الأزمة المالية تدفع البورصات الأميركية لجذب الشركات الصينية بدلا من بورصتي هونغ كونغ وشنغهاي

الصين جنت 210 مليارات دولار عالميا من خلال عمليات الاكتتاب خلال 5 سنوات

خلال عام 2009 كانت 11 عملية اكتتاب من بين كل 14 عملية اكتتاب أجنبية في البورصات الأميركية مرتبطة بشركات موجودة داخل الصين (أ.ف.ب)
TT

في أبريل (نيسان) الماضي، عندما كانت الأسواق المالية العالمية تنهار، اتخذ موقع إليكتروني صيني (وهو Sohu.com) خطوة جريئة سعى من خلالها إلى تأسيس وحدة ألعاب على الشبكة الإليكترونية وإدراجها داخل بورصة «ناسداك». وقد حقق ذلك الرهان نتائج طيبة، حيث أصبحت الوحدة (Changyou.com) من أكثر عملية الاكتتاب العامة رواجا خلال ذلك العام، وأدى ذلك إلى فورة في عروض الأسهم الصينية أدرت أكثر من 55 مليار دولار وجعلت الصين تحتل المرتبة الأولى في العالم من ناحية الشركات التي تطرح اكتتابا عاما.

وعلى إثر ذلك بدأت المصارف الاستثمارية داخل وول ستريت في السعي إلى جذب المزيد من الأنشطة التجارية من الصين، على الرغم من مخاطر شراء أسهم داخل الشركات الصينية والمخاوف المتنامية بشأن احتمالية ظهور فقاعة داخل الشركات الصينية المدرجة في البورصة. وتسرع بورصتا نيويورك وناسداك، بعد أن شهدتا تراجعا في عمليات الاكتتاب العامة الأولية خلال العام الماضي بالمقارنة مع المئات من العمليات قبل عشرة أعوام، من وتيرة مخططات تهدف إلى جذب المزيد من الشركات الصينية إلى الولايات المتحدة من بورصات في هونغ كونغ وشنغهاي. ويقول روبرت ماك كوي، المسؤول عن الشركات الجديدة المدرجة في بورصة ناسداك، عن الشركات الصينية المدرجة: «كان الربع الماضي من أكثر الفترات التي شهدت عمليات خلال أعوام، وأشعر أن العام الحالي سيكون قويا أيضا».

وتقوم شركات أسهم خاصة عالمية ورجال أعمال في وادي السيليكون ومديرو صناديق تحوط داخل نيويورك ومستثمرون عالميون بتدشين أنشطة تجارية مشتركة مع الحكومة الصينية، أو البحث عن وسائل أخرى للتنافس على جزء مما يصفه المستثمر الأميركي ويلبور روس بأنه «المعجزة الصينية». ويذكر أنه خلال الأعوام الخمسة الماضية، جنت الشركات الصينية نحو 210 مليار دولار عالميا من خلال عمليات اكتتاب عامة أولية، وذلك حسب ما تفيد به مؤسسة «ديلوجك» التي تتبع عمليات الاكتتاب في العالم. وفي المقابل، جنت الشركات الأميركية 184 مليار دولار، حسب ما ذكرته «ديلوجك». وقد خفضت الأزمة المالية العالمية بدرجة كبيرة من عدد الشركات الجديدة داخل الولايات المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي فيما عدا الصين. وخلال عام 2009، كانت 11 عملية اكتتاب من بين كل 14 عملية اكتتاب أجنبية في البورصات الأميركية مرتبطة بشركات موجودة داخل الصين، وذلك حسب ما ذكرته مؤسسة «رينيسنس كابيتال» التي تراقب عمليات الاكتتاب الأولية.

ومع تراجع وتيرة الركود الاقتصادي، يراهن المستثمرون على أن سوق الاكتتاب داخل الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية سوف يسترد عافيته خلال العام الحالي. ولكن من غير المحتمل أن تحقق أي شركة الأرباح التي ستحققها الشركات الصينية، حيث من المتوقع أن تجني المئات من الشركات عشرات المليارات من الدولارات من خلال عمليات اكتتاب عامة العام الحالي. ومن المتوقع أن تحقق شركتان فقط، هما الذراع الآسيوي لـ«أميركان إنترناشيونال غروب» والبنك الزراعي الصيني، من خلال اكتتاب العام مجمل 30-40 مليار دولار، ويعد ذلك ما تحققه شركات أميركية خلال عام جيد. ويقول مارك ماتشين، الرئيس المشارك لقسم الصيرفة الاستثمارية الآسيوية داخل «غولدمان ساكس»: «يعد مدير أي صندوق له محفظة عالمية مهملا، إذا لم يكن له اتصال مع الصين، حيث ستكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم».

وأعلنت مجموعة «كارليل» وهي أحد أكبر صناديق الأسهم الخاصة في العالم، الشهر الحالي أنها سوف تتواصل مع حكومة بكين المحلية من أجل بناء صندوق استثماري. ودشنت مجموعة «بلاك ستون» أخيرا نشاطا تجاريا مع حكومة شنغهاي. ويقول روس: إنه استثمر مؤخرا 100 مليون دولار في شركة صينية تابعة للحكومة تدعى مجموعة «لونغيان» للطاقة الكهربية قبل اكتتابها في شنغهاي العام الماضي في عملية بلغت قيمتها 2.6 مليار دولار. ويضيف: «تستحق الشركات الصينية مكافئة، أكبر كثيرا من الشركات الغربية».

وما يدفع المستثمرين إلى القيام بذلك قصص عن شركات مثل «ناسبرز» وهي مجموعة إعلامية وترفيهية في جنوب أفريقيا استثمرت 30 مليون دولار في شركة «تينسنت» الصينية للإنترنت مقابل حصة نسبتها 36 في المائة خلال عام 2001. وتبلغ قيمة هذه الحصة في الوقت الحالي أكثر من 13 مليار دولار. وفي نفس الوقت يمكن هناك أداء ضعيف لبعض الشركات الصينية. وكانت أعلى ثلاث عمليات اكتتاب أولية داخل الولايات المتحدة العام الماضي لشركات صينية، من بينها Changyou.com. وكانت أيضا ثلاث شركات من الخمس صاحبة الأداء الأسوأ شركات صينية، وذلك حسب ما أفادت به مؤسسة «رينيسنس كابيتال».

وضخت الشركات الجديدة المدرجة في البورصة مليارات الدولارات داخل الصين، وبهذا وفرت رأس المال للعشرات من الشركات وساعدت على ظهور طبقة من المليارديرات. وتقول «فوربس»: كان داخل الصين 78 ملياردير خلال عام 2009، بالمقارنة مع ملياردير واحد فقط خلال 2003. ويرتبط معظم المال بأسهم الشركات المدرجة مؤخرا. ويعد ذلك السبب في أن المستثمرين الصينيين، المفروض عليهم قيودا شديدا قانونيا فيما يتعلق بعمليات الشراء داخل بورصتي شنغهاي وشينتشين، حريصين على أسهم الاكتتاب الأولى، التي يكون من نصيبها في الأغلب زيادة كبيرة في الأسعار خلال اليوم الأول. وعلى سبيل المثال، فإنه خلال عام 2009 ارتفعت أسهم الشركات المدرجة مؤخرا داخل هاتين البورصتين، في المتوسط، بنسبة 74 في المائة خلال اليوم الأول من التداول داخل الصين. وكانت هذه الزيادة الأصغر في أسعار الأسهم خلال ثلاثة أعوام. وعام 2007، كان متوسط الزيادة 193 في المائة. ولاستيعاب العدد المتزايد من الشركات الصينية الأصغر المهتمة بالاكتتاب العام، افتتحت الصين خلال فصل الخريف الماضي بورصة على غرار بورصة ناسداك يطلق عليه «تشينكست». ومثل ذلك نجاحا كبيرا، وفي يومها الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان هناك إقبال كبير على أسهم جميع الشركات الثمانية والعشرين لدرجة أن البورصة علَّقت عمليات التداول بصورة مؤقتة حتى يتمكن المستثمرون من التقاط أنفاسهم. ومع تراجع الشركات المحلية التي تجري اكتتابا أوليا، عززت البورصات الأميركية علاقاتها مع الصين. وعام 2007، افتتحت بورصة نيويورك مكتبا في الصين وخففت من شروط الإدراج الخاصة بها من أجل جذب شركات صينية إلى وول ستريت.

وكان ذلك سببا في قلق بعض المحللين الذين يقولون: إن ذلك قد يسمح لشركات ذات مستوى أقل بطرح أسمهما في اكتتاب عام. وحذر منتقدون لفترة طويلة من أشياء مجهولة تتعلق بالاستثمار داخل شركات صينية مثل: فضائح تجارية داخلية وغياب الشفافية وضعف الرقابة النظامية وتقلب الأسعار والغموض الذي يكتنف حقوق حملة الأسهم. وتساءل كارل ولتر، وهو مصرفي استثماري داخل بكين والمؤلف المشارك لـ«خصخصة الصين: داخل بورصات الصين»: «هل تُجري عمليات إفصاح فعلية؟ وهل يُعرف حقا مَن هم المستثمرون داخل هذه الشركات عندما يتصرفون جميعا من خلال مرشحين؟»، في إشارة إلى الوكلاء. ويحاول المنظمون الصينيون اتخاذ خطوات من أجل التعامل مع نقاط الضعف داخل السوق هنا. وعلى سبيل المثال فإنه في نهاية الشهر الماضي انتقد المنظمون المؤسسات المالية لأنها كانت «غير مسؤولة» في تحديد أسعار عمليات الاكتتاب الأولية وقالوا: إنها ساعدت على إزكاء المضاربة في الأسهم على الرغم من أن عمليات الاكتتاب الحديثة كانت قد تراجعت في التداول الأولي. وداخل الولايات المتحدة، يصر مسؤولون في بورصة نيويورك وناسداك، التي كانت متحمسة إلى إدراج شركات صينية، على أن المستثمرين لديهم إجراءات حماية قوية. ويقول مايكل يانغ، الممثل الرئيس في الصين لـ«بورصة نيويورك يورونكست»: «خفضت بورصة نيويورك من الشروط المالية، وفي الواقع نفضل أن نقول إنها جعلتها أكثر مرونة. ولكن لا نقلل يوما من الشروط الأخرى ومن بينها الحكومة المؤسساتية والشفافية والإفصاح والتقرير المالي... إلخ» ويقول يانغ إن التغييرات سوف تسمح لشركات أصغر تنمو سريعا كي تنضم إلى البورصة.

وتمكنت الشركات المدرجة في البورصتين من جني 27 مليار دولار خلال العام الماضي، بالمقارنة مع نحو 31 مليار دولار عام 2008، وبالرقم القياسي لعام 2007 الذي بلغ 65 مليار دولار. وساعدت عملية الاستحواذ التي قامت بها «بورصة نيويورك يورونكست» لبورصة الأسهم الأميركية عام 2008 على جذب شركات صينية أصغر متحمسة إلى الاستفادة من المواطنين الأميركيين المستثمرين.

* خدمة «نيويورك تايمز»