الأمن الغذائي العالمي: قلة الموارد رفعت الأسعار.. وعدد الفقراء مليار في العالم

خبراء: السكر شهد ارتفاعا بنسبة تعدت 250% خلال الـ18 شهرا الماضية

TT

لم تكن أطباق المقبلات، التي وضعت على مأدبة الغداء اليومية في «منتدى جدة الاقتصادي»، أمس، مجرد أنواع مختلفة من الخضروات للتغذية وسد جوع الحاضرين، وإنما كانت ملهما للمتحدثين في جلسة الزراعة والأمن الغذائي، للتفكير في الصورة التي ستكون عليه الحياة البشرية من دون تلك الأطباق.

وإن كان العالم يعصر أفكاره في إيجاد الطاقة المتجددة والطاقة البديلة، من خلال نداءات ولقاءات لضمان مستقبل حياة المحركات، فكان لا بد لنقاش بحث الأمر نفسه في تجديد مصادر الطاقة الإنسانية، والمتمثلة في براميل الغذاء، من زراعة وثروة حيوانية، ناقش فيها المشاركون في جلسة الزراعة والأمن الغذائي.

وعزا خبراء الأمن الغذائي المشاركون في الجلسة الثالثة والأخيرة، أمس، ارتفاع الأسعار فيما يتعلق بالعناصر الأساسية للغذاء في العالم، إلى قلة الموارد التي يبلغ نتاجها على مستوى العالم نحو 2.2 طن، مطالبين بضرورة تحسين أوضاع الفقراء في دول جنوب آسيا وأفريقيا، وإيجاد الاتفاقيات والأنظمة التشريعية والتمويلية على حد سواء لتغطية 42 مليون هكتار من الأراضي الزراعية القاحلة.

وبين انتظام حسين، خبير في الاقتصاد الزراعي في «البنك الإسلامي للتنمية» أن «العالم في حاجة إلى تغطية أربعة أضعاف الأراضي القاحلة للقضاء على مشكلات الغذاء الأساسية». وقال حسين، خلال الجلسة الثالثة لـ«منتدى جدة الاقتصادي 2010» في يومه الثالث، أمس: «إن مليار نسمة في العالم يعانون الجوع وقلة الغذاء، سيما أن الأزمة العالمية دفعت الأسعار إلى الارتفاع، وبالتالي زادت التكاليف بالنسبة إلى الدول المستثمرة في المجال الزراعي». وأشار الخبير في الاقتصاد الزراعي إلى أن «البنك الإسلامي» وجه 10 في المائة من مشاريعه لتنمية الزراعة حول العالم، مضيفا: «كما تبنى البنك مبادرات زراعية أسهمت في دعم القطاع الخاص المهتم في المجال».

وكشف حسين عن نحو 375 مليون دولار قدمها البنك قروضا للمشاريع الزراعية، داعيا إلى إيجاد صناديق تمويلية للمشاريع الزراعية. وكانت محاورات الجلسة الثالثة تركزت حول جودة الغذاء في السعودية، إضافة إلى الاستثمارات السعودية مع الدول الأوروبية والعالمية.

إلى ذلك، أرجع خبراء اقتصاديون أسباب ارتفاع أسعار السكر إلى النقص الذي تعيشه الهند، كونها المصدر الرئيسي له، والتي كانت تورد للعالم أكثر من ثمانية ملايين طن خلال عامي 2007 و2008، إلا أنها باتت تستورد بعد ذلك ما يتعدى خمسة ملايين طن، مما أدى إلى تقليص الفائض العالمي من السكر.

وأوضح زهير الدغيري، الرئيس التنفيذي لشركة «صافولا» للأغذية، لـ«الشرق الأوسط»، أن السكر شهد ارتفاعا بنسبة تعدت 250 في المائة خلال الـ18 شهرا الأخيرة، لافتا إلى أن سعر الطن الواحد منه ارتفع من 300 إلى 750 دولارا. وقال في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «لم تشهد أسعار السكر أي ارتفاع أثناء حدوث الأزمة الغذائية التي شهدها العالم عام 2007 وحتى منتصف 2008، وذلك نتيجة وجود فائض كبير جدا في إنتاجه عالميا، غير أن بقية المواد الغذائية شهدت ارتفاعا في الفترة نفسها».

وأشار إلى أن الأسعار جميعها انخفضت بعد الأزمة المالية العالمية بنسبة 40 في المائة، ماعدا السكر، متوقعا أن تعود الهند لاستيفاء حاجياتها الداخلية نهاية العام الحالي، والذي من شأنه أن يسهم في عودة الأمور إلى طبيعتها ومعاودة الأسعار للنزول. وأضاف: «طالت موجة ارتفاع الأسعار زيوت الطعام بشكل قوي عامي 2007 و2008، غير أنها بدأت في الانخفاض بعد ذلك على خلفية الأزمة الغذائية»، مبينا أن سعر الجالون منه، سعة لترين، بدأت في استعادة سعرها الطبيعي المتمثل في 10 ريالات، بعد أن وصل إلى 15 ريالا.

من جانبه، أكد سامي باروم، الرئيس التنفيذي لشركة «صافولا»، لـ«الشرق الأوسط»، انخفاض أسعار الزيوت بنسبة تزيد على 40 في المائة، غير أن السكر شهد ارتفاعا على مستوى العالم نتيجة عدم تأثره بالأزمة الغذائية، على حد قوله.

إلى ذلك، أوضح الدكتور حمد الشيخ، نائب الرئيس لشؤون التطوير والجودة بجامعة الملك سعود في الرياض، أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 76 في المائة من عام 2006 إلى 2008، أضاف نحو 150 مليون نسمة من سكان العالم إلى قائمة الفقر، محذرا من ارتفاع عدد الفقراء في الأعوام المقبلة.

وقال: «إن احتياج العالم من الغذاء سيرتفع إلى نسبة 70 في المائة في 2050، وسيضطر العالم إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية بنسبة 50 في المائة، مقارنة بالمساحة المزروعة حاليا»، مستطردا: «هذا ما يتطلب 58 مليار دولار كاستثمارات زراعية». وأضاف الدكتور الشيخ، وهو رئيس الجلسة، أن منظمة الزراعة العالمية والمنظمات الدولية الأخرى ترسل بإشارات متداخلة ومختلطة بل مخيفة، في الوقت الذي تدعو فيه إلى الاستثمار الزراعي، حيث تعتبر نوعا من هذا الاستثمار بمثابة التدخل السياسي، ويأتي ذلك في الوقت الذي تطالب فيه «الفاو» بـ83 مليار دولار سنويا لتوفير الغذاء لسكان الكرة الأرضية.

إلى ذلك، أشار يوتاكاكاس، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «سوغيتز» اليابانية المتخصصة في صناعة الغذاء، عن علاقة جيدة بين السعودية واليابان في مجالي الزراعة والغذاء. وقال: «إن الدولتين تقيمان مشروعا مشتركا عملاقا جنوب شرق مدينة جدة، وهي خطوة مهمة جدا سوف تعود بالنفع على مستوى دول الخليج العربي بصفة عامة، إدراكا منا أن كثيرا من المناطق في العالم ستواجه مشكلات كبيرة في مجال الأمن الغذائي، وهي قضية تمثل هاجسا واسعا لدول العالم جميعها في الوقت الراهن، خصوصا بعد أزمة الغذاء التي عصفت بالعالم عامي 2007 و2008». وتابع: «إن الزيادة السكانية، وقلة المساحات المزروعة، وتغيرات المناخ، سوف تجعل من أزمة الغذاء أزمة مستمرة، كما أن أسعار الغذاء سوف ترتفع». وقال يوتاكاكاس بأن الحلول تكمن في زيادة إنتاج الغذاء والعدالة في توزيعه بين المناطق المنتجة والمناطق المستهلكة، وتحسين مستوى الإنتاج لتحقيق الوفرة في المنتج، وابتكار الحلول العملية للتغلب على ندرة المياه وقلة الأراضي الصالحة للزراعة.