شيوخ «وول ستريت» يفضلون المزيد من الإجراءات التنظيمية

النظام الاقتصادي الأميركي شهد انحرافات كثيرة وفي حاجة إلى إصلاح

TT

فلننحِّ جانبا الضغوط السياسية التي تهدف إلى تنظيم التعاملات المصرفية وعمليات التداول، ولنسأل الأقطاب البارزة داخل هذه القطاعات، ومنهم شخصيات بارزة مثل جورج سوروس ونيكولاس برادي وجون ريد وويليام دونالدسون وجون بوغل، لنتعرف على موقفهم إزاء التنظيم. وسنجد أنهم يضعوننا في ورطة. بالتأكيد، لا ينظر هؤلاء إلى أنفسهم كأفراد غاضبين، فقد أصبحوا من ذوي الثراء داخل عالم التمويل، وكونوا ثرواتهم عادة في السبعينات والثمانينات عندما كانت المصارف وشركات الأوراق المالية تخضع لقواعد تنظيمية أكثر. وحاليا، يصطفون إلى جانب الحكماء الحاليين، ويريدون المزيد من القواعد.

وعلى الرغم من أن الجيل الأصغر، ويقوده كما هو واضح لويد بلانكفين، الرئيس التنفيذي لـ«غولدمان ساكس»، يحشد الكونغرس ضد عملية التنظيم تلك، فإننا نجد أن زعماءهم الروحيين يدعمون الإصلاح الذي اقترحه بول فولكر، ومن المفاجئ، أنهم يدعمون فرض المزيد من القيود. ويقول بوغل (80 عاما)، مؤسس شركة الاستثمار الضخمة «فانغارد» والرئيس التنفيذي داخلها على مدى عدة أعوام: «أعتقد أن النظام شهد انحرافات بصورة سيئة وأنه في حاجة إلى إصلاح شامل».

وذكر فولكر (82 عاما) دعم قرابة اثنتي عشرة شخصية بارزة تزيد أعمارهم في المتوسط على 70 عاما ولهم تاريخ مشرف يخلو من الأخطاء في «وول ستريت» وداخل القطاع المصرفي. ولكن، على الرغم من أن فولكر يركز على قاعدة سوف تمنع من الآن فصاعدا أي مصرف يقبل الودائع من شراء وبيع أوراق مالية لحسابه الخاص والمخاطرة بتكبد خسائر خلال هذه العملية، فإن معظم مناصريه البارزين يرون هذه نقطة بداية لعودة أوسع إلى المزيد من الرقابة. ولا يتردد المعظم في الحديث خلال مقابلات تجريها صحيفة «نيويورك تايمز». ولنستمع إلى نيكولاس برادي، وزير الخزانة في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات قبل أن يصبح رئيسا لشركة «ديلون ريد آند كمبني» التي كانت من الكيانات البارزة داخل «وول ستريت». ويقول برادي: «إذا أراد مصرفا تجاريا من الحكومة أن تضمن ودائعه وتقدم له مساعدات، فلا يمكن لهذا المصرف أن يشارك في عملية مضاربة».

ولكن، هل يعني ذلك أن برادي (79 عاما) يقول للمصارف التجارية إنها لم تعد تستطيع تداول الأوراق المالية لصالح عملائها؟ سيسمح فولكر، الذي ذاع صيته في الثمانينات كرئيس للمصرف الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي الأميركي) بذلك، وكذا الحال مع الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وافق على قيود فولكر الخاصة بتداول الملاك، وليس على الحظر الأوسع على التداول لصالح العملاء. وربما يأخذ برادي الخطوة الإضافية. ويقول برادي: «بالتأكيد سأفكر في ذلك»، مشيرا إلى أن الجيل الحالي من المصرفيين يهتم بدرجة كبيرة بتحقيق الأرباح، وأنه قد يعثر على وسيلة لتحويل التداول لصالح العملاء إلى تداول مستتر لصالح البنك نفسه، وهو ما يعرض أموال المودعين خلال هذه العملية للمخاطر. ويقول برادي: «نرسم خطا محكما للغاية، ولا يقلقني ذلك». وكذا لا يزعج جون ريد، الرئيس المشارك السابق لـ«سيتي غروب»، الذي لعب دورا في بناء «سيتي» كقوة بارزة جمعت بين الصيرفة التجارية وأشكال أنشطة التداول كافة. وساعد هذا المزيج على التعجيل من حدوث أزمة الائتمان الحالية، وتطلب ذلك مساعدات فيدرالية لـ«سيتي غروب»، بالإضافة إلى آخرين، عام 2008. وكان ريد (الذي يبلغ حاليا 71 عاما) قد رحل منذ وقت طويل، وبعد تقاعده أصبحت له أفكار أخرى، لدرجة أنه يفكر في إحياء قانون «غلاس - ستيغال» لعام 1933 الذي يمنع المصارف من المشاركة في أي نوع من أنشطة التداول تتضمن أسهما وسندات. (يشار إلى أن القانون ألغي في عام 1999، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى طلب من «سيتي غروب» التي كان يديرها حينئذ سانفورد ويل).

ويقول ريد: «قد أكون مقتنعا بأننا يجب أن نعود للخلف إلى قانون (غلاس – ستيغال)»، ولكنه يختلف في ذلك مع ويل (76 عاما) الذي لم يغير وجهة نظره في التحرر من القيود ويرى أن ذلك كان خطوة في الاتجاه الصحيح. وفي الواقع، يعلق ويل على حائط مكتب تقاعده، كتذكار، أحد الأقلام التي استخدمها الرئيس كلينتون من أجل توقيع مشروع القانون الذي ألغى قانون «غلاس - ستيغال». في المقابل، يتساءل ريد عما إذا كانت هناك عملية تداول تتماشى مع النشاط النموذجي للمصرف التجاري. ويحقق المتداول مكافئات ومرتبات أكثر بالمقارنة مع موظفي المصارف، وتوجد خلافات. ويقول ريد: «يقول المصرفيون: إذا كان العاملون في سوق المال يواجهون مخاطر كبرى، فلماذا لا نقوم بذلك أيضا ونحصل على الدولارات نفسها؟» ويضيف: «بدأوا يجربون أشياء تجعلهم يبدون بصورة جيدة، مثل تقديم قروض تجارية محفوفة بالمخاطر». وسوف تحل قاعدة فولكر ذلك بصورة جزئية عن طريق إخبار «العاملين في سوق المال»، كما يقول ريد، بأنه يمكنهم التداول فقط كوكلاء للعملاء وليس نيابة عن المصرف. وربما يقبلون على مخاطر أقل، وربما لا، إذا ما فرضت عليهم خدمة العملاء فقط. وبغض النظر عن أي شيء، فإن القيود تمضي في الاتجاه الصحيح، وهذا هو ما يجعل جورج سوروس، المتداول الملياردير، يوافق عليها، ليكون أحد الأقطاب البارزة المؤيدة لفولكر، ويشير إليه كـ«موظف عام استثنائي». ولكن، من الواضح أن قاعدة فولكر غير كافية، حسب ما يقوله سوروس، فربما تقوم شركة مثل «غولدمان ساكس»، ممنوعة من تداول الملاك، بالتخلي عن صفتها كشركة قابضة مصرفية وتعود إلى دورها ككيان استثماري بارز في «وول سريت»، لتقوم بالتداول كما تحب. وإذا فشلت حينئذ، سوف يستخدم فولكر الحكومة الفيدرالية لتوجيهها خلال عملية تصفية منظمة. وفي المقابل، سوف يقوم سوروس بإنقاذ «غولدمان ساكس». ويقول سوروس: «يكمن الخطر في أن الكونغرس والإدارة ربما يحاولان الاختفاء خلف شعار سمعة فولكر، وتطبيق هذا البعد الواحد في الإصلاح ولا شيء أكثر من ذلك، والتظاهر بأنه يكفي لإصلاح النظام المالي»، مؤكدا على أن «ذلك سيمثل خطأ تحفه مخاطر جمة». ويقول سوروس (79 عاما)، إنه شاهد «غولدمان ساكس» وشركات أخرى مثلها في «وول ستريت» تصبح أكبر من أن تتعثر، وهو ما يعني أن أي إدارة لن تسمح لهذه الكيانات العملاقة بأن تمر خلال عملية التصفية المنظمة التي ذكرها فولكر ثم الاختفاء. وستكون لذلك آثار مدمرة للغاية على النظام المالي والاقتصاد والحزب السياسي الموجود في سدة الحكم. وقال عن كيانات التداول الكبرى: «يجب الاعتراف بأنهم يتمتعون بضمان ضمني. والتظاهر بأنهم سيتركون يتعثرون أمر لا يصدق».

*خدمة «نيويورك تايمز».