الأزمة المالية العالمية.. البسطاء يدفعون الثمن!

سعود الأحمد

TT

من الواضح أن الرئيس باراك أوباما جاد في برنامجه لتغريم البنوك الكبيرة، ويرغب في استرجاع أموال دافع الضرائب الأميركي التي كانت قد صرفتها الإدارة الأميركية على البنوك الكبيرة لإنقاذها من الانهيار في بداية الأزمة الاقتصادية العالمية. وهي الأموال التي صرفت بتفويض من الكونغرس، من خلال برنامج إغاثة الأصول المتعثرة «تارب».. لكنه على ما يبدو توجه لمعاقبة ضحايا الأزمة، وليس من تسببوا فيها!.

حيث تتضمن الخطة برنامجا زمنيا لمدة 10 أعوام، ويتم خلالها تغريم كبار المصارف الأميركية ما مقداره 90 مليار دولار. ويتحدث الرئيس وبلهجة شديدة بأن البنوك استمرت في دفع الرواتب العالية لمديريها، وأنها واصلت التفريط في الأموال، ودخلت في مخاطر لتحقيق أرباح سريعة، ووضعت نفسها في أزمة من صنعها، بتصرفات غير مسؤولة. موضحا أن قراره فرض الضريبة يأتي بسبب «الأرباح الهائلة والمكافآت الفاحشة» التي تمتعت بها مؤسسات مالية، استفادت من مساعدة الحكومة. وقال أوباما بصريح العبارة «نريد استرداد أموالنا، وسنحصل عليها». وستفرض الضريبة الإضافية على البنوك التي تفوق قيمة أصولها أكثر من 50 مليار دولار. وستسمى الضريبة «رسم مسؤولية الأزمة المالية» لتفرض على مدار 10 سنوات.

وتنوي الإدارة الأميركية العمل من خلال آلية مجموعة دول الـ20 ومجلس الاستقرار المالي، على تطبيق ضرائب مماثلة في دول مجموعة العشرين. إضافة إلى تطبيق مبادئ «قاعدة فولكر» التي تتسم بالتحفظ غير المعهود، والتي من المؤكد أن تؤدي إلى تخفيض أرباح البنوك، بتأثير (مؤلم) لا يقل عن تأثير أزمة الرهن العقاري!. كما يلاحظ أن هذا التوجه الأميركي يعول على تأييد مجموعة الـ20 أكثر من الرأي العام الدولي، بدليل أنها بمؤتمر دافوس (الأخير) لم توفد لتمثيلها فيه سوى نائب سفير!.

لكن النقطة الجديرة أن هذه العقوبات لن تطال مديري البنوك، ولا مديري هيئة سوق المال وعمالقة «وول ستريت»، بل ستقود في النهاية إلى معاقبة (البسطاء) ملاك أسهم هذه البنوك الكبيرة!. فمالك السهم ليس هو مرتكب التجاوزات والأخطاء التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية، ومع ذلك هو الذي دفع الرواتب المبالغ فيها للمديرين، وهو نفسه الذي دفع ثمن انخفاض أسعار أسهم هذه البنوك عندما منيت بخسائر طوحت بأسعار أسهمها في الأسواق العالمية، وهو نفسه الذي سيدفع استعادة أموال دافع الضرائب!.

هذا التوجه يتغافل عن حقيقة أن هذه البنوك الكبيرة كانت تدار بنظام مصرفي يشرف عليه البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وأنه في عرف الرقابة المالية أن مثل هذه الخسائر تعود لسببين: إما وجود نقص وخلل في اللوائح والنظم الرقابية المصرفية، أو وجود نقص وخلل في تطبيق هذه الإجراءات الرقابية ونقص في المتابعة والرقابة على تطبيقها. فلماذا لا يدعو «أوباما» لمحاكمة الشخصيات القيادية المتساهلة في وضع النظم المصرفية الكفيلة بحماية البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، وفي مقدمتهم سيادة الرئيس (السابق) السيد ألن غرينسبان؟! فالسيد ألن غرينسبان، وهو رئيس البنك المركزي، هو الذي تسبب في الأزمة وصدرها للعالم. وهو الذي عندما استجوب أمام إحدى لجان النواب الأميركي في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2008، قال (معترفا) إنه أخطأ التقدير في إيمانه العميق بعدم وجود حاجة إلى وضع تشريعات صارمة تجاه التطورات الدراماتيكية في الأسواق المالية ومشتقاتها. معللا ذلك باعتقاده الراسخ أن إدارات البنوك والمؤسسات المالية تسعى إلى تحقيق مصالح مساهميها، وأن ذلك يعد كافيا بضمان عدم تورطها في مخاطر بالغة الخطورة. مضيفا أنه فوجئ بأن إدارات هذه البنوك قد تصرفت بلا مسؤولية. مما تسبب في إفلاس الكثير من البنوك والمؤسسات المالية الكبيرة والصغيرة!.. هذه الإجابة من رئيس البنك المركزي غير مقنعة (البتة)، لأن السبب الجوهري في حدوث هذه الأزمة يكمن في نقص الأنظمة الكفيلة بحماية المؤسسات المالية والمصرفية، إضافة إلى ضعف تطبيق ما هو مصدر منها للتطبيق!.

الذي أعتقده أن هذا التوجه لن يكتب له التأييد، لأن محاسبة البنوك الكبيرة ستجر معها محاكمة المتسببين في حدوث الأزمة العالمية. ثم إن الأزمة لم يتضرر منها دافع الضرائب الأميركي وحده. وإذا فتح باب الملاحقة ودفع التعويضات، فإن من حق جميع دول العالم أن تطالب الإدارة الأميركية بالتعويض.

* كاتب ومحلل مالي