شنغهاي تفتح أبوابها لتصبح عاصمة العالم المالية بحلول 2020

خلق وظائف ديناميكية تنطوي على تحديات أمر حيوي إذا ما رغبت الصين في الإبقاء على خريجيها داخل أراضيها

جانب من منشآت «وورلد إكسبو» في مدينة شنغهاي (ا.ف.ب)
TT

من المتوقع أن يشهد معرض «وورلد إكسبو» في شنغهاي إقبالا سياحيا ضخما، حيث يقدر البعض عدد زائريه المحتملين بنحو 70 مليون شخص بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول). وبالنظر إلى سعي القادة الصينيين لتحويل المدينة إلى عاصمة مالية قادرة على التنافس عالميا بحلول عام 2020، يعد المعرض أيضا فرصة ذهبية للشروع في اجتذاب مصرفيين ومحامين كي يستقروا في المصارف المطلة على نهر وانبو.

وبالنظر إلى أن شنغهاي لم تكن بها بورصة منذ عشرين عاما فقط، يتضح مدى الشوط الكبير الذي قطعته المدينة. وقياسا برسملة السوق، تعد بورصة شنغهاي بالفعل أكبر من نظيرتها في هونغ كونغ، وفي ظل تباطؤ العروض الاكتتابية الأولية للشركات الغربية بعد حالة الانحسار الاقتصادي التي مرت بها، تتنافس شنغهاي ووول ستريت بقوة متزايدة على الفوز بنصيب من الشركات الصينية المدرجة.

ومع ذلك، تبقى شنغهاي بحاجة إلى اجتذاب جيش من المديرين الماليين والمحامين والمحاسبين وخبراء شؤون مالية وسماسرة ومهنيين آخرين، صينيين وأجانب، إذا ما كانت لديها رغبة حقيقة في منافسة نيويورك ولندن خلال العقد القادم. بداية بالسماح لشركات أجنبية بطرح عروض اكتتابية أولية، وصولا إلى تطوير صناعة إدارة الثروات، لا يزال أمام شنغهاي الكثير كي تلحق بركب المراكز المالية الأخرى.

من جهته، أوضح بروفسور بك كيه دبليو بي، مساعد رئيس البرامج الآسيوية لدى كلية دبليو كاري لإدارة الأعمال التابعة لجامعة ولاية أريزونا، أن «شنغهاي تعمد بقوة إلى السير على نهج نيويورك، سعيا للتحول إلى عاصمة مالية». جدير بالذكر أن هذه الكلية تمنح درجة علمية بمجال إدارة الأعمال بالتعاون مع «معهد شنغهاي للمحاسبة الوطنية».

وأردف «بي» أن «10 في المائة من قوة العمل في نيويورك في مجال الخدمات المالية، بينما تبلغ النسبة في شنغهاي 2 في المائة. ويدرك المسؤولون في شنغهاي أنهم بحاجة لاجتذاب وتعليم مزيد من العناصر - ليس فقط بمجال الصرافة، وإنما للتنويع في مجال الاستثمار المصرفي وصناديق التحوط والسلع والسندات والأسهم الخاصة ورأس المال المغامر والمنتجات التأمينية».

الملاحظ أن الكثير من كبريات المصارف الصينية لديها مقار رئاسة في بكين، وليس شنغهاي. وقال بي «إذا ما نظرنا إلى الاستثمار المصرفي، نجد أنه ليست هناك سوى حفنة من الشركات العاملة بهذا المجال في شنغهاي. وهي صغيرة للغاية مقارنة بمؤسسات مثل «غولدمان ساكس» أو «مورغان ستانلي». أما أكبر شركة استثمارية تتخذ من شنغهاي مقرا لها، فتتراوح أعداد العاملين بها بين 2000 و3000 شخص».

على مدار العقد الماضي، عملت المدينة بجد وأنفقت كثيرا من المال، مضيفة مزيدا من المتنزهات والجسور والطرق، ومدت خدمة مترو الأنفاق لمئات الأميال، بجانب منشآت أخرى، بغية الاستعداد لإحداث تحول في المدينة بعيدا عن التصنيع والصناعة باتجاه المجالات الخدمية الأعلى قيمة.

من ناحيته، قال ديفيد بارتيك إيك، شريك بشركة محاماة تدعى «كيركلاند آند اليس»: «أنت بحاجة إلى جميع هذه العناصر من البنية التحتية الصلبة لاجتذاب المهنيين الأجانب - من مدراس جيدة ومتنزهات خضراء ووسائل نقل. وقد أدركت شنغهاي هذا الأمر، بل واستغلت (إكسبو وورلد) لخلق بعض من هذه العناصر».

كانت الشركة قد افتتحت مكتبا لها في هونغ كونغ عام 2007، وفرعا آخرا لها في شنغهاي أواخر العام الماضي بهدف التعامل مع الأعداد المتزايدة من العملاء المرتبطين بالأسهم الخاصة. وأضاف إيك أنه حاليا «يتمثل التساؤل الأكبر في ما الذي يحدث في البنية الناعمة؟».

الملاحظ أن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 جلب معه سلسلة من التغييرات التي جعلت البلاد مكانا أفضل أمام المستثمرين الأجانب، حسبما أوضح إيك. وأردف قائلا إن المهمة الكبرى الآن هي «خلق جو من الثقة والتناغم»، مضيفا «شرعت البلديات المحلية مثل شنغهاي في تجربة لتعزيز هذه الثقة».

مع اختيار مجلس الدولة الصيني، الذي يكافئ مجلس الوزراء، شنغهاي رسميا في مارس (آذار) الماضي لتصبح العاصمة المالية الدولية للبلاد بحلول عام 2020، يعتقد الكثير من الخبراء أن المسؤولين أصبحوا على استعداد للشروع، على الأقل، في التخفيف من حدة القيود المحلية المرتبطة بالعملة والضرائب وقواعد الاستثمار.

وقال بي «أحد الأهداف التي ترمي إليها بكين السماح لشنغهاي بالتمتع بمميزات خاصة فيما يتعلق بتوفير خدمات ومنتجات مالية وتنظيمات جديدة على هذا الصعيد والقضاء على الروتين. على سبيل المثال، فيما يخص صناديق الاستثمار العقارية، تسمح الصين لبضع مدن فقط بتنفيذ تجارب بهذا المجال، بينها شنغهاي. أو منح «بطاقات خضراء» أو فيزات محلية - الأمر الذي يجعل شنغهاي تتمتع بقدر أكبر بكثير من المرونة فيما يتعلق به».

جاءت إحدى الخطوات على هذا الطريق الصيف الماضي، عندما أعلنت شنغهاي أنها ستسمح للشركات الأجنبية العاملة بمجال الأسهم الخاصة بجمع أموال من مستثمرين صينيين محليين للمرة الأولى. بعد ذلك، أعلنت «بلاكستون غروب» عن أول مشروع مشترك بالتعاون مع حكومة شنغهاي المحلية لإنشاء صندوق استثماري بقيمة 5 مليارات دولار رنمينبي، أو 732 مليون دولار.

وسيركز المشروع المشترك على الشركات المعنية بمصادر الطاقة البديلة والبيئة والأخرى العاملة بالمجال الطبي في شنغهاي ومنطقة دلتا نهر يانغتسه. في الوقت الذي عززت فيه الصفقة من مكانة «بلاكستون غروب» داخل الصين، وفتحت الباب أمام مزيد من فرص عقد الصفقات، يجري النظر إليها أيضا باعتبارها سبيلا يمكن للصين من خلاله اكتساب مزيد من المعرفة اللازمة كي تتمكن من بناء صناعة أسهم خاصة لديها.

من ناحيته، أعرب بيلي إس سي ماك، بروفسور مساعد بقسم التمويل وعلوم صناعة القرارات في جامعة هونغ كونغ بابتيست، عن اعتقاده بأن خلق وظائف ديناميكية تنطوي على تحديات أمر حيوي إذا ما رغب الجزء القاري من الصين في الإبقاء على خريجيه داخل أراضيه، ناهيك عن اجتذاب أجانب. وأضاف «لا يزال الكثير من الطلاب الذين تخرجوا تحت إشرافي يعثرون على فرص العمل في هونغ كونغ. وعدد قليل منهم للغاية يعود إلى الصين، نظرا لأنهم يجدون هناك مزيدا من الفرص».

واستطرد موضحا أنه «في الصين، تتمثل خياراتك حاليا في العمل لحساب مصرف، أو شركة أمن. ولا يتوافر تنوع هناك بعد».

وأشار ماك إلى الضرائب باعتبارها واحدة من القضايا الكبرى الأخرى، حيث يواجه العمال في شنغهاي ضرائب مرتفعة على الدخل تصل إلى 45 في المائة، بينما يصل المعدل في هونغ كونغ إلى 15 في المائة تقريبا.

إلا أن التساؤل الأكبر الذي يراود الكثير من العاملين بالحقل التجاري يدور حول ما إذا كانت الصين ستسمح لرنمينبي بالتحول إلى عملة دولية قابلة للتحويل.

من جهتها، قالت أوشا سي في هيلي، مؤلفة كتاب «التاوية الصينية في النشاط التجاري»، وهي باحثة مساعدة لدى «معهد السياسات الاقتصادية» في واشنطن «التحول إلى مركز مالي محلي شيء، والعمل كمركز مالي عالمي شيء آخر. لم يظهر بالعالم من قبل قط مركز مالي عالمي من دون عملة تتحرك بحرية. ويعد هذا الأمر عقبة كبرى».

وأشار مايكل كلين، بروفسور الاقتصاد الدولي بجامعة تفتس، ومؤلف كتاب حول معدلات الصرف، إلى أن السماح بتحويل العملة بحرية كاملة يعني التخلي عن مصدر نفوذ قوي على الصعيد الاقتصادي الكبير ينطوي على أهمية حيوية لقطاع التصدير الصيني - الذي يعد بدوره محركا ضخما للوظائف.

حاليا، تتخذ الصين خطوات تدريجية على هذا الطريق، بينها برنامج رائد يسمح للشركات في شنغهاي باستخدام رنمينبي كعملة للتسوية التجارية بدلا من الدولار أو اليورو. وقال كلين «في اعتقادي، تحاول الحكومة التحلي بالبراغماتية وخوض تجارب جديدة، لكن دون التحرك بقوة في اتجاه معين. وهي سياسة ذكية».

رغم أن شنغهاي ربما لن تنافس نيويورك أو لندن في غضون عشر سنوات، ليس هناك شك في أن القطاع المالي بالمدينة سينمو ويصطبغ بطابع دولي.

عام 2009، خلصت دراسة مسحية حول التوجهات في إطار هجرة الأجانب أجرتها «بروكفيلد غلوبال ريلوكيشن سيرفيسز»، إلى أن الصين تأتي في المرتبة الأولى كأول وجهة يقصدها الأجانب وذلك للمرة الأولى منذ بدء إصدار هذه الدراسات عام 1995.

ويعني ذلك أن هناك الكثير من أمثال ناتي يارني التي انتقلت إلى الصين منذ أربعة أعوام لتدريس اللغة الإنجليزية، وتعمل حاليا لدى شركة في شنغهاي. وقالت «حتى خلال فترة الانحسار الاقتصادي العالمي، ظلت شنغهاي بمعزل عن تأثيرات ذلك السلبية. حتى قبل الأزمة، كان هناك 10 أشخاص يفدون إلى المدينة مقابل كل شخص يرحل عنها».

* خدمة «نيويورك تايمز»