحدة منذ العاشر من فبراير (شباط) لكنه اضطر إلى تغيير خططه بسبب هطول الثلوج بغزارة». وأضافت أنه «ينوي حاليا تأجيل هذه الزيارة إلى نحو مطلع مارس». والزيارة منتظرة جدا في الولايات المتحدة حيث تم سحب الجزء الأكبر من 8.67 مليون سيارة «تويوتا» في العالم لمشكلات تتعلق بالمكابح ودواسة السرعة. وطلب وزير التجارة والصناعة ماسايوكي ناوشيما القلِق على صورة الصناعة اليابانية، من تويودا «تفسير ما حدث بشكل واضح». وذكرت صحيفتان يابانيتان الجمعة أن تويودا ينوي فعلا التوجه إلى الكونغرس الأميركي. وقالت صحيفة «يوميوري شيمبون» أن تويودا ينوي في المقابل أن يعلن خلال رحلته إلى الولايات المتحدة، أن الشركة ستنشر كل التفاصيل بشأن العيوب التي اكتشفت في سياراتها لاستعادة ثقة المستهلكين. وأوضحت أن «تويوتا» ستصبح بذلك أول شركة لصناعات السيارات تكشف مجمل عيوبها حتى أقلها خطورة مثل مشكلة صغيرة في إغلاق باب السيارة. والوقت ينفد أمام المجموعة التي تستهدفها سلسلة من الشكاوى في الولايات المتحدة آخرها دعوى من مستهلكين تتهمها بالتسبب في خفض أسعار سيارات «تويوتا» المستعملة في الأسواق. وقال أستاذ الحقوق تيم هاورد الذي يتولى تنسيق هذه الشكاوى في قضية جماعية واحدة أن مسألة «تويوتا» «هي أخطر وأهم قضية أضرار اقتصادية للمستهلكين الأميركيين عالجتها حتى الآن». وكان هاورد اكتسب شهرة في تسعينات القرن الماضي عبر نجاحه في إدانة شركة منتجة للسجائر والحكم عليها بدفع عشرين مليار دولار من التعويضات في فلوريدا. ورفعت دعاوى أخرى من قبل بسبب عيوب تؤثر على سلامة السيارة بينما أصبح اسم الشركة الذي كان مرادفا للثقة، موضع تهكم. وقال غاي لينو مقدم البرنامج الساخر على شبكة «إن بي سي» إنه «في الألعاب الأولمبية الشتوية في فانكوفر (...) من أجل إضفاء بعض الحيوية ستصنع (تويوتا) عربات التزلج (بوبسليغ)». وعلى «يوتيوب»، شاهد نحو ثلاثين ألف شخص فيلم فيديو حول «سحب آلات لجزّ العشب من نوع (تويوتا)» يظهر فيه رب أسرة جرّته الآلة نحو عشرة أمتار قبل أن ينتهي في سلة المهملات. إلا أن «تويوتا» ليست الشركة الوحيدة التي تعاني مشكلات، فقد أعلنت الشركة الألمانية المنافسة لها «فولكس فاغن» الخميس سحب مائتي ألف سيارة في البرازيل بسبب عيب في العجلات الخلفية لاثنين من موديلاتها.

قالت شركة «فولكس فاغن» الألمانية لصناعة السيارات إنها قررت سحب أكثر من 193 ألف سيارة في البرازيل بسبب خلل في العجلات الخلفية يؤدي إلى كبح العجلات تلقائيا ويمكن أن يتسبب في حوادث.

وقالت «فولكس فاغن» في بيان أول من أمس الخميس إنها ستسحب 193.620 سيارة من طرازي «نوفو غول» و«فوياج» 2009 و2010 التي جرى تصنيعها في البرازيل للسوق المحلي وهو ثالث أكبر سوق للشركة الألمانية.

وأوضحت «فولكس فاغن» أن الخلل يوجد في السيارات المصنعة قبل يوليو (تموز) 2009 فقط ويتسبب في صدور صوت خشن عال في أثناء السير, كما يؤدي إلى كبح العجلات تلقائيا. وأضافت أنه في حالات الاستخدام القصوى للعجلات مع عدم تشحيمها بدرجة كافية فإنه يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفكيك العجلة, ومن المحتمل أن يتسبب في حوادث.

وانضمت «فولكس فاغن» - التي تعتبر ثالث أكبر شركة في العالم بعد «تويوتا» و«جنرال موتورز» - إلى قائمة الشركات التي سحبت سيارات من الأسواق في الفترة الأخيرة بعد أن سحبت شركة «تويوتا» اليابانية أكثر من 8.5 مليون سيارة بسبب خلل في دواسات السرعة.

وزادت شركة «هوندا» الأربعاء الماضي حجم استدعاء سياراتها إلى نحو 950 ألف سيارة بسبب عيب في منفاخ الوسادة الهوائية للسائق.

واعترفت شركة السيارات الأميركية العملاقة «فورد» بوجود مشكلات في مكابح طرز «فورد فيوجن» و«ميركوري ميلان» الهجين التي أنتجتها الشركة خلال هذا العام، وعرضت برامج لإصلاحها. وبحسب دراسة نشرها موقع «إدموندز دوت كوم» الأميركي المتخصص، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، فإن «تويوتا» تأتي في المرتبة السابعة عشرة بين شركات تصنيع السيارات التي أثارت الكثير من الشكاوى لدى الزبائن بين 2001 والأسبوع الماضي، وراء «جنرال موتورز» و«كرايسلر» و«فورد»، إضافة إلى «هوندا» و«نيسان» و«هيونداي». وقال المدير التنفيذي للموقع الإلكتروني المختص في عالم السيارات جيريمي أنويل إنه «نبغي أن لا يتجاهل أحد المشكلات التي أثارتها عمليات استرداد سيارات (تويوتا)، لكن يجب وضع الأمور في إطارها»، مؤكدا أن «نظرة أوسع إلى الموضوع تبين أن شكاوى الزبائن حول سيارات (تويوتا)، لا يجب حصرها في الشركة اليابانية فقط، إنما الأمر ينسحب على كل صناعة السيارات العالمية. وإن تجربة (تويوتا) الأخيرة تظهر أنه لم يعد في إمكان شركات السيارات تجاهل شكاوى الزبائن».

تكشف قوة الضغوط التي تمارسها السلطات الأميركية على مجموعة «تويوتا» اليابانية لصناعة السيارات لتأخذ المشكلات التي ندد بها سائقو سياراتها على محمل الجد، ميولا نحو مبدأ الحمائية تتجاوز القلق على السلامة، بحسب محللين. ورأى هؤلاء أن إدارة الرئيس باراك أوباما أبدت في السابق ميولا مماثلة عندما استبعدت الشركات الأجنبية من مشاريع واردة في خطتها للنهوض الاقتصادي، وعندما فرضت رسوما جمركية مرتفعة على منتجات صينية بعد تنديدها بالمساعدات غير القانونية أو مبيعات خاسرة. وتستند الاتهامات التي تحدثت عن أن الإدارة الأميركية تنتقد «تويوتا» لمصلحة مصنعي السيارات الأميركيين، إلى أن الحكومة تملك منذ الصيف نسبة 60% من «جنرال موتورز» و8% من «كرايسلر». وأعلن الاقتصادي دانيال إيكنسون من مركز الأبحاث الليبرالي «كاتو إنستيتيوت» لوكالة «فرانس برس»: «يبدو أن الاهتمام الذي توليه الإدارة لاسترداد (تويوتا) سياراتها، استثنائي». وقد يكون ذلك ناجما عن «كون الأنباء السيئة لـ(تويوتا) تفيد (جنرال موتورز) المؤممة، وفي هذا المعنى فإن ذلك مرتبط بشعور بالحماية»، كما أضاف إيكنسون الذي يجد أنه «لا يمكن للمرء أن يكون حكما موضوعيا عندما يشارك في السباق».

ويمكن للضغوط الأميركية أيضا أن تكون ناتجة عن كون «المسؤولين يفضلون - ولو أثار ذلك الاشمئزاز - أن يظهروا أنفسهم أنهم في صدد مواجهة مشكلة يمكن التحكم بها وإدارتها بدلا من مواجهة مشكلات حقيقية انتخبوا لحلها» مثل انحرافات الموازنات، بحسب إيكنسون. وأجرى وزير النقل راي لحود محادثات مع رئيس مجلس إدارة «تويوتا» أكيو تويودا الأسبوع الماضي، وأشار مرارا إلى أن الأجهزة التابعة له تدخلت مباشرة لدى «تويوتا»، بما في ذلك خلال زيارة إلى اليابان العام الماضي، لتشجيع تنظيم استرداد كثيف لسيارات بسبب عيوب في عمل دواسة السرعة. وأثار لحود أيضا بداية ذعر بين مساهمي «تويوتا» الأسبوع الماضي عندما أوصى سائقي السيارات «بالتوقف عن قيادة» سيارات من هذه الماركة، قبل أن يتم تصليحها، وأوصاهم بالتوجه بكل بساطة إلى مرأب التصليح. من جهتهم، طلب عدد من النواب أن يحضر أكيو تويودا شخصيا جلسة استماع يتوقعون عقدها في نهاية الشهر، وكانت تقتصر حتى الآن على إدارة المجموعة في أميركا الشمالية. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية يخشى البعض أن تؤدي كل هذه الضغوط والانتقادات إلى برودة حماسة المجموعة في الولايات المتحدة حيث استثمرت «تويوتا» أكثر من 17 مليار دولار وحيث تستخدم نحو 35 ألف شخص (دون احتساب 115 ألف شخص يعملون لدى حملة الامتيازات). ووجه حكام الولايات الأميركية الأربع حيث تتركز «تويوتا» (إنديانا وكنتاكي وميسيسيبي وألاباما) رسالة الأربعاء إلى النواب لتذكيرهم بأن المجموعة اليابانية «تتمتع بتاريخ طويل من الترويج للسلامة والعمل» في البلاد، وللتعبير عن قلقهم من «تصريحات مثيرة للاضطراب ومن إجراءات مستعجلة» اتخذها مسؤولون حكوميون.